. م. ميثاق مناحي العيسى ./قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
كانون الثاني/ يناير 2019
نظراً للتطورات الدولية والإقليمية والتحولات السياسية التي طرأت على ثوابت بعض دول المنطقة والعالم اتجاه القضايا الإقليمية، لاسيما العربية منها، كالتغيرات التي حصلت على مواقف بعض الدول العربية والخليجية تجاه الأزمة السورية والموقف من النظام السوري بشكل العام، والتحولات تجاه الأزمة اليمينة، فضلاً عن تحركات الإدارة الأمريكية في المنطقة سواء فيما يتعلق بالانسحاب من سوريا وإعادة انتشار قواتها في العراق أو فيما يتعلق بتحركات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وجولته الشرق اوسطية وما تمخض عنها من نتائج معلنة وغير معلنة، تطرح الكثير من الأسئلة حول موقف العراق من تلك التغيرات والتطورات الإقليمية، سواء فيما يتعلق بموقفه من سياسة المحاور في المنطقة أو فيما يتعلق بطبيعة تعاطيه مع تلك السياسة؟.
بحكم فرضيات الواقعية السياسية، هناك مَن يرى بأن العراق سيكون محور الصراع الإقليمي – الدولي، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة وبين إيران وأذرعتها السياسية والعسكرية، لاسيما وأن هناك من يعزز من فرص تلك الفرضية بشكل كبير، فالساحة السياسية العراقية ما زالت تمثل بيئة خصبة ومحور تجاذبات بين المحاور الدولية والإقليمية، وأن حالة عدم الاستقرار السياسي ما تزال الصفة الدائمة التي تزين المشهد السياسي العراقي، وهناك الكثير من المشاكل التي لم تستطيع الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي الحاليين التغلب عليها حتى الآن، سواء فيما يتعلق بالفشل المتكرر في اكمال تشكيل الحكومة أو فيما يتعلق ببرنامج الحكومة بشكل عام في معالجتها الواقع الاقتصادي والخدمي المتلكئان. فضلاً عن ذلك، لم تستطع الحكومات العراقية المتعاقبة من القضاء على ظاهرة انتشار السلاح خارج أطار الدولة، ولا تمتلك خطة واضحة في تقويض الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة. كل تلك الملفات ستضع الحكومة العراقية في زاوية حرجة إمام الرأي العام الداخلي والخارجي، فالولايات المتحدة الأمريكية بدأت تعيد انتشار قواتها في العراق تحسباً لدور أكبر يوازي الدور الإيراني في العراق، وستكون ملفات (الفساد وعدم الاستقرار السياسي ومكافحة الإرهاب) مشاهد تبريرية حاضرة في العقل السياسي الأمريكي من أجل فرض تواجده في العراق.
نتيجة لذلك سيكون موقف العراق ضعيفاً ولن يرتقي إلى مستوى الطموح اتجاه التطورات الحاصلة في المنطقة سواء تلك المتعلقة بوضعه الداخلي أو التغيرات والتطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية. وهذا ما سيضع صانع القرار العراقي في مواقف حرجة تجاه سياسة المحاور الإقليمية، والتحالفات الدولية التي تسعى لها واشنطن بدعم من حلفائها، وهنا تكمن الإشارة إلى المحورين (الأمريكي والإيراني) ودورهما في صياغة الاحداث السياسية القادمة في المنطقة.
بالتأكيد سيكون موقف صانع القرار العراقي في الاختيار والتوازي بين المحورين في غاية الصعوبة، فإيران ما زالت تمتلك أذرع قوية (سياسية وعسكرية) في العراق. علاوة على ذلك، هناك تبادل تجاري وتعاون اقتصادي كبيرين بين الدولتين. وفي الجانب الآخر، هناك توجهات كبيرة للإدارة الأمريكية الحالية تجاه العراق، وإن التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة، ما هي إلا دليل واضح وصريح حول مكانة العراق في الاستراتيجية الأمريكية القادمة، فالإدارة الأمريكية تريد أن تستعيد العراق وتقلل من النفوذ الإيراني فيه وفقاً لتوجهات المؤسسات الأمريكية. وهذا سيعيدنا إلى فرضية المقال وطبيعة تعاطي الحكومة العراقية مع طرفي الأزمة.
ضمن هذا الإطار هناك من يعتقد بان صانع القرار العراقي لا يستطيع تحديد مسار موقف الحكومة العراقية تجاه اي من المحورين، لاسيما في ظل الانقسامات الداخلية وطبيعة تعاطيها مع المستجدات السياسية والقضايا المحلية والخارجية. وهناك من يرى بأن الحكومة العراقية قادرة على التعامل بحكمة وحرفية مع تحركات واهداف الإدارة الأمريكية في العراق وبين مشروع طهران في العراق والمنطقة بشكل عام؛ وذلك من خلال الموائمة بين اهدافها الداخلية ومشاريعها الخارجية. (نعم) ربما واشنطن وطهران تحاولان أن تنقل المواجهة إلى العراق، لاسيما بعد فشل الولايات المتحدة في مواجهة طهران في سوريا، لكن حتى وأن سلمنا بتلك بالفرضية. نرى أن مجريات الاحداث ستتوقف حدتها على مواقف الحكومة العراقية، فالأخيرة تستطيع التوازن بين المحورين طبقاً لمصلحتها الداخلية؛ وذلك من خلال مجموعة أمور منها:
- توحيد المواقف الداخلية بشأن القضايا الخارجية، لاسيما فيما يتعلق بالمواقف الرسمية تجاه التواجد الأمريكي في العراق، أي بمعنى أن تكون الحكومة العراقية ووزارة الخارجية هما الجهتان المعنيتان عن التعاطي مع الاحداث بعيداً عن التصريحات السياسية والحزبية التي تعكس المزاجات الشخصية للأحزاب والقوى السياسية ومواقف الفصائل المسلحة.
- الاسراع في اكمال تشكيل الحكومة العراقية، وتوحيد المواقف اتجاه القضايا الداخلية بعيداً عن المواقف الحزبية والسياسية.
- تحييد الحشد الشعبي بفصائله المختلفة وقيادته الأمنية عن مجريات الاحداث السياسية، وضرورة تفعيل مواد الدستور الضرورية، لاسيما تلك المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة.
- معالجة الأزمات الداخلية من خلال الاستجابة الفعلية لمطالب المتظاهرين وتفعيل برنامج الحكومة الحالية فيما يتعلق ببرنامجها الخدمي والقضاء على البطالة.
- تعزيز أواصر التعاون والتنسيق المشترك بين العراق ومحيطه الإقليمي، والتقارب في وجهات النظر إزاء التحديات القائمة والمحتملة وسبل المواجهة المتاحة.
بموازاة ذلك على الدول الفاعلة في المنطقة أن تعي بان الحقائق الجغرافية والتاريخية أثبتت أن قوة العراق ووحدة أراضيه واستقرار نظامه السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة هي ضمانة لأمن واستقرار المنطقة، وأن محاولة اخضاعه لسياسة المحاور الإقليمية والدولية لا تخدم مساعي استقرار المنطقة؛ لأن العراق يشكل توازن دائم بين دول المنطقة، وما يزال يشكل ركناً اساسياً من أركان النظام الإقليمي، وأن استعادته لدوره الطبيعي سيساهم بشكل كبير في استقرار الأمن الإقليمي للمنطقة بشكل عام.