هل معاهدة عدم الاعتداء لصالح منطقة الخليج؟

      التعليقات على هل معاهدة عدم الاعتداء لصالح منطقة الخليج؟ مغلقة

 

الكاتب: کیهان برزگر

نقلا عن مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط/ طهران

ترجمة: م. خالد حفظي التميمي

تحليل: م. مؤيد جبار حسن

تموز-يوليو 2019

عرض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارته الأخيرة للعراق مقترح توقيع “معاهدة عدم اعتداء” مع دول الخليج العربي، الى جانب ما يترتب عليه من فوائد قيمة لتنفيذ مثل هذا المشروع، منها بناء الثقة وتقليل التوتر وتعزيز الأمن المتبادل بين البلدان في هذا المجال، ربما هي النقطة الاكبر التي نالت الأهمية، والحد من المنافسة العسكرية التي أدت الى” تراكم الأسلحة” في المنطقة مما قد يكون له عواقب وخيمة على أمن جميع دول المنطقة في الامد الطويل.

للوهلة الأولى، قد تكون المبادرة في هذا الوقت بالذات تدبيراً لنزع فتيل التهديدات العسكرية الأمريكية وتقسيم التحالف المناهض ضد إيران. اذ اتبعت طهران هذه السياسة منذ تاريخ طويل لإيمانها بـ “الترابط” في مجال الأمن الإقليمي وميلها الطبيعي في إعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات الشاملة في “مجال الجوار”. هذا المشروع هو نوع من استمرار النهج الإيراني التقليدي تجاه “الانفراج” مع دول الخليج العربي، وكذلك “منتدى الحوار الإقليمي”.

تعتقد إيران أن أمنها وامن المنطقة مترابط، وأن انعدام الأمن بالنسبة لأحدهم يعني انعدام الأمن بالنسبة لآخر. تشير بعض وجهات النظر الغربية إلى صعود القوة الإقليمية في إيران في مواجهة عدم الاستقرار في المنطقة. لكن انعدام الأمن في المنطقة هو الأكثر ضرراً بمصالح إيران. إن إيران متواجدة في مركز الأزمات الإقليمية وقد كلفها بالفعل الكثير للحفاظ على أمنها، والذي كان على حساب النمو الاقتصادي للبلاد والتنمية. الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق، والأزمة السورية، ومكافحة داعش في العراق، الى جانب ان إيران، قد وقع على عاتقها تكاليف كثيرة اخرى منها الفيضانات والهجرة، وتهريب المخدرات، وانتشار انعدام الأمن والإرهاب داخل إيران، والانقسامات الطائفية الناجمة عن وجود فشل الحكومات وما الى ذلك.  ولكن إيران، ومن اجل منع “تهديد أمني أكبر” قد يؤثر على استقرارها، أصبحت نشطة وفعالة في ميادين مناطق الأزمات (العراق وسوريا وأفغانستان) كمبدأ للسياسة الخارجية، فهو ضروري لأمنها والمنطقة التي تقوم عليها.

يعود تاريخ الأمن الإقليمي من قبل الجهات الفاعلة المحلية إلى سياسة نيكسون “ذات العمودين المتوازيين” [1]حيث كانت إيران مسؤولة عن أمن الخليج العربي ومضيق هرمز. في غضون ذلك، ومع نمو الاقتصاد وتعزيز القاعدة العسكرية للمملكة العربية السعودية وبلدان أخرى في المنطقة، أثيرت القضية على شكل مقترحات “الأمن الجماعي” في المنطقة. تم تشكيل مجلس التعاون الخليجي أيضًا في هذا السياق وفي سياق الترابط الأمني بين الدول العربية في جنوب الخليج العربي.

خلال رئاسة رفسنجاني وخاتمي، كانت سياسة “التفكيك”[2] مع دول الخليج على جدول أعمال السياسة الخارجية الإيرانية مع تصاعد الصراع في العلاقات الإيرانية الأمريكية خلال عهد أحمدي نجاد، قلل حلفاء العرب الأميركيين في الخليج العربي من علاقاتهم مع إيران. وفي عهد روحاني، سلكت إيران سبيلا نحو تحسين العلاقات مع دول المنطقة كمبدأ في زيادة التفاعلات الدولية مع إيران، وخاصة من خلال إبرام صفقة نووية. في السنوات القليلة الماضية، اقترح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف “منتدى الحوار الإقليمي” عدة مرات.

اليوم يعد مقترح معاهدة (عدم الاعتداء) مع دول الخليج العربي شكلاً متطورًا للسياسة الإيرانية للتكيف الجيوسياسي مع بيئة الأمن القومي، ولا سيما الحد من مخاطر “تراكم الأسلحة” في المنطقة. تتمثل السياسة الرسمية لحكومة ترامب في تخويف المنطقة بالتهديد الايراني وبيع المزيد من الأسلحة للدول الغنية بالنفط في الخليج العربي. استغلت هذه الدول، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هذه الفرصة التي اتاحها ترامب خلافا عما كان سابقا من استعادة الاتجاه النسبي والإيجابي القائم بين العلاقات الأمريكية الإيرانية خلال عهد أوباما وإعادة توجيه الولايات المتحدة على تناقض استراتيجي وصريح مع إيران… والنتيجة، بالطبع، هي تراكم الأسلحة التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي.

لقد استخدمت الولايات المتحدة نهجا تقليديا والذي يعد أفضل نظام أمني في المنطقة يحافظ على مصالحها   كنظام “توازن القوى” حيث يمكن لدولة قوية أن توازن القوى بعضها مع البعض. في الماضي، قبل 2003 كان العراق يوازن إيران، في الوقت الحالي اتخذت الولايات المتحدة نفسها هذا الدور من خلال وجودها العسكري المباشر في المنطقة. فقد استخدمت نوعًا من سياسة توازن القوى. الآن، مع تعزيز القاعدة العسكرية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبمشاركة النظام الإسرائيلي، تطالب الولايات المتحدة بتوازن مع القدرة الإيرانية. لكن التجربة توضح أن التركيز على نظام توازن القوى يؤدي إلى تكديس الأسلحة، فضلا عن الاضرار التي قد تصيب المنطقة من حرب ودمار، وعدم الاستقرار، والصراع الطائفي، وما إلى ذلك. كما يؤدي هذا النظام إلى سباق تسلح على حساب اقتصادات المنطقة. اذ كان أحد الأسباب الرئيسة للحرب الطويلة بين إيران والعراق كان التنافس وتراكم الأسلحة بين البلدين.

ان تكديس الأسلحة في المنطقة يهدد ايضا أمن الطاقة الدولي، حيث تعتمد إيران نفسها على تصدير النفط من الخليج العربي عبر مضيق هرمز، وعلى هذا الأساس تعتبر أي تعطيل للأمن الإقليمي يؤثر على نفقاتها الخاصة. لكن البلد يدرك في الوقت نفسه أن أهم رادع للتهديدات الأمريكية هو تعزيز النفوذ في المنطقة، الى جانب انخفاض التوتر مع دول الخليج وتحييد سياسات ترامب. على نفس الأساس، قال ظريف في رحلته الأخيرة إلى العراق إن “إيران سوف تتعامل بقوة مع جهود الحرب ضدها، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية”. في الواقع، مع اقتراح هذا الاتفاق، تكون الرغبة في خلق شعور بالأمان بين الجيران الجنوبيين له اهمية كبيرة لإيران والانسحاب من سباق التسلح المتزايد في المنطقة.

بالطبع، قد يبدو تحقيق معاهدة عدم الاعتداء بين إيران والدول العربية في الخليج العربي مثاليًا إلى حد ما في شكلها الأولي. لأن إيران ودول الخليج الأخرى لديها تصورات مختلفة للتهديدات الأمنية المحتملة وطرق تحقيق مصالحها الوطنية. إذ تؤمن إيران بالحلول السياسية والأمنية المستقلة وترى تحقيق “الأمن المستدام” في منطقة الخليج العربي من خلال التعاون بين الأقاليم وإزالة الجهات الفاعلة الأجنبية من المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة. في المقابل، تعتبر دول الخليج العربي أن أمنها يتحقق في وجود أمريكي في المنطقة لموازنة قوة إيران. حتى الدول الأصغر مثل قطر والبحرين تمنح قواعد عسكرية للدول الغربية لضمان أمنها ضد اللاعبين الأقوى في المنطقة (سواء إيران أو السعودية). واخيرا فقد وقعت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا “تعاون دفاعي” مع الولايات المتحدة. والعراق ايضا له دور استثنائي متزامنا مع العلاقات الاقليمية الوثيقة ودور الجهات الفاعلة الاجنبية.

وفي الوقت نفسه، لا ينبغي تجاهل دعم روسيا لهذا القرار. ان التطورات الإقليمية، بما في ذلك الأزمات في سوريا واليمن وليبيا وافغانستان، أدت بروسيا الى ان تتغير من طرف حاد الى طرفً مرن وفاعل سلميًا. ويدعو النموذج الروسي الجديد إلى الحوار مع جميع بلدان المنطقة دون التزام بأي اتحاد أو تحالف عسكري، وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، والحفاظ على سوق مبيعات الأسلحة والطاقة النووية، واستكمال عملية السلام السياسي.

على هذا الأساس، أعرب وزير الخارجية الروسي لافروف مرارًا وتكرارًا عن تأييده لـ “معاهدة عدم الاعتداء” المعلنة من الجانب الايراني.  لأنها ستقلل من اعتماد الدول العربية على المظلة الأمنية الأمريكية وتمنع في الوقت نفسه انتشار التوترات المحتملة في المنطقة.

وقد تكون معاهدة عدم الاعتداء في منطقة الخليج العربي خطوة كبيرة إلى الأمام في الانسحاب من الترسانة المتنامية للأسلحة وتشكيل نوع جديد من “ثقافة الأمن الإقليمي” القائمة على الثقة المتبادلة. وانطلاقًا من روح المعاهدة، يمكن لكل دولة أن تلعب دورها في الحفاظ على الأمن الإقليمي، ومن خلال “تجميع القدرات الوطنية”، وتعزيز الأمن الإقليمي اللازم لدمج وتوسيع النشاط الاقتصادي. وبموجب هذا الاتفاق، يمكن لإيران أن تنظم سيطرتها السياسية على مجموعاتها الشبه عسكرية المؤيدة، والتي قد تكون الشغل الشاغل للأنظمة العربية في الخليج، لصالح الأمن الإقليمي. لقد أثبت التاريخ أن اللجوء إلى جهات فاعلة أجنبية لحماية دول المنطقة، مع فرض تكلفة عالية على البلدان، يزيد من تعقيد “الغموض الأمني” في المنطقة.

التحليل:

يتناول الكاتب في هذا المقال معاهدة عدم الاعتداء التي طرحها الجانب الإيراني على دول الجوار، والرغبة في إحلال التفاهم والسلام مكان التوتر والحرب وتكديس السلاح الجاري حاليا.

ان المتتبع لتاريخ الصراع في منطقة الشرق الأوسط منذ اربعينات القرن الماضي يلاحظ تحول نقطة الصراع بعد ان كانت قرب شواطئ البحر المتوسط وعلى أراضي فلسطين المحتلة، تحولت في السبعينات وبداية الثمانينات الى منطقة الخليج العربي والصراع العربي الفارسي (الإيراني). حيث دامت الحرب بين البلدين الى ثمان سنوات استنفذت فيها الدول الكبرى مصالحها وأنهكت ميزانيات الدول الداعمة، فضلا عن الدمار الذي أصاب البلدين المتحاربين. وكان سبب لحظة تحول الاهتمام الدولي من نقطة الى أخرى في اقصى الشرق الأوسط هو قيام الثورة الدينية بقيادة روح الله الخميني واعلانها فكر تصدير الثورة الى الخارج، مما اثار ريبة وخوف الدول المحيطة، ليرتفع مستوى المواجهة معزز بفكرة مذهبية عن العداء بين السنة الذين هم جميع أنظمة الخليج العربي بما فيهم العراق آنذاك والثورة الشيعية المنتصرة في طهران، والطامحة الى مد ذراعيها الى دول المنطقة الاغنى والاصغر شأنا.

في الوقت الحالي الموقف في منطقة الخليج بالغ الدقة والخطورة، فالعالم كله بما فيه شعوب وبعض الأنظمة هناك تدرك مدى خطورة اندلاع حرب على شواطئ الخليج العربي، وفي نفس الوقت، الكل مدرك انه لا يمكن للوضع الحالي ان يستمر.

المبادرة الإيرانية لابد ان يسبقها الكثير من الإجراءات التي تزيل العوائق وتعيد بناء جسور الثقة بين الأطراف المختلفة، والا لا جدوى من الكلام عن السلام في حين أنك تحمل السلاح، وهذا الحديث لا ينطبق على إيران فقط، فجميع الأطراف مطالبة بالتنازل والتقرب الى بعض لردم هوة النزاع، رغم مما يرافق ذلك من خسائر وألم. كذلك لابد من راع لعملية السلام خارج نطاق المتخاصمين، يكون مقبولا لدى الجميع، ولا بأس ان تلعب دولة اوربية كبيرة، المانيا مثلا، هذا الدور المحوري في حلحلة الازمة ونزع فتيل الحرب المتوقعة.

رابط المقال الاصلي: https://www.cmess.ir/Page/View/2019-06-03/3504

 

 

 

[1] الذي يقوم على استراتيجية “العمودين المتساندين” المتمثلة في الاعتماد على كل من ايران والسعودية لضمان أمن واستقرار المنطقة بما يخدم مصالح الولايات المتحدة. المصدر: سليم كاطع علي، التواجد العسكري الأمريكي في الخليج العربي، مجلة دراسات دولية، العدد45، جامعة بغداد ، ص142.

[2] أي التعامل مع الدول المحيطة كل على حدا ومحاولة حل الإشكاليات الموجودة معها.(المحلل)