د. ياسر المختار
باحث في قسم الدراسات الاستراتيجية
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2019
أدى هجوم بواسطة طائرات مسيّرة تبنّاه الحوثيون في اليمن السبت الماضي إلى إشعال حرائق في منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو السعودية العملاقة، في ثالث هجوم من هذا النوع خلال خمسة أشهر على منشآت تابعة للشركة.
وتبنّى الحوثيون الهجومين السابقين في أيار وآب، على منشآت لأرامكو في المملكة التي تقود تحالفاً عسكرياً يشنّ حملة عسكرية جوية في اليمن منذ 2015 ضد الحوثيين ودعماً لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا.
ويشهد اليمن، أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية، نزاعا داميا منذ 2014 بين القوات الموالية للحكومة، المعترف بها دوليا والحوثيين الذي يسيطرون منذ نحو أربع سنوات على العاصمة صنعاء ومناطق اخرى. ومن أهم محطات النزاع التي مرت بها حرب اليمن هي، تمرد في صنعاء في 8 تموز 2014، سيطر الحوثيون على عمران القريبة من صنعاء بعد معارك مع القوات الحكومية. وشن انطلاقا من معقلهم في صعدة هجوما كاسحا ، معتبرين أنهم عرضة للتهميش منذ الاحتجاجات التي شهدتها البلاد ضد حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 2011. وسيطر الحوثيون الذين ينتمون الى الاقلية الزيدية، على معظم مراكز نفوذ القوى التقليدية في شمال اليمن، ثم دخلوا صنعاء في 21 ايلول، قبل ان يفرضوا سيطرتهم على ميناء الحديدة المطل على البحر الاحمر غربا في 14 تشرين الاول. وفي 20 كانون الثاني 2015، سيطر الحوثيون على القصر الرئاسي في صنعاء ما أرغم الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار الى مدينة عدن الجنوبية.
أما المحطة الثانية، فهي ما يسمى التحالف العربي بقيادة السعودية الذي بدأ في 26 آذار 2015، إذ نفذ هذا التحالف ضربات جوية على مواقع الحوثيين، بعد ستة أشهر من دخولهم الى صنعاء، في محاولة لوقف تقدمهم. وفي تموز من العام ذاته، أعلنت حكومة هادي أنها استعادت محافظة عدن في الجنوب، في أول انتصار تحققه منذ تدخل التحالف. وأصبحت عدن العاصمة المؤقتة للسلطة المعترف بها دوليا. وعزز التحالف قوته الجوية بمئات من القوات البرية، وبحلول منتصف آب 2015، استعادت القوات الموالية خمس محافظات جنوبية. وفي تشرين الأول، استعادت القوات الحكومية السيطرة على مضيق باب المندب، احد أبرز ممرات الملاحة في العالم.
في آب 2017، اتهم الحوثيون حليفهم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بالخيانة بعدما وصفهم بالميليشيات. وتطور الخلاف في نهاية تشرين الثاني الى اشتباكات بين الحوثيين ومؤيدي صالح، أدت في النهاية الى مقتل الاخير على أيدي حلفائه السابقين مطلع كانون الاول 2017، بعيد اعلان استعداده لفتح صفحة جديدة مع السعودية.
أما المحطة الثالثة فهي الحديدة، ففي 13 حزيران 2018، بدأت القوات الموالية للحكومة اليمنية بإسناد من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، هجوماً ضد الحوثيين في الحُديدة على ساحل البحر الأحمر في غرب اليمن. في السادس من كانون الأول، بدأت محادثات السلام اليمنية في السويد بين الحكومة والتمرد برعاية الأمم المتحدة. وجرت المحادثات بعد اجلاء 50 مصابا من الحوثيين إلى سلطنة عمان وتبادل للأسرى. وفي الثالث عشر من كانون الأول، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سلسلة اتفاقات تمّ التوصل إليها بين الجانبين بعد محادثات سلام في السويد، بينها اتفاق لوقف اطلاق النار في محافظة الحديدة. وفي 14 من أيار 2019، تعلن الأمم المتحدة انسحاب الحوثيين من ثلاثة موانئ في محافظة الحديدة وهي (الحديدة والصليف ورأس عيسى). لكنّ القوات الموالية لهادي قالت إنّ ما جرى: خدعة وإنّ الحوثيين ما زالوا يسيطرون على الموانئ لأنّهم سلّموها لخفر السواحل الموالين لهم.
وعلى مستوى التصعيد، فقد كثف الحوثيون في الأشهر الأخيرة هجماتهم بطائرات دون طيار والصواريخ على مطارات ومحطات لتحلية المياه وغيرها من البنى التحتية السعودية. وكثف التحالف غاراته الجوية ضد مواقع الحوثيين في محافظتي حجة (شمال) وصنعاء. وفي العام 2018، خلُصت مجموعة من خبراء الأمم المتّحدة إلى أنّ جميع أطراف النزاع ارتكبوا جرائم حرب.
أدت حرب اليمن الى اكبر الازمات الإنسانية، إذ أوقعت هذه الحرب حوالى 10 آلاف قتيل وأكثر من 56 ألف جريح منذ 2015 بحسب منظمة الصحة العالمية. ويعتبر مسؤولون في المجال الانساني أن الحصيلة أعلى بكثير. ولا يزال هناك 3,3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، للمساعدة، بحسب الأمم المتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حالياً. ودمر وتضرر عدد من المستشفيات. وواجهت البلاد وباء الكوليرا مع أكثر من 2500 وفاة بين نيسان وكانون الثاني 2017.
ووصف صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) في تشرين الثاني 2018، اليمن بأنه (جحيم حي) مع وجود 1,8 مليون طفل تقل اعمارهم عن خمس سنوات يعانون من (سوء التغذية الحاد).
اذن، لقد طالت حرب اليمن، ولا يوجد حل منطقي او جذري يلوح في الافق لحد، الخاسر الاكبر فيها هو شعبها الاعزل.