م. ميثاق مناحي العيساوي
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
كانون الاول/ 2018
يعد الكونغرس الأمريكي المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية ويعتبر الهيئة التشريعية في النظام السياسي الأمريكي ويتألف من مجلسين هما(مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، وكثيراً ما تدخل تشريعات الكونغرس في حالة جدلية مع الرئيس الأمريكي أو مع اختصاصاته التنفيذية. ولعل مشروع القرار الذي صوت عليه مجلس الشيوخ بالأجماع يوم الخميس الماضي بواقع 56 صوت مقابل 41 صوت، الذي يدين فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي جمال خاشقجي بشكل مباشر، سيكون واحد من القرارات الجدلية بين الكونغرس والرئيس. وبموجب القرار تم وضع 17 سعودياً تحت قانون ماغنيتسكي لدورهم في جريمة القتل، وربما سيضع بن سلمان تحت طائلة هذا القانون أيضاً. ودعا السلطات السعودية إلى ضمان محاسبة جميع المسؤولين عن مقتل خاشقجي، واطلاق سراح السجناء السياسيين الذي تم اعتقالهم هذا العام، ودعوتها إلى احترام حقوق مواطنيها وتخفيف سياستها الخارجية المتزايدة باضطراب منذ ان اصبح بن سلمان ولياً للعهد. فضلاً عن ذلك، يطالب القرار بوقف فوري لإطلاق النار والتوصل الى حل سياسي للصراع في اليمن وزيادة المساعدات الإنسانية، ووقف الدعم الأمريكي الى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في حربها ضد اليمن ووقف تزويد طائرات التحالف بالوقود جواً.
هذا القرار بمضامينه الواسعة من الممكن أن يدخل المؤسسة التشريعية الأمريكية متمثلة بالكونغرس في جدل كبير مع السلطة التنفيذية الأمريكية متمثلة بالرئيس دونالد ترامب، لاسيما وأن الأخير رفض كل الروايات الخاصة بمقتل خاشقجي وصّدق الرواية السعودية، الأمر الذي بعث القلق في نفوس الأمريكيين، فضلاً عن ذلك، هناك علاقة يشوبها الجدل ايضا، تلك التي تجمع ترامب بولي العهد السعودي، وهناك أيضاً جدل في المؤسسات الأمريكية حول العلاقة الشخصية بين صهر ترامب ومحمد بن سلمان، والجدل السياسي الدائر حول صفقة الاسلحة التي أبرمها ترامب مع السعودية عند زيارته لها في العام الماضي، وهناك تخوف أيضاً في المؤسسات الأمريكية من العلاقة الاستثمارية بين الجانبين. إذاً بالمجمل هناك أكثر من ملف يشوبه لغط سياسي في العلاقة بين واشنطن والرياض في عهد ترامب، وفي ظل هذه الصورة الضبابية التي تزّين المشهد السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية، تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العلاقة بين واشنطن والرياض، وعن طبيعة موقف الرئيس الأمريكي من القرار، وآليات الكونغرس في التعامل مع مشروع القرار في حال تم نقضه من قبل الرئيس؟
تمر العلاقات الأمريكية – السعودية حالياً بواحدة من أسوأ مراحلها في الكونغرس الأمريكي؛ وذلك عقب جلسة إحاطة حضرتها مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) جينا هاسبل الأسبوع الماضي، انتهت بأقناع أعضاء مجلس الشيوخ بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو المسؤول عن مقتل خاشقجي. وفي ظل هذه الرواية استطاعت هاسبل أن تشق الموقف بين الرئيس والكونغرس، لاسيما بعد اصرار ترامب على تصديق الرواية السعودية في مقتل خاشقجي، والثقة التي تلقاها الرئيس من الكونغرس الذي كان يثق نوعاً ما بموقفه بشأن ملابسات عملية اغتيال خاشقجي، إلا أن مديرة الاستخبارات قلبت الموقف رأساً على عقب ضد الرئيس بعد حضورها الاخير في الكونغرس.
بالتأكد مشروع القرار هذا ليس الهدف منه تخريب العلاقة التقليدية بين واشنطن والرياض، وإنما ادانة بن سلمان دون تمزيق العلاقة، لاسيما وأن الأخير تطاول في نشاطه الخارجي، وتسبب في افتعال الأزمة الخليجية مع قطر، واحتجز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري واجبره على تقديم الاستقالة من رئاسة الحكومة قبل أن يتراجع عنها الأخير بعد عودته الى لبنان، فضلاً عن حرب اليمن وتصاعد الصراع مع إيران، واخرها مقتل خاشقجي “القشة التي قسمت ظهر البعير” وطرده السفير الكندي لدى المملكة. كل ذلك لم يعجب الكونغرس والمؤسسات الأمريكية، إلا أن دعم ترامب ودفاعه عن بن سلمان المستمر في قيادة البيت السياسي السعودي نحو الحداثة والديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الانسان، كان حائلاً دون ذلك، لكن، وعلى ما يبدو بأن طموح ولي العهد في تسلق قمة الهرم السياسي، ربما يطيح به من البيت السياسي السعودي؛ وذلك بسبب حالة الضغط التي تتولد يومياً على الملك سلمان بسبب تصرفات أبنه وولي عهده داخلياً وخارجياً. فقد صدر مشروع القرار الذي يدين بن سلمان بشكل مباشر في مقتل خاشقجي، ومن المنتظر أن يصيغ بشكل مسودة قانون ويرفع إلى الرئيس خلال الاسبوع الجاري، وهنا تجدر الإشارة إلى طبيعة تعاطي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع هذا المشروع، فهل يصادق عليه دون مشاكل ام سيستخدم حق النقض “الفيتو الرئاسي” ضد هذا القرار؟.
بالتأكيد سيكون كلا المشهدين حاضرين في ذهن الرئيس الأمريكي بشأن التعاطي مع مشروع القرار، ربما ينقضه “وهذا متوقع” وربما يصادق عليه؛ خشية من تداعيات رفض القرار الذي من الممكن أن يصبح قانوناً دون توقيع الرئيس ويلزم الرئيس بتطبيقه مرة ثانية في حال مرره مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي الاعضاء هذا من جهة، ومن جهة ثانية ربما يضطر الرئيس إلى قبول المشروع والتوقيع عليه؛ لكي لا يدخل في جدل كبير مع أعضاء مجلس الشيوخ وأن لا يجازف في علاقته مع الكونغرس، لاسيما الجمهوريون منهم، ومن ثم سيخسر دعم اعضاء حزبه في مجلس الشيوخ في مسيرته الحالية والمستقبلية، لاسيما فيما يتعلق بترشحه لولاية ثانية، وسيعرض مشروعه الداخلي إلى خطر؛ لأن رفض الرئيس يعني بأنه يقف ضد الكونغرس بمجلسيه وجهاز الاستخبارات المركزية (CIA). وهذا من شأنه أن يعرض الرئيس إلى مسائل أخرى أكثر تعقيداً تتعلق بسر رفضه لمشروع القرار، وسر دفاعه المتكرر عن العائلة المالكة في السعودية وعن ولي عهدها. ليس هذا فقط، فربما موافقة الرئيس على مشروع القرار قد تفتح عليه ملفات أخرى أيضاً، تتعلق بطبيعة علاقته الاستثمارية مع السعودية. الكونغرس من جهته يرى نفسه مضطراً في مسائلة ترامب على دعمه بن سلمان؛ وذلك من أجل عدم المخاطرة بمصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام بدعمه المطلق لمحمد بن السلمان، إذ يرى الكونغرس بأن الأخير لا يمكنه أن يقود الخليج والسعودية إلى بر الأمان في ظل تطلعاته الديكتاتورية ورؤيته الانفرادية. وبالتالي فأن الرئيس الأمريكي قد يجد نفسه مضطراً لإعطاء تفسيرات أو تبريرات حول سياسته مع السعودية. وعليه، لابد أن يجد لنفسه مخرجاً سياسياً ودستورياً من هذه الأزمة، وأن يفند تلك الجدلية التي ستضعه إمام الكونغرس.