لن تؤدي الحرب مع ايران الى نهاية سعيدة في الشرق الأوسط

      التعليقات على لن تؤدي الحرب مع ايران الى نهاية سعيدة في الشرق الأوسط مغلقة

 

الكاتب: شيرين هانتر أستاذة أبحاث في مركز التفاهم الإسلامي-المسيحي بجامعة جورج تاون / واشنطن

الناشر صحيفة لوبيلوغ

١٢/٧/٢٠١٩

ترجمة: هبه عباس محمد علي

مراجعة وتحليل: ا. م. د. حسين احمد السرحان

حث “ديفيد إغناتيوس” كاتب مقال نُشر مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست ساسة الحزب الديمقراطي على تبني موقف أكثر تشددًا تجاه إيران بالقول “إذا توقفت إيران عن التدخل في سياسات الشرق الأوسط ، فسيتم حل جميع مشاكل المنطقة”. يقتبس اغناتيوس قول كريم ساجدبور من مؤسسة كارنيغي للسلام “سلوك طهران مصدر دائم للاحتكاك في المنطقة ؛ الاستقرار والأمن لن يكونا ممكنين حتى تتراجع إيران”.

 

هذا المنطق يعني أن إيران هي أصل كل مشاكل المنطقة. ومع ذلك، بالتمعن  أكثر بتاريخ مشاكل الشرق الأوسط وصراعاته يظهر أنه منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، أدت أنشطة إيران إلى تعقيد بعض هذه الصراعات اكثر من التسبب في حدوثها.

 

وفي الواقع، حدثت الثورة الإسلامية نتيجة لهذه الصراعات. فعلى سبيل المثال، خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ساعد بعض قادة  الدول العربية المتطرفة  – مثل جمال عبد الناصر في مصر وصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، فضلا على مجموعات فلسطينية مختلفة، جماعات المعارضة الإسلامية واليسارية في إيران بالمال والتدريب، بما في ذلك معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية في الاردن ولبنان.

 

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

 

وجهة النظر السائدة منذ التسعينيات هي “لولا ألانشطة الايرانية لعاش  الفلسطينيون والإسرائيليون الآن في سلام”، لكن على الرغم من دعم ايران لبعض الجماعات الفلسطينية مثل حماس الا انها لا تستطيع توجيه الأوامر لها او السيطرة عليها او منع الاتفاقات بين إسرائيل وبعض الجماعات الفلسطينية. اذ لم تستطع إيران منع اتفاقات أوسلو لعام 1993 ولم تكن إيران مسؤولة عن فشلها. لكن بدلاً من ذلك ، لعبت الديناميكيات السياسية لإسرائيل والفلسطينيين الدور الأكثر حسماً. واذا لن تحقق “صفقة القرن” على الرغم من دعم السعودية والامارات والبحرين فضلا على الأردن ومصر والمغرب، النجاح المطلوب فسيكون هذا بسبب ديناميكيات هذه المشكلة. وبالنتيجة لا يمكن لأي دولة انقاذ الفلسطينيين او عرقلة تحقيق السلام بينهم وبين إسرائيل، وحتى في حال شنت حرب على ايران ستبقى القضية الفلسطينية مستعصية كما هي اليوم.

 

لبنان، سوريا والعراق

إن مأزق لبنان الحالي هو أيضا نتيجة مباشرة للمشكلة الفلسطينية، اذ سقطت لبنان في حرب أهلية طويلة عندما قام ملك الاردن الملك حسين، خلال ما يسمى بعمليات سبتمبر الأسود عام 1970، بطرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن الى لبنان. ثم جاء الغزو الإسرائيلي للبلاد عام 1982، وهذا مهد الطريق امام ايران لتأسيس موطئ قدم في لبنان. ومن جانبه اثر هذا النفوذ – من خلال علاقتها مع حزب الله – على العلاقات اللبنانية الإسرائيلية، واذا تم التوصل الى اتفاق قابل للتطبيق بين إسرائيل والفلسطينيين ستنخفض قدرة حزب الله على التأثير على السياسة العربية.

 

مما لا شك فيه أن مساعدة إيران لحكومة بشار الأسد في سوريا قد ساعدت على تعزيز قوة الأخيرة، لكن ما أدى الى زيادة مخاطر التدخل العسكري الأمريكي في سوريا هو التدخل الروسي في هذا النزاع وليس وجود بعض الفصائل الشيعية، واذا عرضت بعض القوى الإسرائيلية والغربية على الأسد صفقة تتضمن استعادة مرتفعات الجولان لقام بإنهاء تحالفه مع ايران، وحتى لو ذهب الأسد لن تتخلى أي حكومة سورية عن مطالبها باستعادة الجولان.

 

نفوذ إيران في بغداد ، هو النتيجة المباشرة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003.  وكان سوء الفهم السائد بانه بمجرد رحيل صدام ستزهر الف زهرة ديمقراطية وستؤدي رياح التغيير الديمقراطي الى اسقاط النظام الإيراني، لكن حتى الآن لم تنجح الحرب الا في زيادة التوترات العرقية والطائفية في العراق، فضلا على المنافسة الإقليمية الشديدة من اجل الدخول في الاطار السياسي الجديد للعراق. لكن اذا اختفت ايران من خارطة الشرق الأوسط لن يقوم الشيعة العراقيين بموالات السعودية. في الحقيقة ان الأمر الأخطر من التدخل الإيراني هو سلوك السنة تجاه الحكومة الجديدة في بغداد فضلا على الاعمال التخريبية التي قامت بها تركيا والسعودية وقطر بحق الحكومة العراقية الجديدة التي يسيطر عليها الشيعة وهذا الامر دفع البلاد الى التوجه نحو ايران وبالمقابل لن تسمح أي حكومة إيرانية للعراق بأن يصبح مصدر تهديد لها.

وخلاصة هذا القول ان الحرب الإيرانية سوف تمتد الى العراق ويمكن ان تؤدي الى تمزيقه التام.

 

اليمن

مشاكل اليمن أيضا لها جذور عميقة تتعلق بتركيبها العرقي والطائفي وتركيب السياسة البينية العربية التي تعود إلى الانقلاب المؤيد للناصر عام 1962 والحرب الأهلية التي تلت ذلك. ويعود نهج السعودية المفترس تجاه اليمن الى الحرب التي شنتها السعودية عام ١٩٣٠، كما يعتبر تمرد الحوثيين الحالي استمرار لحرب أهلية لم تحل بعد.

 

وقد استخدمت إيران تمرد الحوثي كوسيلة ضغط ضد المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فعندما يطلب العاهل السعودي من الولايات المتحدة أن “تقطع رأس هذا الثعبان” – إيران – فلا عجب في أن تخلق طهران مشكلة للرياض، اذ أصبحت الأخيرة تواجه حاليًا فوضى تامة ليس بسبب إيران بل كنتيجة لسلوك ولي العهد محمد بن سلمان؛ اذ شرع في مغامرة غير دروسة بشن الهجوم على اليمن كما  أصبح الوضع في اليمن أكثر تعقيدًا لأن -ولي عهدًا آخر في الإمارات العربية المتحدة – رأى أن الحرب فرصة لمشاركة مطالبته بالتأثير الإقليمي. لذلك من المرجح ان تؤدي الحرب ضد ايران الى تعقيد الوضع في اليمن بدلاً من حله بطريقة مرضية للغرب وحلفاءهم من العرب.

 

ان الفكرة التي كانت سائدة في الشرق الأوسط بأن سبب مشاكله هو دولة واحدة او شخصية واحدة هي فكرة خاطئة، ففي الخمسينيات من القرن الماضي كان يُعتقد انه سيتحسن الوضع بمجرد التخلص من مصدّق في ايران وجمال عبد الناصر في مصر ومن ثم تحول التركيز على حافظ الأسد وصدام حسين ومعمر القذافي حتى شاه ايران -الذي كان يُنظر الى طموحاته في منتصف سبعينيات القرن الماضي على انها خطر بالنسبة للشرق الأوسط- لم ينجو من هذا الفكر.

 

لم تنجو أي من هذه الشخصيات، وبلادهم في حالة اضطراب، كما ان حدوث أي حرب أخرى سيجعل الوضع أسوأ بالنسبة لجميع المعنيين. في الواقع، ان مشاكل الشرق الأوسط هي نتيجة جزئية لهذه التدخلات الخارجية، ولن يتحقق السلام الحقيقي فيه إلا إذا تمت معالجة المصالح الأمنية المشروعة لجميع البلدان والشعوب، كما ان الجهود الرامية الى إخضاع بعض البلدان بشكل مطلق ستؤدي دائمًا إلى حدوث تمردات جديدة.

التحليل:

تتجاذب الرأي العام الاميركي اتجاهين متعارضين الاول يرى بأهمية شن حرب سريعة على ايران لتحديد نفوذها وقص اذرعها في المنطقة، والثاني يرى ان تلك الحرب ستجلب اثارا سيئة على المنطقة ومصالح الولايات المتحدة وامدادات سوق الطاقة العالمي. ويندرج المقال اعلاه ضمن التيار الثاني المعارض للحرب، وينظر لوضع المنطقة من منظار شامل قائم على رؤية واقعية وذلك بفعل التعقيدات التي تلف المنطقة نتيجة سلوك اطرافها الاقوياء في دول الازمات. وهذه الاطراف الاقوياء كأيران والسعودية والامارات وتركيا فضلا عن دور القوى العالمية كالولايات المتحدة وروسيا، جعلت المنطقة في شبكة تعقيدات لا تسمح بالتعامل مع أي حالة على حدة او مع اية ازمة على حدة، لان ذلك يعني حصول ارتدادات في الحالات او الازمات الاخرى.

خلق تلك الازمات لم يكن نتيجة سلوك ايران، بل عملت الاخيرة على توظيف دورها في ازمات المنطقة وتحويلها الى فرص لتأكيد النفوذ والتأثير السياسي والامني. فالبدايات لم تكن ايرانية ولكن التعقيدات كانت في جزء منها ايرانية او يكمن القول ان ايران استطاعت ان تتفوق على اقواء المنقطة في تصعيد دورها السياسي والامني والاقتصادي وذلك تطابقا مع نظرتها للأمن القومي الايراني على انه يشمل الامن الاقليمي وبدون تعزيز وتحقيق امن الاقليم لا يمكن تحقيق الامن القومي الايراني وابعاده عن السلوك المضاد للقوى العالمية.

نرى انه حتى تتمكن الولايات المتحدة من ضمان امن المنطقة لما له من اهمية كبيرة وحساسة في الوضع الاقتصادي العالمي بشكل مباشر ووضع النظام الدولي الجديد التي طرحته الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، هي بحاجة الى تفكيك عوامل الازمات بشكل منفرد والتركي على العوامل العابرة للحدود ان صح التعبير الذي يربط بين تلك الازمات. ولذلك سارت الولايات المتحدة على اول تكتيك هو اضعاف القدرة الاقتصادية لايران عبر العقوبات الاقتصادية لأنه الشكل الغالب على دورها الاقليمي هو بفعل قدرتها على تمويل ذلك الدور. ولكن تدرك الولايات ان الضغط الذي يقود الى انهيار ايران ايضا سيكون لعواقب وخيمة على المنطقة.

 

https://lobelog.com/war-with-iran-would-not-mean-happy-ending-for-middle-east/