الوكيلكس بعد اسانج

      التعليقات على الوكيلكس بعد اسانج مغلقة

 

الكاتب: م. مؤيد جبار حسن/باحث قسم الدراسات السياسية -مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

 

نيسان-ابريل 2019

أعاد اعتقال جوليان اسانج محمولا من سفارة الاكوادور في لندن الى الاذهان الضجة التي قام بها الرجل وموقعه ويكليكس عبر نشر ملايين الوثائق السرية لعديد من الدول على الانترنت لتصبح متوفرة للجميع، في اول حادثة تنتهك فيها الحجب التي احاطت بقضايا غاية بالسرية والخصوصية حول العالم.

جوليان اسانج مواليد 1971 كوينزلاند –استراليا هو صحفي وناشط ومبرمج، أسس موقع ويكيليكس ويرأس تحريره. حاصل على العديد من الجوائز الصحافية والحقوقية منها جائزة من منظمة العفو الدولية في 2009 ومرشح لجائزة نوبل للسلام عام 2019. كان أسانج هاكر عندما كان مراهقا، ثم مبرمج كمبيوتر قبل أن يصبح معروفا لعمله مع ويكيليكس، وجعل ظهوره العلني في جميع أنحاء العالم للتحدث عن حرية الصحافة، والرقابة، والصحافة الاستقصائية. أصبحت ويكيليكس معروفة عالميا في عام 2010 عندما بدأ في نشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة بمساعدة من شركائها في وسائل الإعلام. في تشرين الثاني/ 2010، صدر بحق أسانج أمر الاعتقال الأوروبي استجابة لطلب الشرطة السويدية لاستجوابه فيما يتعلق بتحقيق في تهمة اعتداء جنسي.[1]

أغلب حكومات العالم والتي فضحها اسانج على وجه الخصوص تكره هذا الرجل وتتمنى ان يسقط في يدها لتنتقم منه وتسكت صوته الممتد في جميع الوصلات الالكترونية للشبكة العنكبوتية، ومن تلك الدول التي تطالب برأس الرجل:

الولايات المتحدة: في تشرين الأول عام 2016 بدأ “ويكيليكس” بنشر رسائل جون بوديستا، وهو رئيس الحملة الانتخابية لـ هيلاري كلينتون. وتتضمن تلك الرسائل معلومات عن حملات ترويج سرية لكلينتون من قبل أكبر شركات الأنترنت على غرار “غوغل” و”ياهو”، وعن الأساليب التي لجأت إليها كلينتون لمواجهة خصمها الجمهوري دونالد ترامب، فضلا عن مقتطفات من كلمات كلينتون في مناسبات خاصة.

في آذار عام 2016، بدأ “ويكيليكس” بنشر رسائل لـ هيلاري كلينتون بعثت بها وتلقتها عبر بريدها الإلكتروني الخاص (الشخصي) أثناء توليها منصب وزير الخارجية الأمريكي. وبالإضافة إلى المحتوى الحساس لبعض الرسائل، وأثارت هذه التسريبات مشاكل كثيرة لكلينتون. إذ واجهت اتهامات بالإهمال بسبب استخدامها لبريدها الالكتروني الخاص في سياق القيام بمهامها الرسمية كوزيرة للخارجية، وهو أمر تحظره الاستخبارات الأمريكية قطعيا.

في شباط عام 2016، بدأ “ويكيليكس” بنشر وثائق تكشف عن تنصت وكالة الامن القومي الأمريكية على عدد من الزعماء الدوليين لجمع معلومات حول مواضيع مرتبطة بالمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة. [2]

وتشمل الوثائق المنشورة على موقع ويكيليكس تفاصيل حول الوسائل المتعددة التي تستخدمها وكالة الاستخبارات الأمريكية في ما يزعم الموقع أنها أسلحة إلكترونية، منها ما يستهدف الأجهزة والحواسيب المشغلة بأنظمة “ويندوز” و “أندرويد” و “آي أو أس” و “أو أس أكس” و “لينكس” وأخرى تستهدف موزعات الإنترنت.[3]

السعودية: إن ما نشر هو جزء من نصف مليون وثيقة وعد بها جوليان أسانج، وتظهر اهتماما سعوديا بالمنافسة مع إيران، ودعم الانقلاب في مصر والحلفاء في اليمن ولبنان والعراق وبقية دول الشرق الأوسط. كما أن الوثائق تتحدث عن مخاوف الرياض من أي ميزات إيجابية قد تحصل عليها طهران. وتفيد وثيقة بأنه لو عقدت القمة العربية في موعدها عام 2012 في بغداد، فإن هذا يعني “تقديم العراق هدية إلى إيران”. كما تظهر الوثائق جهود السعودية لدعم معارضي رئيس وزراء عراقي سابق…[4]

الوثائق الأولية وفرت تفاصيل رئيسة عن دخول المملكة في حرب اليمن لخشيتها من التمدد الإيراني وعن إدارة المملكة لعملياتها وإدارة تحالفاتها وتعزيز مكانتها الإقليمية بالتدخل المفرط في الشؤون الداخلية للدول، وعمل تقرير يومي عما يهتم به الإعلام الداخلي لكل دولة ولعل أهم ما ترصده السعودية هو الإعلام المصري والإيراني.[5]

العراق: كشف موقع ويكيليكس حجم الانتهاكات السافرة والصارخة لحقوق الإنسان التي تعرض لها العراق إثر غزوه واحتلاله من قبل القوات الأميركية في التاسع من نيسان 2003، لا سيما في المدة الممتدة ما بين مطلع العام 2004 ونهاية عام 2009، وذلك من خلال تسريب وثائق سرية عسكرية في عملية وصفت بأنها الأكبر في التاريخ المعاصر. وضمت هذه الوثائق معلومات تحمّل الجهات الأميركية والجهات الحكومية الرسمية العراقية إضافة للشركات الأمنية بما فيها شركة بلاك ووتر، مسؤولية ما جرى ويجري في العراق من مآسِ، مؤكدة أن ثلثي عدد الضحايا هم من المدنيين، على الرغم من المزاعم الأميركية التي تفيد بانتهاء المهمات القتالية والعمليات الحربية منذ أيار 2003 وسحب القوات ذات الطبيعة القتالية حسب إفادة الرئيس الأميركي باراك أوباما.[6]

كما نشر الموقع وثيقة في كانون الثاني 2015 كانت قد سربت من المخابرات المركزية الامريكية CIA تنص على ان العميل رقم 708 والمقصود به شخصية سياسية مهمة حسب ما ذكر الموقع، أصبح خطرا على اجندات تلك المخابرات وقد عمل في الفترة الاخيرة بأجندات تتعارض مع المصالح الامريكية. وكان القائمون على موقع ويكيليكس قد نشروا الوثيقة سابقا مرفقة بصورة للسياسي العراقي الذي توفي في ظروف عدها البعض غامضة ومفاجئة.[7]

وعن تلك التسريبات قال وزير الخارجية العراقي السابق ابراهيم الجعفري، ان العراق سيتعامل بكل جدية مع الوثائق التي نشرها موقع ويكليكس بشأن علاقة بعض الساسة العراقيين بالسعودية. وأوضح الجعفري في تصريح صحفي ان “العراق ازاء المواقف الاقليمية والدولية وحتى المحلية لا يتعامل الا من خلال الوثائق الدامغة التي تترشح من خلال القنوات المسؤولة والجهات التحقيقية والقضائية وتأخذ حصة كافية من التمحيص ولسنا بصدد تكذيبها وتصديقها”. وشدد الجعفري على ان الاخذ بهذه الوثائق سيتم إذا كان هناك موقف قضائي بشأنها.[8]

فيما أكدت النائبة سميرة الموسوي، أن المعلومات التي جاءت في موقع “ويكليكس” غاية في الخطورة، ودعت البرلمان الى رفع الحصانة عن النواب الذين وردت اسمائهم بالموقع، ووصفت تلك الاسماء بـ”المجرمة”.[9]

واكدت منظمة هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة العراقية أن تحقق في تقارير قابلة للتصديق بقيام قواتها بارتكاب أعمال تعذيب وانتهاكات ممنهجة بحق المحتجزين. وكانت قد صدرت من موقع ويكليكس في 22 /تشرين الأول 2010 مئات الوثائق تكشف عن أعمال الضرب والحرق والجلد بحق المحتجزين من قبل آسريهم من العراقيين. واكدت هيومن رايتس ووتش إنه على العراق مقاضاة المسؤولين عن التعذيب وغيره من الجرائم.[10]

تركيا: اتهمت وثائق “ويكيليكس” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستخدام تنظيم داعش لابتزاز دول المنطقة، وخاصة دول الجوار. وقالت التسريبات التي نشرت نسخا من البريد الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إن أردوغان استغل التنظيم لتهديد العراقيين.

وتحدثت أخبار ويكليكس عن أن زعيم كردي عراقي كبير تبادل 882 رسالة مع حزب أردوغان، وفيها أيضا اعترافات لمسؤولين كبار عن دوره في افشال الحركة الكردية في شمال وغربي كردستان.[11]

كذلك طالت التسريبات المانيا وغيرها من الدول كذلك منظمة الامم المتحدة.

لقد الهمت ويكليكس واثارت احلام الكثير من الناس في عالم اكثر شفافية وبدون اسرار سوداء او فضائح صادمة. وظهرت نسخ اخرى من صنيعة اسانج، امثال ” بنما ويكس” او “فضيحة بنما” حيث كشفت 11.5 مليون وثيقة مسربة ان 140 زعيما سياسيا من دول العالم بينهم 12 رئيس حكومة حالي او سابق هربوا اموالا من بلدانهم الى ملاذات ضريبية. الفضيحة طاولت أيضا نجوما في الرياضة والتمثيل والغناء ورجال أعمال تهربوا من الضرائب باللجوء الى “الملاذات الضريبية” و “الاوفشور”.[12]

كذلك ظهرت الى العلن فضيحة ” لوكسمبورغ ليكس” حيث وقعت لوكسمبورغ اتفاقات مالية سرية مع 340 شركة متعددة الجنسيّة، من بينها “آبل” و”آمازون” و”إيكيا” و”بيبسي”، للحد من الضريبة على الأرباح، بالاستناد الى وثائق حصل عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، وشكلت إحراجاً لرئيس الوزراء السابق جان كلود يونكر الذي تولى رئاسة المفوضية الأوروبية بداية تشرين الثاني 2014، وفتحت المفوضية الأوروبية تحقيقات في حزيران (يونيو) حول ممارسة “التوافق الضريبي المسبق”، التي تستهدف دولاً أعضاء في الاتحاد الأوروبي. وأحد هذه التحقيقات يستهدف إرلندا واتفاقات بين السلطة المالية فيها وبين العملاق الأميركي “آبل”، المشتبه في أنه استفاد من معاملة تفضيلية مخالفة لقواعد المنافسة الأوروبية.[13]

ان المصير الذي ينتظر جوليان اسانج مجهولا، لكنه سيبقى في نظر الكثيرين من أنصاره ومحبيه حول العالم، بطلا عالميا قارع جميع حكومات العالم والاقوى منها على وجه الخصوص، ولو أنه اراد من وراء عمله جاه او مال لحصل على الكثير منه، لكنه رجل مختلف وصاحب مبدأ، ويمتلك عقلية فذة، وانسانية كبيرة.

[1] الوكيبيديا ، الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%86_%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%AC

[2] قناة RT ، الرابط : https://arabic.rt.com/news/846266-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D8%AA%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B6%D9%88%D9%86-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86/#

[3] موقع bbc، الرابط: http://www.bbc.com/arabic/world-39196046

[4][4] وكالة النبأ الاخبارية، الرابط: https://n.annabaa.org/news598

[5] موقع ساسة بوست، الرابط: https://www.sasapost.com/wikileaks-documents-about-saudi-arabia/

[6] موقع الجزيرة ، الرابط: https://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2010/10/28/%D8%AA%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9

[7] موقع النبأ الاخباري، الرابط: https://n.annabaa.org/news2664

[8] وكالة النبأ الاخبارية، الرابط: https://n.annabaa.org/news583

[9] وكالة النبأ الاخبارية ، الرابط: https://n.annabaa.org/news566

[10] منظمة حقوق الانسان، الرابط: https://www.hrw.org/ar/news/2010/10/23/240897

[11] موقع العراق اليوم، الرابط: http://iraqtoday.com/news/134/10-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B6%D9%8A%D8%AD%D8%A9

[12] سي ان بي سي العربية ، الرابط: https://www.cnbcarabia.com/news/view/17469/%22%D8%A8%D9%86%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3%22-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%B7-140-%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85%D8%A7-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%BA%D8%B3%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84

[13] صحيفة الحياة، الرابط: http://www.alhayat.com/article/612197/-%D9%84%D9%88%D9%83%D8%B3%D9%85%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%BA-%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3-340-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D8%A8%D8%B3%D9%8A-%D9%88-%D8%A2%D8%A8%D9%84-