تطورات السوق النفطية في ظل الصراع الامريكي الايراني

      التعليقات على تطورات السوق النفطية في ظل الصراع الامريكي الايراني مغلقة

 

د. فراس حسين علي الصفار

رئيس قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

نيسان-ابريل 2019

ارتفعت اسعار النفط العالمية (مزيج برنت) اليوم الخميس 25 نيسان لأعلى مستوى لها منذ بداية العام الحالي لتتجاوز 75 دولار للبرميل، نتيجة التوترات والتصريحات المتبادلة بين الحكومتين الامريكية والايرانية والمخاوف من نقص الإمدادات العالمية، اذ يسعى الرئيس الامريكي ترامب لتنفيذ تعهداته الخاصة بجعل “الصادرات النفطية لإيران تساوي صفراً” ومن ثم “حرمان النظام من مصدر دخله الأساسي” اذ تقدر الإدارة الأميركية العائدات النفطية الإيرانية بنحو 40 % من أجمالي عائدات الدولة.

وفي هذا السياق اعلنت واشنطن إنها في 2 أيار المقبل ستنهي جميع الإعفاءات الممنوحة للدول الثمانية المستوردة للنفط الايراني وهي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان، اذ منحت في كانون الاول الماضي اعفاءات لمدة 6 أشهر لمواصلة شراء كميات محدودة من الخام الايراني بعد ان فرضت الولايات المتحدة الامريكية في 5 تشرين الثاني الماضي حزمة من العقوبات طالت الصناعة النفط في إيران، ما أثر على إنتاج النفط الخام والصادرات وتخفيضها بشكل كبير. ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك بل توعدت بفرض عقوبات على الدول الحليفة لها أيضا في حال واصلت شراء النفط الإيراني.

وأعلنت واشنطن ايضاً أنها والسعودية ودولة الإمارات، “ستلتزم العمل بما يتيح بقاء الأسواق النفطية العالمية مزودة بما يكفي من كميات” من النفط. وأعقب ترامب هذا البيان بتغريدة وعد فيها بأن تعمل الرياض مع دول أخرى من منظمة أوبك “على القيام بما هو أكثر من تعويض النفط الإيراني”. كما أعلنت السعودية استعدادها للعمل على بقاء السوق النفطية مستقرة.[1]

وفي سياق الرد الإيراني، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني امس الأربعاء “إن إيقاف صادرات النفط الإيراني أمر غير ممكن”، بينما تعهد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بالرد على ما أسماه العداء لإيران وبعدم السكوت على إيقاف الصادرات النفطية.

واعتبر روحاني (خلال اجتماع للحكومة) أن تعويض السعودية والإمارات لحصة النفط الإيراني في السوق العالمية يعني مواجهة الشعب الايراني. وأضاف أن الرياض وأبو ظبي يجب أن تعلما أن إيران القوة الأساس في المنطقة وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستنتهي فترته لكن إيران باقية، داعيا الرياض وأبو ظبي إلى اتخاذ قرارات تكون لصالح شعوب المنطقة ولصالح سوق النفط. وأكد الرئيس الإيراني بأن المفاوضات مع بلاده لا تزال ممكنة ولم تصبح مستحيلة لكن البداية تكون بوقف الضغوط والتهديد، على حد قوله.[2]

اما رد الفعل التركي فبينه وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، ليل الاثنين 22 نيسان، قائلاً ان قرار الولايات المتحدة وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني هو «تجاوز للحدود» معلناً ان تركيا تعارض «مثل هذه الخطوات والإملاءات». واصفاً هذه الخطوة بـ «غير الصحيحة». مبيناً أن العقوبات تعد أيضاً خطوة في غاية الخطورة على استقرار وأمن المنطقة. وأكد أنه من غير السهل بالنسبة لتركيا والدول الأخرى تنويع مصادرها فيما يخص النفط، وأن أنابيب النفط القادمة من العراق تضررت عقب احتلال تنظيم داعش وترميمها يتطلب وقتاً. وأشار إلى أن ما تفعله الولايات المتحدة هو اتخاذ قرار أحادي الجانب وجعل الدول الأخرى تدفع ثمن ذلك.[3]

اما العراق فأوضح انه غير معني بموضوع العقوبات وانه ملتزم بالاتفاق النفطي لمنظمة اوبك ومنتجو نفط عالميون اخرون بتخفيض الإمدادات النفطية منذ بداية العام بهدف تقليص المعروض بأسواق النفط العالمية ودعم الأسعار.

وفقا لآخر تقرير لأوبك، فقد انخفض إنتاج النفط الإيراني 28 ألف برميل يوميا في شهر مارس الماضي لينخفض إلى أقل من 2.7 مليون برميل المخصص لها وهو أدنى مستوى خلال الأعوام الخمسة الماضية

السؤال الذي يرد في ظل هذا المشهد المعقد الى اي مدى ستستمر الولايات المتحدة الامريكية بتهديداتها لإيران وماهي الخيارات المتاحة لها؟

للإجابة عن ذلك يجب معرفة الخيارات المتاحة للإدارة الامريكية بقيادة ترامب:

الخيار الاول (المتشدد): يتمثل بالتزام امريكا بتطبيق جميع تهديداتها وانها تعي ان اظهار تهاون مع ايران قد يؤثر على وضعها العالمي وخاصة فيما يتعلق بالحرب التجارية مع الصين والمفاوضات مع كوريا الشمالية والتنافس مع روسيا لذلك من المحتمل ان لا تتراجع امريكا عن السياسة الحالية وانها قد تفرض عقوبات على الحلفاء في حالة الامتناع عن تطبيق العقوبات ولاسيما ان ثلاث من الدول الثمانية قد التزمت بموضوع العقوبات وهي كل من اليونان وايطاليا وتايون .

الخيار الثاني (الاقل تشدداً): يتمثل الاستمرار بفرض العقوبات على الصادرات النفطية لكن قد تمنح اعفاءات لبعض من الدول الخمس لمدة 3 او 6 أشهر غير قابلة للتجديد بفعل الضغط العالمي او عدم التزام تلك الدول بالعقوبات.

الخيار الثالث (المتساهل): الابقاء على الوضع القائم مع دعوة ايران للتحاور حول القضايا العالقة بين الطرفين متمثل بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ وغيرها.

يمثل الخيار المتشدد هو الاقرب للحصول نتيجة السياسات المعلنة لأمريكا ولاسيما ان الرئيس ترامب يعتقد ان زيادة الضغط على ايران سيمثل رادعاً قوياً لها وان توقف المردودات المالية سيسهم في زعزعت الوضع الداخلي لايران، كما ان الرئيس ترامب يحاول كسب حصة ايران من انتاج النفط لاسيما بعد وصول الانتاج الامريكي لمستويات قياسية فضلاً عن ان انقطاع الامدادات النفطية لايران ستساهم في رفع اسعار النفط وهو ما تحتاجه صناعة النفط الصخرية (اسعار اعلى من مستوى 80 دولار) للاستمرار بالانتاج.

اما الرد الايراني سيكون اما بالجلوس مع امريكا في مفاوضات شاقة وطويلة لن تجني منها غير الوقت على امل انتهاء ولاية ترامب او ان تستخدم الخيار الاكثر تشدداً المتمثل بعدم الانصياع للعقوبات واستخدام مختلف الوسائل لتصدير النفط والالتفاف على العقوبات اما بتخفيض الاسعار او بالمشاركة مع الدول الكبيرة كالصين والهند وروسيا وتركيا بالانتاج ما يسمح بنقل النفط او استخدام الخيار الاصعب والمتمثل بغلق مضيق هرمز ومنع الامدادات النفطية ان تتحرك من خلال ذلك المضيق ما قد يدفع امريكا وحلفائها ان تجد المبرر لضرب ايران وهو الخيار المستبعد بالوقت الحاضر. وان الخيار الذي ستقدم عليه ايران يتمثل بالالتفاف على العقوبات واعطاء اسعار تفضيلية للشركاء التجاريين لتجنب العقوبات والضغط على امريكا.

اما دول الجوار الايراني فأنها ستشهد ضغطاً كبيراً خلال الفترة المقبلة لاسيما تركيا التي تحتاج للنفط الايراني وانها لن تتخلى عن ذلك الا اذ قام العراق بتوريد النفط لها بأسعار تفضيلية وهو ما تسعى له الولايات المتحدة الامريكية، بالمقابل فان العراق سيكون المتضرر الوحيد من الموضوع اذا تدخل في هذا الصراع ولذلك على الحكومة العراقية ان تستخدم سياسة النأي بالنفس عن المشاكل الكبيرة المحتملة بين الطرفين وان تقدم المصلحة الوطنية في القرارات التي ستتخذها في المستقبل القريب وان لا تميل لطرف على حساب الطرف الاخر.

في ظل هذه الخيارات سيستمر اسعار النفط بالارتفاع معززة بالتطورات الجيوسياسية في كل من فنزويلا وليبيا، لحين عقد منظمة اوربك اجتماعها في ايار المقبل لتحديد السياسة الانتاجية للمنظمة ومن المتوقع ان يستقر السعر عند مستوى اعلى من 80 دولار للبرميل خلال الاشهر الثلاثة المقبلة.

الهوامش

[1] (واشنطن: من يشتري النفط من إيران سيعاقب حتى لو كان حليفا) مقال منشور على الرابط التالي : https://www.dw.com/ar /a-48436347

[2] (معركة النفط.. روحاني يحذر السعودية والإمارات من مواجهة الشعب الإيراني) مقال منشور على الرابط التالي :  https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/4/24/

[3] (أول رد من تركيا على وقف أمريكا إعفاءات شراء النفط الإيراني: لا نقبل الإملاءات من أحد) مقال منشور على الرابط التالي : https://arabicpost.net/politics/2019/04/22/