م.م حوراء رشيد الياسري
باحثة في قسم الدراسات القانونية- مركز الدراسات الاستراتيجية /جامعة كربلاء
ايار 2019
تلعب الكاريزما دورا مؤثرا في عملية صنع القيادة السياسية القادرة على ادارة البلاد بشكل صحيح وايجابيا، يساهم في بناء دولة قوية ، حيث تعني كلمة الكاريزما في اللغة الإغريقية (الرحمة الإلهية) . وأول من استعملها (أرست ترولتش) ثم (ماكس فيبر) الذي كان يعني بها قابلية الشخص على القيادة والإلهام بفضل قوة شخصيته وعبقريته وعقيدته . عادة لا يعتمد القائد على جهاز بيروقراطي منظم يساعده في الحكم حيث أن تأثيره وقوته لا تستمد من النظم القانونية والشرعية بقدر ما تستمد من قابليته على كسب وإرضاء الناس والتفافهم حوله وخضوعهم لرسالته ، فالزعيم القومي أو السياسي أو الديني أو المذهبي مثلاً هو الشخص الذي تنعكس فيه جميع الصفات الكاريزمية طالما أن مركزه القيادي هذا لا يعتمد على ثروته أو جبروته أو جهازه القانوني والإداري . كما أن هناك عدداً من القادة السياسيين يحملون صفات كارزمية امثال (غاندي – لينين – هتلر – جمال عبد الناصر- عبد الكريم قاسم) . وهناك اختلاف كبير ما بين الطاغية والقائد الكرزماتيكي اختلافا كبيرا، إذ أن حكمه يعتمد على القوة والخوف الذي يزرعه في نفوس رعاياه الذين يطيعونه خوفا منه وخوفا من مركزه ، بينما الطاعة التي يقدمها الأفراد للقائد الكارزماتي مصدرها الصفات اللامعة والشخصية الجذابة التي يتميز بها .
إن أول من استعمل مصطلح (الزعامة الملهمة) هو (ماكس فيبر) السيسيولوجيا الألماني في تصنيفه المعروف لأنواع السلطة ، أما أصل كلمة (الإلهام) فيرجع إلى اللغة الإغريقية التي كانت تعني (الموهبة) ثم صارت مرادفة لتعبير (الموهبة السماوية أو الإلهية) وظل هذا التعبير متداولاً في الأوساط الدينية والمسيحية حتى استعمله (ماكس فيبر) بعد أن جرده من طابعه الديني.
والملاحظ أن الإلهام خضع لعدة تفسيرات تمثلت بما يلي :-
التفسير الأول : يرى ان الالهام هو اصطلاح ديني قاصر على ذوي الإلهام السماوي، ولا ينسحب على الزعماء السياسيين بأي حال .
التفسير الثاني : يؤكد على أن مصدر الزعامة الملهمة هي المزايا الشخصية الخارقة لدى بعض الأفراد المتفوقين الذين يقومون بأعمال عظيمة تقرب بعض الأحيان من مرتبة المعجزات ولذلك فإن الجماهير تخضع لهم وتسير وفقاً لمشيئتهم .
التفسير الثالث : الإلهام في الزعامة لا يتعلق بماهية الزعيم ذاته وإنما برؤية الأفراد الذين يخضعون لزعامته – أي أتباعه ومريديه . إن هذا التفسير كان قد وضع الزعامة في إطارها الاجتماعي والسياسي وقد تبناه (ماكس فيبر) فالزعامة الملهمة في نظره لا يمكن فصلها عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع في زمن ومكان معينين.
لقد ظهرت العديد من الأفكار التي تحاول وضع وصف دقيق ومحدد للقيادة ، وبالأخص القيادة السياسية وذلك على فترات متتالية ، وفي البداية كان يعتقد ان القيادة موهبة يولد بها الانسان وتكبر وتعيش معه ، ومن الطبيعي ان تكون مثل هذه المعتقدات ذات قبول لدي المجتمع في ظروف زمانية ومكانية قديمة ، وحتى الان لا يستطيع أحد ان ينكر ان هناك بعض القادة الموهوبين الذين ظهروا في فترات تاريخية سابقة ولعبوا في حياة شعوبهم أدوارا مميزة مازال التاريخ يسجلها لهم حتى وقتنا الحالي ولكن هؤلاء كانوا حالات نادرة ؛ ظن المجتمع قديما انه يحتاج إليهم، وبصفة خاصة في المجتمعات الأقل نموا ، ولكن العالم الان يعيش عصر الواقعية والحقائق والتفكير العقلاني والتنبؤات المبنية علي أسس علمية ولذلك فهو يحتاج الي قائد أكثر من البطل والذي يملك الحدود الدنيا من المعارف والمهارات والاتجاهات اللازمة لأداء دوره بجانب الاستعداد والموهبة ، حيث ظهرت العديد من النظريات ، التي سوف نتطرق لأهمها للوقوف على تطور الفكر نحو القيادة والتي سوف تتحول مستقبلا الى قيادة سياسية ناجحة :-
1-نظرية الرجل العظيم :- وهي من أوائل النظريات التي تحدثت عن القيادة وتفترض هذه النظرية ان القائد الفرد يملك مواهب وقدرات غير عادية ويقود من خلال شخصية قوية وإدارة حديدية ، والبعض يقبل هذه النظرية كحقيقة مطلقة والبعض الاخر يقبلها في ظل ظروف معينة، ويعتقد أصحاب هذه النظرية بأن القوة الخارقة التي يمتاز بها القائد والتي وهبتها لهم الطبيعة هي المحرك الأول والاساس لأحداث تغير ثقافي واجتماعي وسياسي ، وتكون هذه القدرة مصحوبة باعتقاد سائد لدى اتباعه ان لهذا القائد قدرات وامكانيات خاصة من عند الله . لذلك اتسمت سلوكياته بالعبقرية والابهار وتحقيق المعجزات ، وقد ركزت هذه النظرية على الطاعة للقائد والتضحية من اجل تحقيق أهدافه وتطلعاته ، وتتميز هذه النظرية بعدم الاستقرار ولا تقيم دورا للتقاليد والأعراف ، وهي تنبثق من الخبرة الشخصية للقائد.
2- نظرية السمات:- تقوم هذه النظرية على منطق مفاده مادام سمات الشخصية تؤثر في السلوك، وطالما ان القادة يتصرفون على نحو مختلف عن غير القادة، اذن فالقادة لديهم بعض السمات الشخصية التي تميزهم عن غيرهم ، وحتى ان تشابهات تلك السمات مع سمات غير القائد ، فان مقدار ما يمتلكونه منها يختلف .
3-النظرية الموقفية :- تشير هذه النظرية الى ان مواقف وظروف معينة هي التي تهيئ لأفراد معينين ليتبوؤوا مكانة القيادة ، والفرد الذي قد يكن قائد في موقف ما ، قد لا يكون قائد في موقفا اخر، فقد يصلح الفرد لقيادة الجماعة في وقت الحرب بينما لا يصلح لقيادتها وقت السلم الا ان هذه النظرية تضع بعض الشروط الذاتية التي يجب تواجدها في شخص القائد مثل استعداده الشخصي وقدراته وثقافته وخبرته في حين يتزاوج الظرف الموضوعي مع الشرط الذاتي فيبرز القائد .
4-النظرية التفاعلية :- ان اساس هذه النظرية هو التكامل والتفاعل بين عدد من المتغيرات هي:
أ //القائد وشخصيته وامكاناته .
ب//الاتباع وحاجتهم واتجاهاتهم ومشكلاتهم .
ج// الجماعة نفسها من حيث بنائها وعلاقاتها بالظروف البيئية والمواقف المحيطة .
والقيادة في هذه النظرية هي عملية تفاعل اجتماعي فالقائد يجب ان يكون عضوا في الجماعة ويشاركها مشكلاتها ومعايريها وامالها ويوثق الصلة مع أعضائها ويحصل على تعاونهم ، ويتعرف على مشكلاتهم وهي ان يتفاعل معهم من اجل تحقيق اهداف الجماعة ، فمثلا قد يعطي القائد التوجيهات لتحقيق هدف معين ويواجه المشكلات التي تواجه هذا الهدف والمصاعب المحيطة به ، وهو بذلك يكون ملما بحاجات الافراد واتجاهاتهم ومشكلاتهم وبإمكانيتهم والظروف المحيطة التي تجعل الاتباع يجتمعون حوله ويتفهمون توجيهاته ويمحنونه تأييدهم ودعمهم لتحقيق الهدف المطلوب .
5-النظرية الوظيفية :- تشير هذه النظرية الى القيادة باعتبارها وظيفة تنظيمية يجب القيام بها من خلال توزيع الجماعة ، وتشير أيضا الى ان للقائد وظائف عليه القيام بها يمكن اجمال اهمها بالاتي :
*تحديد اهداف الجماعة والتخطيط لتحقيقها .
*رسم سياسات الجماعة وتوزيع الادوار .
*الحفاظ على القيم السائدة والاتجاهات والمعايير والمعتقدات .
* توجيه افكار الجماعة واثراء ثقافاتهم ونقل الخبرة اليهم وزيادة معرفتهم .
*الحفاظ على استمرار الجماعة وبنائها وجهودها .
*حل الصراعات داخل الجماعة بعدالة وموضوعية مطلقة .
ومن الجدير بالإشارة، أن القائد الكاريزمي، يظهر وقت الأزمات والشدائد والنكبات التي تلم بالمجتمع وبعد ظهوره يفصح للشعب بأنه قادر على إنقاذه من هذه الأزمات ، وبفضل صفاته القيادية الجذابة ووعوده المغرية يثق به المجتمع ويمنحه السلطة المطلقة للتصرف بشؤونه ومصيره كما يشاء ، ولكن المجتمع ينتظر الانتصارات والمنجزات من القائد الكاريزمي، فإذا نجح في تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه لأفراد مجتمعه فإن كارزميته ستقوى وتتعمق وتستمر بحكم المجتمع ويحصل المزيد من الدعم والتأييد ، أما إذا فشل في تحقيق الوعود والأهداف فإن صفة الكاريزما ستضعف عنده أو تتلاشى وهنا يتحول القائد إلى شخص اعتيادي لا يستطيع حكم المجتمع بمفرده مدة أطول بسبب سحب الشعب الثقة منه ، وأموراً كهذه ستدفع القائد الى التعرض لأزمات نفسية واجتماعية حادة قد تسبب انتحاره أو وفاته بصورة غير متوقعة ومن أمثلة القادة الكارزميين الذين شهدهم التأريخ (هتلر وموسولوني وستالين) .
وعليه فأن الكاريزما وما يمتلكه الفرد من صفات تميزه عن غيره، هي من تصنع منه قائدا سياسيا محنكا بمعنى ان القائد هو من يصنع القيادة السياسية وليست هي من تصنعه ، ونواجه اليوم افتقارا الحقيقي لهكذا قادة يخرجون البلدان التي تعاني من الازمات، ومن بينها بلدنا العراق، من ازمته .