م. ميثاق مناحي العيسى
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
ايلول-سبتمبر 2019
تتسارع الاحداث في العراق بشكل ملف للنظر، وتتسارع معها التطورات والتغيرات السياسية، وتختلف المواقف السياسية والاجتماعية والدينية منها بشكل أو بآخر. فما تعرض له العراق مؤخراً من استهداف لمخازن الأسلحة أو ما تعرضت له بعض قيادات الحشد الشعبي من استهداف، وما تلاها من ردود فعل على مستوى الخطاب السياسي أو على مستوى القوى الفاعلة في المجتمع العراقي من رجال دين أو غيرهم، فضلاً عن ما تعانيه الحكومة العراقية من فشل في تقديم الخدمات والتقدم في ملف مكافحة الفساد، ومع عقم الحلول الحكومية اتجاه هذه الملفات والاشكاليات، مع كل ذلك تظهر بعض المواقف التي من شأنها أن تكون بارقة أمل في تقويم القرار السياسي العراقي (الداخلي والخارجي).
هذه الملفات كانت محور الاهتمام من قبل المرجعية الدينية في خطبة الجمعة الماضية 30 اب 2019، وزعيم كتلة المعارضة السياسية للحكومة العراقية السيد “عمار الحكيم”، فضلاً عن المواقف المسبقة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بشأن فرضية الهجمات الإسرائيلية على مخازن ومقرات الحشد الشعبي، فكيف يمكن أن نقرأ هذه المواقف في مضامين الخطاب العراقي ومدى تأثيره على أداء الحكومة العراقية الحالية؟.
على الرغم من حالة اليأس التي تخّيم على المزاج العراقي بشكل عام اتجاه الحكومة العراقية، لاسيما مع استمرار الفشل الحكومي في تقديم الخدمات ومكافحة الفساد، واستمرار الصراع السياسي بين القوى السياسية، إلا أن هناك نضوج في العقل السياسي العراقي، وأن لم يكن على مستوى السلطة، إلا أنه مؤثراً في تغيير مسار القرار السياسي وتقويم العمل السياسي والاداء الحكومي بشكل عام. ففي الوقت الذي ما تزال فيه المرجعية الدينية في النجف الأشرف تمثل طوق نجاة لأغلب مشاكل وازمات العملية السياسية منذ عام 2003 وحتى الآن، إلا أنها تمثل خطر كبير على القادة السياسيين والطبقة الحاكمة.
فما أعلنه وكيل المرجعية الدينية في مدينة كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة الماضية من الصحن الحسيني الشريف يعد بمثابة فتوى جهاد على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة برمتها، تشبه تلك الفتوى التي اعلنها في منتصف العام 2014 بعد اجتياح تنظيم “داعش” محافظة نينوى، لاسيما وأن مضامين الخطبة الثانية من صلاة الجمعة ربطت الولاء والطاعة للأمام الحسين (ع) وثورته العظيمة بالمسؤولية الاجتماعية في النهوض ومحاربة الفساد بكل اشكاله ومستوياته، واستذكرت واقعة فتوى الدفاع الكفائي ضد عصابات داعش الإرهابية وما يحتاجه الفساد من كفاح وجهاد على المستوى (الشعبي والجماهيري وعلى مستوى الخواص).
بموازاة ذلك، كان لزعيم تيار الحكمة المعارض للحكومة السيد عمار الحكيم في تجمع تياره السنوي بمناسبة الواحد من شهر محرم في بغداد، كلام في غاية الأهمية حول رفض التدخل الخارجي، حينما قال “لا نسمح بأن يكون العراق مخزن أسلحة لدول الجوار”. وهذه إشارة إلى فرضيات القصف الإسرائيلي على مخازن اسلحة الحشد الشعبي، بأن تلك الاسلحة ترجع لفصائل تابعة دينيا وسياسيا الى ولاية الفقيه. في حين كان للسيد مقتدى الصدر بيان مهم حول الاخبار التي سربتها وسائل الإعلام بشأن ثبوت فرضية القصف الإسرائيلي على العراق من عدمه، واكد فيه على عدم التفرد في القرار السياسي، إذا ما ثبت بأن القصف الإسرائيلي على العراق وقع بالفعل. وهذا مؤشر على تغليب لغة الحوار والتحلي بالصبر والابتعاد عن لغة التهديد والوعيد والردود غير العقلانية التي من شأنها أن تجلب المشاكل والتدخلات الدولية للعراق، وإن الحوار والطاولة المستديرة التي دعا إليها السيد مقتدى الصدر في بيانه، من شانه أن يناقش فرضيات عدة، لاسيما فرضيات التدخل الإيراني وطبيعة خزن الاسلحة من عدمها، وهل هي اسلحة إيرانية بالفعل أم عراقية قبل اللجوء إلى أي تصرف أخر؟.
هذه المواقف مجتمعة لو نوقشت بشكل جدي على الصعيد السياسي ستكون ضاغط كبير على الحكومة العراقية، لاسيما وأن موقف السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم لهما ما يعززهما على المستوى السياسي والحكومي سواء داخل السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، وسيكونان مدفوعان بمواقف وتأييد المرجعية الدينية والضغط الشعبي. فهل يستغلا الموقف الشعبي وموقف المرجعية في تصحيح مسار العمل السياسي أم سيبقى الجميع في دائرة الاتهام؟.