م.د حيدر فوزي الغزي
باحث في قسم الدراسات القانونية/ مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
نيسان 2019
بعد زيارة وزير الخارجية الامريكي (مايك بومبيو) الى الاراضي المحتلة ولقائه رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في يوم الاربعاء (20-3-2019) خلال جولته الشرق اوسطية، وحديثه عن الخطر الايراني تجاه اسرائيل، وأمام مطالبة رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في المؤتمر الصحفي المشترك مع (بومبيو) . الذي عقد في القدس بأن على المجتمع الدولي الاعتراف بالجولان جزءا من إسرائيل، اطلق الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) تغريدة على حسابه في موقع تويتر في يوم الخميس (21-3-2019) وفق مبدأ (وهب من لايملك لمن لا يستحق)، وعداً يشوبه الحذر الى دولة الاحتلال الاسرائيلي بان الادارة الامريكية سوف تعترف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان السورية، وأنه قد حان الوقت لتعترف واشنطن بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية .
وقد قابل رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) هذه التغريدة بتغريدة اخرى في اليوم نفسه شاكراً فيها دعوة الرئيس الامريكي لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة اسرائيل على ارض الجولان المحتل، حيث قال “في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى استخدام سوريا كموطئ قدم لتدمير إسرائيل يعترف الرئيس ترامب بشجاعة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، شكرا لك سيدي الرئيس”، وقد التقى بعدها رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي الرئيس الامريكي في واشنطن في زيارة رسمية في (24-3-2019) شاكراً له دعوته لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة.
وفعلاً وفي يوم الاثنين (25-3-2019) وبحضور (بنيامين نتنياهو) في واشنطن وقّع الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) قراراً رئاسياً اعترفت بموجبه الولايات المتحدة بسيادة اسرائيل على ارض الجولان، (ولا ينسى العالم بانها هضبة سورية قد احتلت اسرائيل منها مساحة (1200) كم2 وما تبقّى للدولة السورية هو (510 كم2) اثناء الحرب العربية التي قادتها الدول العربية (مصر وسوريا بمساعدة العراق والاردن) ضد الكيان اسرائيل والتي نشبت في (5-6-1967) والتي انتهت بعد ستة ايام، وقد حاولت الدول العربية استعادتها اثناء حرب (6/ اكتوبر/ 1973) استمرت (18) يوم ولكن محاولتها باءت بالفشل وسط الضغوط الدولية).
فهل تمنح الولايات المتحدة الاراضي والمقاطعات الدولية بتغريدة على تويتر؟ مع ان مجلس الامن الدولي قد اعتبر فرض القوانين والولاية القضائية الاسرائيلية على ارض الجولان السوري المحتل في (14-12-1981) بموجب قرار الكنيست الاسرائيلي ما يسمى (بقانون الجولان) في عهد رئيس الوزراء الاسرائيلي (مناحيم بيغن) باطلاً ولاغياً وليست له اي شرعية دولية وفقاً للقرار الاممي رقم (497) في (17-12-1981)، كما ان وثائق الامم المتحدة تؤكد بأنها أرض سورية محتلة، ويسري عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) لعام (1967) الذي ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل منها.
ويستشعر الاحتلال الاسرائيلي جيداً الاهمية الاستراتيجية لهذه الهضبة حيث بدت حدوده مع سوريا بدلا من الاراضي الفلسطينية بصورة مباشرة الى التمدد على حساب الارض السورية، فهي تقع بين نهر اليرموك جنوباً وجبل الشيخ شمالاً وتتبع محافظة القنيطرة السورية، وقد اكدت الامم المتحدة بأنها ارض سورية محتلة من قبل اسرائيل، وحتى أن الجيش الاسرائيلي قد صرّح في بيان في يوم (10-6-1967) بأن الهضبة السورية في أيادينا، وشهدت هذه الهضبة عدة حروب بين سوريا واسرائيل، وتفصل بين الادارة السورية وادارة الاحتلال قوات (UNDOF) وهي قوات دولية خاصة تابعة للامم المتحدة -(United Nations Disengagement Observer Force).
وادانت وزارة الخارجية السورية في اليوم التالي (22-3-2019) موقف الرئيس الامريكي واعتبرته (لا مسؤول) مع الانحياز الامريكي الاعمى لاسرائيل، كما اعتبرت الموقف الامريكي انتهاكاً لقرار مجلس الامن الدولي رقم (497 لسنة 1981) والذي رفض بشكل كامل قرار حكومة الاحتلال حول (قانون الجولان).
كما اعتبرت وزارة الخارجية السورية ان سياسة الولايات المتحدة الامريكية سياسة رعناء تهدف الى زعزعة الاستقرار والامن الدوليين، وان على الدول الكبرى تحمل مسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي الذي بات محكوماً بتوجهات الهيمنة والغطرسة الامريكية وضرورة اعادة الاعتبار للشرعية الدولية، وان الموقف السوري ثابت عبر السنين وهو ثبات حقيقة ان الجولان عربية سورية ولن تثني الشعب السوري اعتراف الولايات المتحدة من عدمه بهذه السيادة الهمجية.
وعلى الصعيد الدولي اعتبرت روسيا في (22-3-2019) ان تغيير صفة مرتفعات الجولان بالالتفاف على مجلس الامن الدولي انتهاك مباشر للقرارات الاممية، جاء ذلك على لسان المتحدثة بأسم الخارجية الروسية (ماريا زاخاروفا)، حيث اكدت ان روسيا تقف موقفاً واضحاً مبدئياً من تبعية الجولان لسوريا وفقاً لقرار مجلس الامن الدولي رقم (497 لسنة 1981)، كما ان القرار الاسرائيلي (قانون الجولان) هو غير شرعي على هضبة الجولان.
اما على صعيد الاتحاد الاوروبي ففي (21-3-2019) اعلنت (مايا كوسيانتشيتش) المتحدثة الرسمية باسم رئيسة الدبلوماسية الأوروبية (فيديريكا موغيريني) إن “الاتحاد لا يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوری المحتل”، وان موقف الاتحاد الاوروبي لم يتغير بموجب القانون الدولي ولا يعترف بسيادة اسرائيل على الاراضي التي احتلتها عام (1967) بما فيها مرتفعات الجولان ولا يعتبرها جزءً من الاراضي الاسرائيلية.
وعلى صعيد الجامعة العربية اشار (احمد ابو الغيط) الامين العام لجامعة الدول العربية في (21-3-2019) ان ارض الجولان هي ارض عربية سورية محتلة من قبل اسرائيل وفق القانون الدولي وان منظمة جامعة الدول العربية سوف تقف الى جانب سوريا في هذه المنطقة، اما عن انعقاد الدورة (30) لجامعة الدول العربية في تونس في يوم الاحد (31-3-2019) تحت عنوان (قمة توحيد الرؤية والكلمة)، حيث تم ادراج موقف الرئيس الامريكي من قضية الجولان والقدس من ضمن جدول اعمال جلسات جامعة الدول العربية، مؤكدة بطلان وعدم شرعية القرار الامريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما بطلان القرار الأميركي الآخر بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
كما ان وزير الخارجية السعودي ابراهيم العساف صرّح باني أجدد رفض بلادي التام واستنكارها للإعلان الذي أصدرته الإدارة الأميركية بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، وان الجولان ارض عربية سورية محتلة، وان هذا الاعلان ستكون له آثار سلبية على السلام في الشرق الاوسط، كما ان وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي أكد على رفض قرار الاعتراف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان المحتل لمخالفته للقرارات الدولية معتبرا أنه قرار لاغٍ ولا أثر قانوني له ولا تترتب عليه أية التزامات.
وعلى صعيد جمهورية مصر العربية، فقد اكد وزير الخارجية المصري (سامح شكري) في (29-3-2019) بعد عودته من زيارته الاخيرة لواشنطن على الادارة الامريكية بان قرارها باطل بشأن الجولان وانها ارض عربية سورية محتلة من قبل اسرائيل.
وما زالت ردود الفعل العربية والاوروبية تتوالى على التصرّف اللامسؤول للرئيس الامريكي ترامب، فهل من رادع للسياسات الهوجاء للادارة الامريكية، ام ان الموقف الروسي بات هو الموقف القوي الوحيد الداعم لسوريا؟؟
ونريد الاشارة هنا الى ان الموقف الامريكي لم يكن وليد اللحظة بل سبقته حيثيات عديدة مهدت لذلك، فبعد تناقل المعلومات الاسرائيلية في وقت سابق حول موافقة الولايات المتحدة الامريكية على ضم هضبة الجولان السورية المحتلة الى اسرائيل وفقاً للتفاهمات بين الطرفين، اشار البرفيسور الاسرائيلي (جبرئيل هليفي) في (7-6-2018) وهو من كبار القضاة الاسرائيليين ان الوضع القانوني للجولان صعب، لان الجولان لم يكن جزءً من الانتداب البريطاني على فلسطين مقارنة بالضفة الغربية، وحسب زعمه ان الوضع القانوني للمناطق التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني بالنسبة للمناطق الفلسطينية اسهل بكثير من الوضع القانوني لهضبة الجولان السورية لان الجولان لم يكن جزءً من هذا الانتداب.
اما عن الارهاصات السابقة ففي عام (2010) قدّم رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وثيقة تفاهم لسوريا وبوساطة امريكية حول اعادة اجزاء كاملة من هضبة الجولان للسوريين من بينها قرى الدروز حسب تصريح الجنرال (عودي آراد) مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق في (7-6-2010) مقابل الابقاء على مناطق المستوطنات اليهودية وأماكن المياه في الهضبة تحت السيادة الاسرائيلية، وكان ذلك مما بدأ به رئيس وزراء الاحتلال السابق (ايهود اولمرت).
ومن خلال ما استعرضناه يبقى اعتراف الرئيس الامريكي بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان أمراً خاطئاً تجاوز فيه على حق الشعب السوري وسيادة الدولة السورية وهو مؤشر خطير يصدر من دولة عظمى وعضو دائم في مجلس الامن الدولي..