. حيدر فوزي الغزي
باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2019
لعل اسرائيل بارعة في اختلاق الحروب وانتهاك سيادة الدول التي يجاورها وحتى التي لا تجاورها كالعراق، وإذا لم يكن للعرب وقفة حقيقية تجاه اسرائيل، فأنها ستنفرد بين مدة واخرى بدولة عربية وتحاول اضعافها بالأسلحة الامريكية.
اولاً: كيف حصل الاعتداء؟
بدأت الازمة اللبنانية الاخيرة مع اسرائيل، عندما سقطت طائرة مسيرة اسرائيلية وانفجرت اخرى في يوم الاحد الموافق (25-8-2019) في منطقة (معوّض)- حي ماضي- خراج بلدة رامية في ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب الله، وقد احدث انفجار الطائرة الثانية اضراراً لدى تحطمها قرب المركز الاعلامي لحزب الله، وصرّح حزب الله بانه تمكن من اسقاط احدى الطائرات المسيرة بعد اختراقها للحدود اللبنانية، بينما افاد العدو الاسرائيلي بانه قام بتفجير الطائرة الثانية بعدما فقدت غرفة العمليات السيطرة التامة عليها مستهيناً بأرواح اللبنانيين.
ويبدو ان الطائرة التي “أسقطت” هي طائرة استطلاع إسرائيلية صغيرة، لديها مهمات عسكرية لزرع عبوات ناسفة، ومجهزة لتنفيذ عمليات اغتيال.
وفي كلمة له قال حسن نصر الله في (31-8-2019) إن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يكذب على شعبه ويريد أن يقنعهم بأنه يقوم بعمل جبار من خلال شماعة مصانع الصواريخ الدقيقة، وان نتنياهو من خلال كلامه تبنى عملياً العمل العدواني في سوريا والعراق ولبنان، على اعتبار ان فصائل الحشد الشعبي في العراق ايضاً اتهمت اسرائيل باستهداف مخازن الذخيرة التابعة لها ، لان اسرائيل هاجمت بالصواريخ مؤخراً أهدافا في سوريا قالت دمشق إنها تصدت لها عبر دفاعها الجوي، فيما أعلنت هيئة الحشد الشعبي في العراق عن استشهاد أحد عناصرها وإصابة آخر في قصف نفذته طائرات إسرائيلية في قضاء القائم شمال غرب بغداد قرب الحدود السورية.
وتوعد نصر الله في حينها اسرائيل بالرد على عدوانها، وان رد المقاومة على الاعتداء الإسرائيلي أمر محسوم وسيكون من لبنان وليس شرطاً من مزارع شبعا، وان الموضوع ليس رد اعتبار بل تثبيت قواعد اشتباك وتثبيت منطق الحماية للبلد والاسرائيلي يجب ان يدفع ثمن اعتدائه وكل التهديد والتهويل لن يمنع حصول رد من المقاومة، واشار الى أن مهمة الطائرات المسيّرة الإسرائيلية كانت زرع عبوة ناسفة وتفجيرها، مشددا على أنه لا يوجد أي مصنع للصواريخ الدقيقة في مكان سقوط المسيّرتين الإسرائيليتين في الضاحية الجنوبية، واضاف الى ان استباحة أجواء لبنان ستشرع أبواب الاغتيالات عبر الطائرات المسيّرة ولا يمكن التسامح مع هذا الأمر ويجب أن تشعر إسرائيل بأن الأجواء اللبنانية ليست مفتوحة أمام طائراتها.
ثانياً: الموقف اللبناني المسؤول:
أدان الرئيس اللبناني، ميشال عون العدوان الإسرائيلي السافر على الضاحية الجنوبية، معتبراً أنه (فصل من فصول الانتهاكات المستمرة ودليل إضافي على نيات إسرائيل العدوانية واستهدافها للاستقرار والسلام في لبنان والمنطقة).
في حين وصف رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري بأنه اعتداء مكشوف على السيادة اللبنانية وخرق صريح للقرار الاممي رقم (1701)، وإنه سيبقى على تشاور مع رئيسي الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لتحديد الخطوات المقبلة، لا سيما أن العدوان الجديد الذي ترافق مع تحليق كثيف لطيران العدو فوق بيروت والضواحي، يشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي ومحاولة لدفع الأوضاع نحو مزيد من التوتر.
وأضاف أن المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان في العالم أمام مسؤولية حماية القرار (1701) من مخاطر الخروقات الإسرائيلية وتداعياتها، وان الحكومة اللبنانية ستتحمل مسؤولياتها الكاملة في هذا الشأن بما يضمن عدم الانجرار لأي مخططات معادية تهدد الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية.
وأصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بياناً طلبت فيه من المندوبة اللبنانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك التقدم بشكوى فورية إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة هذا “الخرق الخطير للسيادة اللبنانية”.
ثالثاً: اسباب التوتر حسب اسرائيل:
اشار الموقع الإلكتروني العبري “ديبكا ” يوم الثلاثاء (3-9-2019) أن هناك لقاءً سرياً عقد بين قاسم سليماني القائد العام لفيلق القدس والجبهة الإيرانية في الشرق الأوسط والجنرال حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني وحسن نصر الله في العاصمة اللبنانية بيروت، جرت وقائعه في (23-8-2019)، وأورد الموقع الإلكتروني العبري أنه في مساء يوم (22-8-2019) وصل الجنرال قاسم سليماني الى بيروت وبرفقته الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني.
وأوضح الموقع الإلكتروني العبري أنه طوال التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط لم يحدث أن غادر عسكريين إيرانيين في الحرس الثوري بلادهما، خصوصاً إلى عاصمة عربية، إذ يعد اللقاء السري الذي جمع بين سلامي وسليماني مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو الأول من نوعه، وأشار الموقع العبري إلى أن اللقاء السري استمر ثلاث ساعات ونصف الساعة، بعدها غادر سليماني وسلامي بيروت.
ولفت الموقع الإلكتروني إلى لقاء سري مشابه لحسن نصر الله، ولكن كان هذا اللقاء في (19-7-2007)، في العاصمة السورية، دمشق، حيث التقى بالرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد، مدعيا أن الثلاثة وضعوا خريطة عمل الثالوث ضد إسرائيل، خاصة بعد نتائج الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان (تموز 2006).
ونقل الموقع العبري أن هذا اللقاء يعد مجلس حرب بحث خلاله محاربة كل من إيران وحزب الله لأهداف أمريكية وإسرائيلية في الشرق الأوسط، خلال الفترة المقبلة.
ومع كل هذه التكهنات الاسرائيلية فلا يعد هذا الطرح مبرراً لضرب المدن الآمنه او التجسس على الدول التي تتمتع بالسيادة.
رابعاً: الموقف الرسمي الاسرائيلي: “حزب الله يعلم الحمض النووي الاسرائيلي”
حيث صرّح العميد الاسرائيلي (درور شالوم) رئيس قسم الأبحاث بالجيش الإسرائيلي والمسؤول عن فيلق القدس في الجيش الإسرائيلي بأن “الإيرانيين يحاولون معرفة الثقافة الإسرائيلية عبر مساعدة نصر الله لهم، وإن قاسم سليماني قائد الفيلق الإيراني يعرف إسرائيل جيدا، لكن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أفضل منه، كونه يعلم “DNA” الحمض النووي الإسرائيلي، واضاف شالوم بأن نصر الله لا يريد مواجهة إسرائيل، على عكس الجنرال سليماني، الذي يختلف معه في ذلك، حيث يرغب قائد فيلق القدس الإيراني مواجهة إيران عبر الكوادر الإيرانية الموجودة في سوريا، وغالبا ما يعتمد الإيرانيون في فهمهم لإسرائيل على نصر الله والحزب اللبناني”.
وقد سبق وان حذّر رئيس الأركان الإسرائيلي السابق بيني غانتز الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مساء السبت (31-8-2019) من مغبة التصعيد على حدود إسرائيل، ودعاه إلى أن يكون رحيما بلبنان.
وكتب غانتز منافس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الانتخابات التشريعية، على تويتر متوجها لنصر الله “كن رحيما بلبنان ولا تجعل الجيش الإسرائيلي يعيده للعصر الحجري”
وأضاف “لبنان سيكون مسؤولا عن أي هجوم ينطلق من أراضيه”.
وأفادت المصادر اللبنانية الرسمية بأن الجيش الإسرائيلي أطلق أكثر من (30) قنبلة مضيئة فوق قطاع من الحدود بين البلدين، كما أطلقت مواقعه العسكرية رشقات ثقيلة بشكل عشوائي، في أحدث حلقات التوتر على الحدود، وأن إطلاق القنابل المضيئة جاء فوق الخط الحدودي الممتد من الغجر وحتى مرتفعات شبعا وكفر شوبا، كما أطلقت مواقع الجيش الإسرائيلي في (السماقة والعلم والمرصد) رشقات رشاشة ثقيلة بشكل عشوائي، وتردد في قرى العرقوب دوي سلسلة انفجارات مصدرها داخل مزارع شبعا المحتلة.
خامساً: الموقف الرسمي الامريكي:
سلّم وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو) رسالة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون سلمت إلى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، حذره فيها من أن لبنان عليه أن يفكك (مصنع الصواريخ الدقيقة رقم 2) فوراً أو ستقوم إسرائيل بالهجوم عليه، وستدعم الولايات المتحدة هذا الهجوم، وطلب منه إيصال محتواها إلى أمين عام حزب الله حسن نصر الله، علماً إن الرسالة لم يتم نقلها بالوسائل الدبلوماسية العادية للسفارة الأميركية في بيروت، بل أرسلت مباشرة إلى الوزير باسيل، وأن إعلان جيش الدفاع الإسرائيلي في (3-9-2019) بشأن مصنع الصواريخ الدقيقة لإيران وحزب الله في بلدة النبي شيت في البقاع اللبناني، كان مجرد مثال واحد فقط على حجم المعلومات التي لدى المخابرات الإسرائيلية حول إنتاج صواريخ إيرانية دقيقة في لبنان.
وحول محتوى رسالة بومبيو، اوضح وزير الخارجية الأميركي أن لدى إسرائيل معلومات استخباراتية مؤكدة عن المصنع الثاني لإنتاج الصواريخ الدقيقة الذي أنشأته إيران وحزب الله في لبنان، وأن معظم الجهود لتصنيع مثل هذه الصواريخ تكون به، بينما يهدف المصنع الموجود في النبي شيت إلى تضليل إسرائيل.
في حين ان حسن نصر الله رد بقوله: لدينا من الصواريخ الدقيقة ما يكفينا لكن ليس لدينا مصانع للصواريخ الدقيقة، ما نحتاجه في أي مواجهة من صواريخ دقيقة نملكه في لبنان، وإذا اصبح لدينا في يوم من الايام مصانع صواريخ دقيقة سأقول ذلك بكل فخر واعتزاز.
وفي مناسبة اخرى ربط بومبيو في تصريح له يوم الاحد (8-9-2019) بين المناوشات الاخيرة بين حزب الله واسرائيل وبين العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على ايران بسبب الملف النووي بان هذه العقوبات قد أثّرت سلباً على حزب الله اللبناني.
في حين ردّ مستشار رئيس البرلمان الإيراني أمير عبد اللهيان على إسقاط “حزب الله” لطائرة إسرائيلية مسيرة فوق الأجواء اللبنانية “إن تل أبيب ستحترق إذا قررت اللعب بالنار” وإن إسقاط “حزب الله” الطائرة الإسرائيلية المسيرة، رد مناسب سيجعل إسرائيل تندم على اعتداءاتها.
وقد غرّد الدبلوماسي الأميركي دانييال شابيرو والسفير السابق للولايات المتحدة لدى إسرائيل عبر منصة “تويتر” حول التطورات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، موضحاً أن تبادل الضربات الهجومية الأسبوع الماضي يؤشر إلى حد ما، لاستمرار نجاح سياسة الردع التي تنتهجها إسرائيل، ولكن من المحتمل أيضاً أن تؤدي لاندلاع صراع شامل، وهو ما تسعى إسرائيل لإرجائه منذ فترة لكنه يبقى أمراً حتمياً، وأضاف شابيرو الى (إنه منذ نهاية حرب لبنان الثانية في عام 2006، توقع الإسرائيليون (الخبراء الاستراتيجيون والرأي العام) اندلاع أعمال عنف أخرى على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، فيما كان عدد من تكهنوا بمرور أكثر من 13 عاماً دون اندلاع صراع مسلح واسع النطاق عدداً قليلاً للغاية، وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الانتقادات في إسرائيل ضد شن الحرب، لكنها نجحت في جعل حزب الله ورعاته الإيرانيين يتجنبون التطلع إلى خوض جولة أخرى قبل الاستعداد لها، وان إسرائيل تستعد بجدية للحرب القادمة، حتى أثناء فترات تأجيلها لأطول فترة ممكنة، وتم بالفعل تحقيق تقدم ملموس في قدراتها وعملياتها الاستخباراتية لتحديد مواقع حزب الله في جميع أنحاء لبنان، والتي أدت إلى اكتشاف وتدمير أنفاق حزب الله عبر الحدود بما يعطي إسرائيل اليد العليا، ولكن وبالرغم من تطوير قدرات اسرائيل الدفاعية الصاروخية بتمويل من واشنطن خاصة القبة الحديدية ومنظومة ديفيدز سلينغ التي كانت تفتقر اليها القوات الاسرائيلية في حرب عام (2006)، الا انه مازال هناك احتمال لقدرة ترسانة حزب الله على الحاق اضرار كبيرة بإسرائيل.
سادساً: الرد السريع لحزب الله اللبناني على العدوان الاسرائيلي:
وفي تصعيد للأحداث أعلن حزب الله ان مقاتليه (مجموعة الشهيدين حسن زبيب وياسر ظاهر) دمروا آلية عسكرية إسرائيلية في (ثكنة افيفيم) شمال اسرائيل قرب الحدود مع لبنان يوم الأحد (1-9-2019) من خلال اطلاق عدة صواريخ مضادة للدبابات على قاعدة ومركبات عسكرية مما اسفر عن قتل وجرح من في داخل الآلية، واعلنت اسرائيل انها ردّت باتجاه مصادر النيران.
وفي الجانب الآخر فتح الجيش الاسرائيلي الملاجئ للمدنيين الذين تقع منازلهم ضمن (4) كم من الحدود وطلب منهم دخولها عند سماعهم صوت صافرات الانذار، وردّت القوات الاسرائيلية على القصف اللبناني بإطلاق عدة قذائف هاون على قرية مارون الرأس الحدودية في جنوب لبنان، وعزّز الجيش الاسرائيلي من قواته على الجبهة الشمالية، تحسباً لأي سيناريو محتمل في ظلِّ التوتر الأمني، ويعود سبب هذا التوتر ايضاً الى استهداف إسرائيل لمنزل لمقاتلين من حزب الله في بلدة عقربة جنوب العاصمة السورية دمشق، ما أودى بحياة عنصرين من الحزب.
ولا يفوتنا هنا ان نبين بان هذا التوتر الحدودي اللبناني-الاسرائيلي هو امتداد لمجموعة المخاوف الاسرائيلية من القوة المتنامية لفصائل حزب الله، اضافة الى القلق الاسرائيلي من جرّاء اكتشاف اسرائيل (لأربعة) أنفاق على الحدود، تقول إنها لـ”حزب الله” اللبناني، حيث حذر ممثل الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيير لاكروكس في وقت سابق أن يؤدي تصاعد الأعمال الاستفزازية على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل إلى توتر الأجواء في المنطقة والتي طرحت في جلسة مجلس الامن الدولي التي عقدت يوم الاربعاء الموافق (19-9-2019)، حيث نشرت قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) قوات إضافية وفرق اتصال على طول الخط الأزرق الفاصل بين لبنان واسرائيل.
وقد تستمر المناوشات بين اسرائيل وحزب الله، ما دامت القضايا الاستراتيجية غير محسومة.