الكاتب: کیهان برزگر
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط/ طهران
ترجمة: م. خالد حفظي التميمي
تحليل: م. مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
ايار-مايو 2019
افضى قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب غير المسبوق في تصنيف الحرس الثوري الايراني ضمن قائمة الجماعات الإرهابية الى ظهور العديد من التحليلات التي أجراها الباحثون والمراقبون في داخل ايران وخارجها.
وبهذا الصدد فقد كتب د. كيهان برزگر، رئيس مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، مقال نشره في المجلة الأمريكية للمجلس الأطلسي حول القرار الأمريكي ضد الحرس الثوري، وطرح فيه تساؤل وهو: لماذا شدد ترامب الصاق التسمية الإرهابية للحرس الثوري الايراني؟
تهدف الخطوة الأخيرة الذي اتخذها البيت الأبيض على اعتبار الحرس الثوري كقوة إرهابية، فضلا عن سياسة ادارة ترامب في استخدام “أقصى حد من الضغط” لتوسيع نطاق العقوبات الاقتصادية على إيران الى كبح الدور الإقليمي لإيران وتقليص نفوذها.
ولهذه السياسة أيضا هدفا اعلاميا من خلال إعلان حكومة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في العام الماضي لتحقيق اتفاق أفضل. ويؤكد الكاتب ان فرض عقوبات أكثر صرامة تهدف الى تحدي القوة الاستراتيجية لإيران في المنطقة، وإجبار طهران على قبول التفاهمات السياسية -الأمنية المطلوبة والمفضلة لدى ترامب وحلفائه الإقليميين، كأسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لقد تم فرض العقوبات لإضعاف الاقتصاد الإيراني، وخلق فجوات سياسية داخلية وزيادة ضعف النظام السياسي في البلاد. على الرغم من أن العقوبات في بعض الحالات قد كثفت المناقشات بخصوص السياسة الداخلية لإيران وتكلفة الوجود الإقليمي على البلاد، إلا أنه عمليا لم تؤدي الى تغيير في سياسة إيران الإقليمية.
إن المنطق الدفاعي الإيراني للردع الاستراتيجي يعتمد بشكل أساسي على محورين:-
أولاً، الاعتماد على “إطلاق الصواريخ على نطاق واسع” للرد على الهجمات العدائية واستهداف قواعدها العسكرية المعادية في المنطقة والتي يمكن استخدامها لمهاجمة إيران. في هذا الصدد، لم يؤدي تشديد العقوبات الاقتصادية إلى الحد من برنامج الصواريخ الإيراني باعتباره المصدر الرئيس للردع في البلاد. كما ان العقوبات ستجعل الإنتاج الوطني للصواريخ منخفض التكاليف وبالتالي ستكون مشجعة اكثر من شراء الأسلحة باهظة الثمن واستجلاب المقاتلين الأجانب. فالصواريخ السريعة والدقيقة يمكن أن تصل إلى الهدف بشكل أكثر فعالية. مما يجعل القدرات المتحركة اقل عرضه للهجمات المحمولة جوا. بناءً على ذلك، فانه توجد الآن منظومة صاروخية متقدمة في استراتيجية الدفاع الإيراني.
ثانياً، تعتمد إيران على عمقها الاستراتيجي من خلال استغلال الاتصال الإقليمي بالمنطقة وشبكات العلاقات المحلية السياسية. اذ تستخدم إيران الدعم المالي والعسكري وكذلك الشراكات الثقافية والاجتماعية لتعزيز العلاقة مع الشركاء الإقليميين، وتوحيد وتوطيد مواقفهم السياسية على الصعيدين المحلي والوطني. يعتمد منطق إيران في دعم “محور المقاومة” بشكل أساسي على تعزيز الردع الإيراني من خلال ارتباطها الجغرافي. وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها الحكومات المتنافسة، تشير جميع الأدلة إلى أن إيران لا تتراجع عن مواقفها وتواصل دعم وحماية شركائها الإقليميين.
في هذا الصدد، فان الحرس الثوري الايراني قد اخذ على عاتقه مسؤولية التعامل مع التهديدات الكبرى للأمن القومي لـ”الدولة الإيرانية”. هذه القوة الكبيرة، التي اصبحت لها الخبرة في الحروب المتماثلة وغير التقليدية، هي التي تقف بوجه التحديات الأمنية على طول الحدود الإيرانية الحساسة، مثلا في مقاطعات كردستان وبلوشستان والخليج العربي ومضيق هرمز، وكذلك منع ظهور تيارات أمنية سياسية معادية لإيران في المنطقة.
لقد كان هناك جدل وانتقاد في إيران مفاده أن مواجهة الحرس الثوري لداعش وهزيمته للتنظيم الارهابي في العراق وسوريا في نهاية المطاف، يمكن أن يكون عن غير قصد يضر بالأمن القومي الإيراني. وذلك لأنه قلل من المخاطر المباشرة للحكومات المعادية مثل إسرائيل والولايات المتحدة ويوفر المساحة اللازمة لنشر قواتها لمهاجمة إيران. لكن الاستراتيجية الهجومية للحرس الثوري الإيراني في التعامل مع القوات المعادية لإيران كانت واجبًا متأصلًا لهذه القوة في الحفاظ على المصالح الجيوسياسية لإيران وكانت تتماشى تمامًا مع الحسابات الاستراتيجية طويلة الأجل للبلاد.
يرى الكاتب ان تدخل الحرس الثوري ضد داعش منع خلق فراغ في السلطة والحكومة وفتح جبهة جديدة للضغط السياسي والأمني على إيران. تعكس استراتيجية الحرس الثوري الإيراني ، إضافة إلى توفير الأمن القومي ، تصميم إيران على مواجهة الجماعات الإرهابية التي تشكل الآن تهديدًا مباشرًا للأمن العالمي. وفقًا لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: “إذا لم يقاتل الحرس الثوري داعش مع الشعبين العراقي والسوري، فأن داعش سوف يستولى على عاصمتين عربيتين وتكون هناك قوة إرهابية على أبواب أوروبا”.
إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وفرض اقصى العقوبات ضد ايران ما هو الا خطوة في طريق تصنيف الحرس الثوري الايراني ضمن الجماعات الإرهابية، الى جانب عجز أوروبا عن معالجة هذه السياسة بشكل فعال، قد خلق إحباطًا كبيرًا وخيبة أمل بين الإيرانيين، وهذا يعزز الرأي القائل بأن الهدف الأساس للغرب وحلفائه الإقليميين هو إضعاف قوة إيران الوطنية من الداخل.
ان هذا التحول ما هو الا بمثابة نقطة انعطاف في الطريقة التي ينظر بها الرأي العام والمثقفون إلى أهمية قضايا الأمن القومي والحاجة إلى تعزيز ردع في البلاد(ايران) ، وبالتالي إضفاء الشرعية على سياسات إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي. كما هو الحال الآن ، فإن أي احتمال لإجراء التفاوض بشأن برنامج الصواريخ الإيراني يعتبر بمثابة خط أحمر للأمن القومي وعامل في تقويض سلطة الحكومة الإيرانية.
ويرى الكاتب، ان قرار الادارة الاميركية حول ادراج الحرس الثوري ضمن المنظمات الارهابية ادى الى مزيد من التماسك بين الاطياف السياسية المحلية، سواء كان اصلاحيين او محافظين. وفي حركة رمزية للأعضاء البرلمانيين الذين يشكلون الاغلبية المعتدلة حيث بعد يوم واحد فقط من قرار ترامب ارتدوا الزي الأخضر للحرس الثوري وقدموا بهذا الدعم الكامل لهذه القوة. هذه الموجة من الدعم آخذة في الارتفاع وتشمل الآن وسائل الإعلام والأكاديميين والطلاب والمثقفين وحتى بعض قوى المعارضة في الخارج. والمنطق وراء هذا الدعم واضح: ان الحرس الثوري هو بمثابة حارس للأمن القومي الإيراني.
وبطبيعة الحال، فان اعتبار الحرس الثوري الايراني ضمن الجماعات الإرهابية سوف يفرض المزيد من المصاعب الاقتصادية على الشعب الإيراني من حيث تقليل صادرات النفط، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، وكبح مساحة أنشطة واستثمارات الشركات الأجنبية. لكن في الوقت نفسه، يستنتج الإيرانيون أن مقاومة هذه السياسة ستحمي بلادهم من تهديد أمني أكبر، ألا وهو عدم الاستقرار الداخلي وانقسام البلاد. في الواقع، عمليا أدت السياسة الأمريكية الى تضييق نطاق النقاش بين جميع المجموعات السياسية داخل البلاد، والتركيز على ضرورة بقاء “الحكومة” في إيران.
التحليل:
يستعرض الكاتب في مقاله موقف الادارة الامريكية متمثلة بالرئيس ترامب من الحرس الثوري الايراني وقراره باعتباره حركة ارهابية في المنطقة، مما يضع التزامات وشروط جديدة في التعامل مع ايران وحلفائها في المنطقة.
الكاتب يرى ان الخطوة الامريكية تأتي ضمن حزمة العقوبات التي جاءت بها واشنطن ضد طهران بغية تقزيم دورها الاقليمي والحد من نفوذها ونفوذ وكلائها في البلدان المجاورة.
ويستعرض الكاتب منطق الاستراتيجية الايرانية القائم على دعامتين:
الاولى: امتلاك طهران الصواريخ الباليستية التي قد تهدد حلفاء واشنطن بالمنطقة بشكل مباشر. وهذا التهديد بإمكان الغرب تحجيمه او تقويضه من خلال منظومات الدفاع الصاروخي التي اثبتت فاعليتها في صد أي هجمات جوية مثل “باتريوت” و “ثاد”. فطهران تعتمد على قدراتها الصاروخية المتقدمة، لضعف سلاح الطيران لديها، وبالتالي في حال نشوب صراع عسكري بمنطقة الخليج، لن تتوان إيران في استخدام منظومتها الصاروخية، وهو ما يستلزم وجود قدرات دفاعية قوية لدى حلفاء واشنطن.[1]وهذا ما سعت الاخيرة لتعزيزه في المنطقة.
الثانية، ما يسميهم الكاتب “الشركاء الاقليميين” في دول الجوار، وفي الحقيقة هم ليسوا شركاء بل توابع فضلا عن انهم فواعل غير حكوميين وبالتالي لا يمكن ان يكونوا شركاء وحتى وان كانت ايران تتعامل معهم بعيدا عن الحكومات. وأقوى المجموعات تستقر في العراق ثم يليه لبنان وسوريا فاليمن والبحرين بنسبة أقل، ويبدو ان هؤلاء سواء كانوا سياسيين ام مقاتلين ، يواجهون ضغوط أمريكية متزايدة، من خلال تأليب الرأي العام العالمي عليهم، كذلك فرض عقوبات اقتصادية مشددة لقطع الامداد المالي عنهم.
واخيرا يفترض الكاتب ان العقوبات الامريكية جاءت بنتيجة عكسية، حيث انها وحدت الشعب الايراني بكافة اطيافه وتوجهاته السياسية والعرقية ضد التوجه الامريكي للنيل من الجمهورية الاسلامية ومكانتها ونفوذها في المنطقة ، لكن لا يجب اغفال ان الاقتصاد يعد ركيزة من ركائز هيكل الدولة والمجتمع الداخلي والاضرار به قد يؤدي الى نتائج خطيرة. اذ فقدت العملة الايرانية اكثر من 60% من قيمتها، كما ارتفع المستوى العام للاسعار الى ما يقارب الـ 50% وهو ما شكل ضغوطا اقتصادية كبيرة على الشعب الايراني وبالتالي ما يراهم الكاتب انهم مناصرين للنظام والحرس الثوري من طلبة واكاديميين هو كلام غير دقيق في ظل وضع اقتصادي يعيشوه بصعوبة كبيرة جدا.
فيما يرتبط بمواجهة تنظيم داعش، فدائما ما تكرر المؤسسات الايرانية ومراكز الابحاث ووسائل الاعلام الايرانية وتلك التابعة لها في المنطقة ان لولا ايران لاستطاع التنظيم الارهابي من استباحة العراق وسوريا في محاولة لإيهام الراي العام الداخلي بانه الدولة الايرانية صاحبة تأثير مطلق في المنطقة. ولكن الحقيقة هي انه لولا العراقيون واموالهم لاستباح التنظيم قم وطهران وبلدان الخليج العربي. وما وجود الحرس الثوري الا استجابة لهدف جيوسياسي ايراني في المنطقة وليس للدفاع عن دول المنطقة ضد الارهاب وهذا مايشير له الكاتب ضمنا في مقاله.
رابط المقال الاصلي:
https://www.cmess.ir/Page/View/2019-04-20/3489
[1] محمد عمر، لماذا تخشى الولايات المتحدة حصول شركائها على منظومة “إس 400” الروسية؟، المركز العربي للبحوث والدراسات، الرابط: http://www.acrseg.org/40833