أ. م. حيدر خضير مراد
باحث في قسم الدراسات السياسية
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2019
شهد التاريخ الإسلامي الكثير من المعارك والثورات التي أضمحل واندثر تأثيرها مع مرور الزمن، إلا واقعة الطف في كربلاء في 10 محرم سنة 61 هـ/ 680 م والتي قاد ثورتها ضد الظلم والطغيان الأموي الأمام الحسين بن علي ( عليهما السلام )، إذ ان الزمن يزيد من اشراقها وضيائها، وفي كل عام يجدد المسلمون احياء ذكرى هذه النهضة، ويستلهم الملايين منها الدروس والعبر. أن نهضة الامام الحسين ( عليه السلام ) وما اشتملت عليه من مظاهر التضحية بكل عزيز على النفس البشرية من الولد والمال في سبيل المبدأ والصالح العام مع القلة في العدد واليأس من النصر العسكري، شكلت تحدياً بارزاً ورئيساً للاستبداد والطغيان الذي كانت تمثله الدولة الأموية لما لهذه الثورة من مبادئ انسانية سامية هدفها القضاء على الظلم وتحقيق العدل والمساواة على وفق المنهج الإسلامي الصحيح، كما ان الامام الحسين (عليه السلام ) من خلال ثورته المباركة قد زرع بذور الحركات الثورية المناهضة للباطل والظلم والمطالبة بالحق والعدل في مواجهة الحكام المستبدين خلال التاريخ الإسلامي.
معظم الثورات والحركات التي حدثت بعد الثورة الحسينية كان قد تأثر قادتها وزعمائها بالنهضة الحسينية ومضامينها واتخذوا من الامام الحسين (عليه السلام ) مثلاً أعلى لهم حيث ان تلك الثورات المتلاحقة قد اقلقت مضاجع الامويين وهزت عروشهم حتى انتهت بسقوط دولتهم، فكان الامام الحسين (عليه السلام ) مناراً للحق والصدق والفضيلة والمثل الاعلى للثوار المناهضين لصروح الظلم والطغيان عبر التاريخ .
وقد حملت الثورة الحسينية الكثير من المعاني والدلالات والمبادئ الانسانية، فهي ليست تلك الثورة والحركة التي حصلت احداثها ووقائعها قبل ما يقرب من 1400 سنة وانتهت بشكل طبيعي كما تنتهي المعارك غيرها، بل هي تمثل استمراراً لخط النبوة وبها ثبات واستقامة القيم والمبادئ الإنسانية بعد أن عمل المبطلون على إزالتها، وبالتالي فهي ثورة لإنقاذ الدين وإحياء الشريعة واصلاح الأمة الاسلامية وفق مبادئ وتعاليم الرسالة المحمدية. اذ رأى الامام الحسين ( عليه السلام ) ان مستقبل البشرية يتوقف على شهادته ودماءه التي روت الأرض بالجهاد والإيثار والتضحية لتنبت في كل الأزمنة أشخاص يسيرون على دربه لا يرضون بالظلم ولا يقبلون الذل، فالثورة الحسينية أزلية في استمراريتها ، تدعو في أهم مضامينها الى ضرورة وحتمية السعي نحو الاصلاح حتى وان بلغت التضحيات ذروتها في كل زمان ومكان فهي ثورة انسانية بكل معانيها ودلالاتها .
وقد حدد الامام الحسين ( عليه السلام ) المعالم الحقيقية للثورة عندما قال: ” إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر ، واسير بسيرة جدي وأبي علي”. والإصلاح فيه رؤية بعيدة المدى إلى مستقبل الأمة الذي كان الحسين ( عليه السلام) يقرأه ويعرف عدم إمكانية الوصول إليه إلا عن طريق التضحية والشهادة.
تركت الثورة الحسينية آثارها وبصماتها في الفكر الانساني بشكل عام، اذ لم تنحصر آثارها بطائفة دون أخرى ولا بزمان دون غيره بل شملت كل احرار العالم على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم على مدى الزمان لما تضمنته من مضامين ومعاني الاصلاح والمبادئ الانسانية السامية.
ونحن اليوم حين تمر علينا ذكرى عاشوراء بحاجة ماسة الى اعادة استحضار سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) لأنها سيرة عطرة بما تمثله من التزام بالقيم والمبادئ الانسانية والخلقية السامية، إذ أنها تمثل منظومة ثقافية اسلامية ذات خصائص ايجابية مؤثرة في واقع مجتمعنا في العصر الراهن. اذ يمثل شهر محرم فرصة استثنائية – مثل شهر رمضان – لكي يعيد الفرد المسلم التفكير في شاكلته النفسية وبناء الشخصية الصالحة المُصلحة، وذلك لأن هذا الشهر يربطنا بأقدس رمز اسلامي ابي الاحرار سيد الشهداء الامام الحسين ( عليه السلام ) الذي حمل رسالة الاصلاح الى كل الاجيال ، فيجب علينا استلهام الدروس والعبر من سيرة الامام الحسين ( عليه السلام ) وثورته ، من أجل المساهمة في اصلاح المجتمع وفق المبادئ الإسلامية العالية التي تجسدت في النهضة الحسينية المباركة.