م. م. حوراء رشيد الياسري
قسم الدراسات السياسية – مركز الدراسات الاستراتيجية.
كانون الثاني –يناير 2019
لقد أثار مقتل الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي ضجة إعلامية وسياسية كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي أدت الى زعزعة العرش السعودي وتصدع السلطة فيها، بسبب الأعمال التي يقوم بها رجال الدولة والتي تبدأ من قمة الهرم والمتمثلة بولي العهد محمد بن سلمان .
أدى اختفاء خاشقجي في 2/ تشرين الثاني/ 2018م داخل قنصلية بلاده في تركيا ومن ثم الاعلان عن قتله إلى تأجيج الرأي العام الإقليمي والدولي حتى ان بعض الدول الأوروبية قد اتخذت موقفا معاديا للملكة العربية السعودية جراء ذلك ومن أبرزها ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية التي سحبت دعمها للمملكة على لسان رئيسها ( دونالد ترامب ) الذي أعلن عن سحب دعمه الكامل للملكة العربية السعودية عامة ولولي العهد محمد بن سلمان خاصة بعد هذه الحادثة .
ان هذه الحادثة تمثل خرقا واضحا ومغايرا لما يعلن عليه في الإعلام وفيما ينفذ على أرض الواقع ؛ ويتمثل ذلك بما يطرحه الملك الحالي ويسعى إلى تطبيقه على أرض الواقع. ففي حين أعلن عن جملة اصلاحاته وتطبيقه للديمقراطية من خلال السماح للمرأة بقيادة السيارة بعد ان كانت حكرا على الرجال، والسماح بفتح دور السينما والمسرح، فضلا عن جملة من الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها سعيا منه لمواكبة المملكة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية الحاصلة في العالم.
فإذا كانت هذه المساعي الحقيقية للملك ولولي العهد لماذا أذن هناك مخالفة في تطبيقها واقعيا؟ وهذا يتجسد في اعتقال الرموز الوطنية والمعارضة وقمع الحقوق والحريات. اذ يعد مقتل خاشقجي مثالا واضحا على ذلك بعد ان عرف بكتاباته المنددة لسلطة ولي العهد والمعارضة لسياسة المملكة.
ان هذه الحادثة هي القشة التي قصمت ظهر البعير – كما يقول المثل الدارج – فمع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد ظهرت بوادر الخوف على أفراد الأسرة الحاكمة بسبب كيفية إدارة المملكة وشؤونها وسياستها داخليا وخارجيا من قبل ولي العهد ذو الخبرة المحدودة في إدارة الدولة وخصوصا المملكة العربية السعودية التي تمتلك من الأعداء ما يكفي بسبب سياستها والحروب التي تخوضها وهي في غنى عنها مثل حربها على اليمن.
بعد هذه الحادثة ومضاعفاتها عملت قيادة المملكة على إجراء بعض التغييرات الداخلية من أجل امتصاص الغضب والتنديد الداخلي والخارجي حول حادثة مقتل خاشقجي من خلال قيامها بإجراء بعض التعديلات الوزارية واستحداث بعض الهيئات التي ستؤدي الى تغييرات جيدة في المملكة – كما ترى قيادة المملكة – ولكنها في الحقيقة خطوة لامتصاص الغضب العارم الي يجتاحها.
هناك من يرى وحسب تقرير نشرته صحيفة هارتز الإسرائيلية عن امكانية تعيين وصي على الأمير بسبب سلطاته الواسعة وسياسته المتخبطة حسب وصف البعض من أجل تقييمها وعدم الوقوع في الأخطاء التي وصلت إليها المملكة اليوم مع عدم توفر الإمكانية والقدرة الكافية على استبداله بسبب الأوضاع التي تعيشها المملكة، من جانب آخر يمتلك محمد بن سلمان مجموعة من العوامل التي تصعب من عملية عزله وتتمثل في :-
- قيامه بمهام محورية في المملكة عن طريق مشروعه الاقتصادي رؤية المملكة 2030م .
- انفتاح المجتمع السعودي وتوسيع حرياته.
- تحديد مهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- السعي الى تحسين علاقات المملكة الخارجية من خلال إدارتة المباشرة لهذه العلاقات.
- اهتمامه ومتابعته المستمرة لملف الحرب على اليمن، التي لم تل لتحقيق غايتها الى الآن.
بالرغم من التحديات التي تواجه المملكة العربية السعودية والمتمثلة في الحرب على اليمن وقطع العلاقات مع قطر وفرضها الحصار عليها ولكن يعد مقتل خاشقجي من أبرز التحديات التي تواجه المملكة بسبب انقساماتها الداخلية والتي انعكست على طبيعة علاقاتها مع الغرب.
وعليه فان محمد بن سلمان يواجه مستقبلا سياسيا قد يؤدي الى عزله بسبب:
- الأزمة والدمار في العلاقات السياسية والدبلوماسية للمملكة سواء مع تركيا ومع الدول الغربية.
- ان المملكة تعتمد على الشراكة مع الغرب بشكل كامل سياسيا واقتصاديا وامنيا، ومقتل خاشقجي سيترك تأثيره السلبي على هذه الشراكة بمرور الزمن.