م.د.روافد محمد علي الطيار
باحثة في قسم الدراسات القانونية – مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
تشرين الأول- اكتوبر 2019
توالت الانظمة السياسية في العراق بأشكال مختلفة من برلماني ملكي في العهد الملكي (1925-1958) إلى نظام الانفراد بالسلطة بأنقلاب عسكري (حركة 14 تموز 1958) وتعرف أيضًا بانقلاب أو ثورة 14 تموز 1958، و التي أطاحت بالمملكة العراقية الهاشمية التي أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية، تم على إثرها إعدام كل من الملك فيصل الثاني وولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري سعيد ، ونتج عن الانقلاب تأسيس الجمهورية العراقية وبقي العراق دولة اشتراكية ذات حزب واحد بحكم الأمر الواقع من عام 1958 إلى 1970 ، ومن ثم إلى نظام رئاسي أنفرادي ذات حزب واحد (1970-2003 ) وبعد ذلك جاء النظام البرلماني بحلته الجديدة يقوم على تعدد الاحزاب وانتخابات دورية ورئيس للجمهورية منتخب.
نتج عن النظام البرلماني واقع عراقي متأزم (محاصصة سياسية وطائفية، توافقية عقيمة، فيدرالية مشوهة، برلمان عقيم، حكومة ضعيفة، قضاء غير مستقل لا يملك القدرة على تنفيذ احكام القانون بحق من تثبت ادانته، فساد سياسي ومالي واداري، ارهاب، عنف سياسي، بطالة، فقر، عوز، حرمان، احباط، اغتراب،…انتهت بمظاهرات للمطالبة بأسقاط النظام وهناك دعوات لتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي .
إن من دعى لتغيير النظام السياسي لم يبحث في سبب فشل النظام البرلماني في العراق، (وهو المطلوب)، بل كان التوجه للبحث نحو حل سريع وغير مدروس كالعادة وهو استيدال النظام القائم بنظام سياسي اخر، بعد فشل انموذج النظام البرلماني في العراق!، وكأن الخلل في النظام البرلماني ذاته!، فبدأ التوجه يدور حول اي الانظمة السياسية اكثر ملائمة للواقع السياسي في العراق؟ هل هو نظام رئاسي ام برلماني، ام مختلط ؟
وهنا ممكن طرح السؤال التالي : ما سبب نجاح النظام البرلماني في انكلترا بينما فشل تطبيقه في العراق؟ ألا يسري ذلك على بقية تجارب وانماط الانظمة السياسية؟ كالنظام الرئاسي مثلا، او حتى المختلط، فما الذي يمنع فشل تطبيق النظام الرئاسي في العراق كسابقها من النظام البرلماني بالرغم من إنه نظام ناجح جدا في الولايات المتحدة الامريكية ؟ الا ينم ذلك عن وجود اشكالية اخرى تتجاوز اشكالية بنية النظام السياسي؟. ترى هل المشكلة في طبيعة النظام السياسي ام الاشكالية في التطبيق والقائمين بالأمر؟ بدلالة نجاح النظام البرلماني في انكلترا وكثير من بلدان العالم، بينما فشل تطبيقه في العراق. هل المشكلة في النظرية ام في التطبيق؟. هل الحل في استبدال النظام البرلماني العراقي بنظام رئاسي؟. هل المشكلة تكمن في بنية النظام السياسي ام في بنية النظام الفكري والثقافي؟. هل المشكلة تكمن في واقع النظام السياسي البرلماني في العراق ام بواقع ثقافة المحاصصة والتوافقية العقيمة؟. هل نحن بحاجة الى تغيير بنية النظام السياسي ام الى تغيير بنية النظام الفكري والثقافي؟، وكيفية التعاطي مع مبادئ الديمقراطية الحقة وقيم المشاركة السياسية؟
اذا الدعوة للنظام الرئاسي في العراق في ظل الظرف الحالي المتسم بعدم التجانس الاجتماعي بوجود المكونات على اساس قومي وطائفي والمؤطر بنظام حزبي تعددي مبني على اساس هذه المكونات وطغيان الولاء القومي والطائفي على الولاء الوطني والذي عكسته نتائج الانتخابات في اربع دورات انتخابية متتالية ، تشبه الدعوة للأخذ بنظام الاغلبية التي يدعوا لها بعض السياسيين ، حيث المستفيد الاكبر، المرشح الرئاسي من القومية والطائفة الاكبر ولا فرصة لأي مرشح من القومية والطائفة الاخرى للفوز بحكم القلة العددية وبالتالي تهميش اكبر للمكونات الاخرى وإضعاف للاستقرار السياسي، وسيكون حاضنة لشكل من اشكال الديكتاتورية في ظل ضعف دور الاحزاب السياسية والتي بلغ عدد الفائز منها في الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب اكثر من ثمانين كيانا سياسياً.
إذا الحل ليس بتغيير النظام القائم وأنما بمعالجة اسباب الفشل حيث يمثل النظام البرلماني افضل الانظمة للبيئة العراقية التي تتكون من طوائف وقوميات متعددة ،وحل الازمة يبدأ من تغيير النظام الحزبي في العراق عن طريق تقليل عدد الاحزاب داخل البرلمان ، فإحدى أسباب فشل العملية السياسية في العراق هو تعدد الاحزاب والتيارات ، بينما نجد الدول الكبرى وذات نظام تمثيلي وسياسي ناجح هي التي تقوم على فكرة وجود حزبين أو تيارين في السلطة مع وجود حزب أو حزبين صغيرين معارضين لا أكثر ، فمثلا لو فرضنا وجود حزبين فقط في السلطة أحدهم يميني ذات أتجاهات دينية والاخر يساري ذات أتجاهات علمانية ، ففي حالة حصول أحد الحزبين على أغلب المقاعد النيابية وتشكيل الحكومة ،فهو أمام خيارين إما أنجاح العملية السياسية وبالتالي الحفاظ على مكانه في مجلس النواب والحكومة لدورة انتخابية أخرى أو استبداله من قبل الشعب في الانتخابات بالحزب الاخر وبقائه كحزب معارض .