الكاتب: إدوين هودج باحث مع مشروع حدود في العولمة بمركز الدراسات العالمية بجامعة فيكتوريا بكندا.
الدكتورة هيلغا هالجريمسدوتير أستاذة مشاركة في كلية الإدارة العامة بجامعة فيكتوريا، كندا.
الناشر: جامعة اوكلاند / نيوزلندا
ترجمة: هبـــه عباس محمد
مراجعة وتحليل: د. حسين احمد السرحان رئيس قسم الدراسات السياسية-مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
نيسان-ابريل 2019
تشترك الأحداث المأساوية في مدينة كرايستشيرش النيوزلندية، وانتهاكات الخصوصية، والتدخل الانتخابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في موضوع واحد الا وهو عدم الفهم الكامل للكيفية التي يخلق فيها الانترنت مساحة للخطاب الاجتماعي، والكيفية التي يخلق بها هذا الفضاء مخاطر وتهديدات للمشاركة والنقاش الديمقراطي والقيم الديمقراطية الأساسية وأمن الحياة بشكل أساس.
والسؤال الملّح هنا كيف يحفز النشاط عبر الإنترنت هذا النوع من الوحشية اللاإنسانية التي شهدناها في كرايستشيرش؟
من الواضح ان الإرهابي منفذ الهجوم تأثر بالأفكار المطروحة عبر شبكة الانترنت، والتي تحثه على القيام بممارسات وحشية بعيدة كل البعد عن الإنسانية واحترام البشر.
وعلى الرغم من حظر البيان الذي بثه الإرهابي من قبل الرقابة النيوزلندية لكن لايزال من الممكن الحصول على نسخة من هذا البيان الموسوم “البديل العظيم” الذي يتضمن كم هائل من الإساءة والتحريض ونفس التخيلات المظلمة للحركات العنصرية السابقة كـ” الإبادة الجماعية البيضاء” و” استبدال البيض” وهو مزيج مربك من مؤامرة اليمين المتطرف.
وكما يوحي عنوان البيان، أن هذا الارهابي ملتزم تمامًا بنظرية المؤامرة المشتركة بين اعضاء اليمين المتطرف. وإذا أردنا تصديق هذه النظرية، علينا ان ندرك ان الأشخاص البيض معرضون لخطر الانقراض، لذا من اجل الحد من هذا الأمر يجب على “الأمم البيضاء” إغلاق حدودها وطرد الأشخاص غير البيض والا سيتعرضون لخطر استبدالهم داخل اوطانهم.
عندما يفشل “العَلم العنصري”، وتفشل محاولات حماية البيض باعتبارهم “التنوع الحيوي البشري” تزداد مخاوفهم من الاستبدال، وان مظاهرات اليمين المتطرف والأبيض في شارلوتسفيل في فرجينيا، وهتافهم “لن تحل محلنا”؛ ومظاهرات السترات الصفراء-وهي حركة خوف من الأجانب في كندا-أمام مباني البرلمان، تدل على مخاوفهم من الاستبدال، وهذه المخاوف تجبر العنصريين على التطرف لان هذا الاستبدال ليس للسكان فقط بل يعد استبدالا للسلطة.
وعند تصفح المواقع الالكترونية التابعة لحركة اليمين البديل، “هي مجموعات ضعيفة الارتباط وغير محددة جيدا من جماعة سيادة البيض الأمريكية ذات القومية البيضاء والمعادية للسامية”، ستفضي بك الى الانغماس في دوامة لا تنتهي من الغضب والخوف والتآمر. وبهذا يمكن اعتبار أي اعتقاد طفيف ضد الهوية الثقافية (البيضاء) للغرب هو اعتداء، وكل اتجاه يمتد نحو الشمولية هو تهديد للقيم الغربية “التقليدية”.
المجتمعات التي ولدت إرهابيين مثل إرهابي مسجد مدينة كيبيك، أو قاتل تورنتو الذي استخدم سيارة اجرة لإظهار غضبه، أو إرهابي كرايستتشيرش هي مجتمعات تتاجر بأفكار من سبقوهم على مدى عقود. كانت المخاوف من الحروب العرقية و”التضليل” عنصرين أساسيين في رواية The Turner Diaries الخيالية التي تصف الإبادة الجماعية في الولايات المتحدة. تم طبع هذه الرواية في ثمانينيات القرن الماضي وبنيت على أفكار ومخاوف لاتزال قائمة لكن تغيرت طريقة نشرها.
في أيام ما قبل الإنترنت، لم يكن لدى النازيين الجدد وأمثالهم خيار سوى التواصل جسديًا مع المجندين المحتملين من خلال الانخراط في حملات المنشورات أو التوظيف المباشر لهذه الحملات، كانت المخاطرة الشخصية لهؤلاء عالية جدًا. اما الآن، أصبح من الصعب توظيف حلفاء جدد لهذه القضية، وأصبحت مخاطر القيام بذلك منخفضة.
يتطرف الإرهابيون البيض بنفس الطريقة التي كان ينتهجها الإرهابيون الآخرون. فيتخذون توجهات تقلل بشكل منهجي من قدرتهم على الشعور بالتعاطف تجاه الآخر، وهو طريق قصير وضيق ويجعلهم مجردين من الإنسانية. ومع ذلك، لا يزال الفهم لهذه الشبكات محدودًا، لذا تبرز الحاجة الى تكريس المزيد من الجهد لفهم هذه الحركات الناشئة على الإنترنت، ويجب أن نأخذ خطرها على محمل الجد خاصة بعد ان أصبح السياسيين يتلقون الدعم منها.
عند ملاحظة عدم رغبة الزعماء السياسيين مثل أندرو شير في كندا بمعالجة الجوقة المتنامية للأصوات المتعصبة وكراهية الأجانب في أجنحة حركاتهم السياسية، والأسوأ من ذلك تأييدهم لطرق التفكير هذه بشكل علني ولا نفعل شيئا نصبح جميعنا متواطئين.
لقد أصبحنا عناصر تمكين للإرهاب المتطرف، ويجب ان نحد من هذا الأمر لأنه ليس هدفًا مستحيلًا. وكما أوضح رئيس وزراء نيوزيلندا السيدة ” Jacinda Ardern” يتطلب الأمر الشجاعة والتعاطف والاستعداد للدعوة إلى سيادة الأبيض أينما كان جذره، وكما كتب الزعيم السابق لأحد الأحزاب السياسية في كندا ذات مرة: “أصدقائي، الحب أفضل من الغضب والأمل أفضل من الخوف والتفاؤل أفضل من اليأس. إذا دعونا نكون محبين، آملين ومتفائلين، وسوف نغير العالم”.
التحليل:
اقصاء الآخر المختلف أكثر صور التطرف والارهاب شيوعا في عالمنا المعاصر لاسيما مع الشعور بأن هذا الاخر يشكل خطرا وجوديا اجتماعيا وثقافيا وحتى سياسيا، حاضرا ومستقبلا. والدعوة الى سيادة العنصر الابيض تأتي في إطار هذا النوع من الاقصاء. ويبدوا ان ذوبان الهويات الفرعية لفئات المجتمع في اي من المجتمعات – لاسيما الغربية -التي شهدت هذا النوع من التطرف هو السبب في اعادة التفكير بالهويات الوطنية والفرعية والتأكيد عليها وحتى تسويق ضرورة الدفاع عنها حتى باستخدام العنف. هذا النوع من العنف تتعامل معه بعض وسائل الاعلام الغربية والحكومات على انه حركات عنصرية في حين انها لا تختلف في مضامين دعواتها واساليبها عن تلك المعتمدة لدى الجماعات الارهابية في المجتمعات الاسلامية ومنها المجتمعات العربية، هذا من جانب،
ومن جانب آخر، هذه الدعوات العنصرية أصبح لها تمثيل سياسي واعضاء في السلطات التشريعية والتنفيذية في بعض الدول واصبحت تلك الحركات السياسية تعمل على التأكيد على هذه المنهج الاقصائي في سبيل تعزيز قاعدتها الانتخابية.
رابط المقال الأصلي: