الباحث زينب عطيوي السعيدي مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء تشرين الثاني-نوفمبر 2019 أَصبَحَت التنمِية المستدامة بأَشكالها المُتعددة هي الخِيار الاستراتيجي لِضَمان إِعمال حُقوق الإِنسان وتحقيق الرفاهية لجميع شُعوب العالم , وغاية هذا الفَرع المُستَحدث هو الكفاح من أَجل بقاء الإِنسانية وديَمومَة الحَياة على سطح الأَرض , وتأَكيد السِيادة عَلى الثَروات وَالمَوارد الطبيعية وَضمان حُقوق الأَجيال اللاحِقَة. فالتنمية المُستدامة هي نَوع جَديد مِنَّ التنمية يتجاوز ما تُحققه عملية التنمية الاقتصادية كثيرًا حيث لا تكتفي بزيادة مُعدل الانتاج فقط , بل يَنظر إِلى النتائج الاقتصادية والاجتماعية المُتحققة منها , وما ينتج عَنها مِن آثار على البيئة مع مُراعاة العدالة والمُساواة , بل والدعوة إِلى ترشيد استغلال الموارد, وهي بذلك ترتكز على مفهوم التوازن بين احتياجات الأَجيال الحاضرة والمُستقبلية حيث تُعرف على إِنَّها : عَملية مُتعددة الأَبعاد تَعمل على تَحقيق التَوازن بين أَبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة والبعد البيئي من جهة اخرى , وتهدف إِلى الاستغلال الأَمثل للموارد والأَنشطة البشرية القائمة عليها , على أَن يؤخذ بنظر الاعتبار حاجة الاجيال الحاضِرة والمُستَقبلية . وتبدو أهمية هذا الحق التنمية المستدامة في إِنَّهُ يأخذ بُعدًا دَوليًا يتعلق بإِماطة اللِثام عَن التنظيم القانوني لهذا الحق , في كونه يُوفر الأُسس العامة لحماية مصلحة الأَجيال الحاضِرَة والمُستَقبَليِةَ , والتي تهدف إِلى تحقيق التوازن بين الدول المتقدمة والنامية , كما تثور مُشكلة قُصور النُصوص القانونية بشأن إعمال هذا الحق وَغِياب الآليات التنفيذية لإِلزام الدول المُتقدمة فِي حالة انتهاك قَواعد الحماية سواء على المستوى الدولي او على المستوى الداخلي وحتى على المستوى السياسي , فأَهمِية حماية حَق التَنمِية المستدامة تَكمن في الأَساس بالاعتراف العالمي, بأَن لِكل شَخص الحق في البيئة الصِحية المُتوازِنَة وحَقة في الصِحة والتعليم والأَمن والحُرية والمُشاركة. فالحق في التنمية المستدامة هو حق من حقوق الانسان غير قابل للتصرف ويحق بموجبه لجميع الافراد والشعوب أن تساهم وتشارك بشكل كامل في تحقيقه كما تتحمل الدول المسؤولية الرئيسة عن تهيئة الأوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال هذا الحق ، وعليها أن تتخذ خطوات لإزالة العقبات التي تعترض سبيل تحقيقه , والناشئة عن عدم مراعاة الحقوق المدنية والسياسية ، فضلاً عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , فالحق في التنمية المستدامة هو أحد حقوق التضامن أي الحقوق التي يطلق عليها حقوق الجيل الثالث , ويعود الفضل إلى الفقيه الفرنسي) كارل فاساك) في تحديد الحقوق التضامنية ، وتسميتها بالجيل الثالث لحقوق الإنسان ، والتي عبرت أساساً عن الحق الجماعي للشعوب ، وخاصة شعوب العالم الثالث أو النامي ، والتي كانت قد تحررت من عصر الاستعمار وهي حقوق مطلوب توفيرها للإنسان . وجيل الحقوق الجماعية أو الحقوق التضامنية ، تفرض دوراً إيجابياً على كل الأطراف لتحقيقها ، الشعوب والحكومات والمجتمع الدولي , لذلك فقط أطلقت بعض التصنيفات على حقوق الجيل الثالث تسمية الحقوق الجماعية كالحق في التنمية المستدامة والحق في بيئة نظيفة والحق في السلام العالمي .وكنموذج على الحقوق الجماعية . حيث نَصت أَغلب المَواثيق والاتفاقيات كالاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية اللتان تؤكدان على حق الإِنسان في البيئة الصحية والتعليم والعمل والمشاركة , وتم تطويهما لاحقًا في العهدين الدوليين العَهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمَدنية والسِياسِيةَ لعام 1966 , ونصت ف (1) من المادة الأولى من العهد ين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (2200) كانون الاول عام 1966على إنَّ : ” لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وأن تكون حرة في تحقيق نماءها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ” وجاء في (ف2) من المادة الأولى على إنّهُ ” لجميع الشعوب , سعيا وراء أهدافها الخاصة , التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية , دونما إخلال بأية التزامات منبثة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وفق القانون الدولي ولا يجوز في أيه حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة ” , كما أكدت المادة (47) على إنه ” ليس في احكام هذا العهد ما يجوز تأويله على نحو يفيد إخلاله بما لجميع الشعوب من حق اصيل في التمتع والانتفاع الكاملين , بملء الحرية بثرواتها ومواردها الطبيعية “, وبِصدور إِعلان حَق التَنمِية عام 1986, كان له الفَضل الأكبر في رَبط مَنظومة حُقوق الإِنسان بَالتنمية المُستدامة , واعتبرها عملية شاملة لجميع النَواحي الاجتماعية, والاقتصادية, والبيئية , فضلًا عن ذلك العديد من الإِعلانات والمُؤتمرات والاتفاقيات الدولية . هذا وتَعد التنمية المستدامة مِن أَهم الأَهداف التي تَسعى المُجتمعات المُتحضرة إِلى تَحقِيقها في الوقت الحاضر, بحيث أَصبحت هي المِقياس لِحضارة الشعوب ومدى رقيها , لذا فإِن للتنمية المُستدامة أَهداف وَغايات سامِية تَتَمثل : بالترشيد و الاستخدام الأَمثل للمَوارد الطبيعية , وتعزيز النمو الاقتصادي المُطرد والشامل للجَميع والمُستدام ، والعمالة الكاملة والمنتجة وتوفير فرص العمل اللائق للجميع , والقضاء على الفقر والجوع بجميع أَشكاله , وضمان الأمن الغذائي , تَقليل حَجم التَباين في الدُخول وَالثَروات داخل البُلدان وَفِيما بَينَها, وتَوفير الماء الصالح للشُرب, وحماية النظم الأيكولوجية وضَمان التَعليم الجَيد المنُصف والشامِل للجميع والاندفاع نحو التَحضر مَع تَعزيز المُجتمعات السِلمِية والآمنة من أَجل التنمية المُستدامة , إلا هنالك بعض المُعوقات التي واجهت العديد من الدول النامية في تبني خُطَط وبرامج عمل هادفة إِلى إعمال حق التنمية المُستَدامة , من أهمها العَولمة كظاهرة عالمية للهيمنة والتسلط ونَقص الثقافة والوعي بِحقوق الإِنسان وآليات حِمايتها , فضلا عن المَديونِيَة الخارِجِية وَنَقص المَعونة الصراعات والحُروب والإِنفاق العسكري والتلوث وارتفاع مُعدلات النُمو والكَثافة السُكانِية. لذا نصل إلى نتيجة وهي إِن التطور الذي طرأ على مفهوم حماية حق التنمية المستدامة وما سار عليه المجتمع الدولي يقضي بأَن الحفاظ على البيئة المستدامة وصيانه مواردها الطبيعية , لم يعد ترفًا وإِنما ضرورة لاستمرار الحياة , وعليه لابُد من الاتفاق على المَبادئ والقواعد القانونية المُنظمة لذلك , وضرورة أن يتم إِدراج الحق في التنمية المستدامة ضمن أَحكام الدستور المتعلقة بالحقوق والحريات العامة باعتبارها من حقوق الجيل الثالث التي تضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الانسان , والعمل على جعل التنمية المستدامة كأساس قانوني وليس مجرد هدف تسعى الدول لتحقيقه . وتفعيل التشريعات والنصوص القانونية التي تعزز تحقيق التنمية المستدامة ، مع الأخذ بما جاء في الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الدولية والإقليمية ، والنص على قيام المسؤولية الدولية وتوقيع الجزاءات والعقوبات في حالة عدم الإلتزام بها .
حق الإنسان في التنمية المستدامة
التعليقات على حق الإنسان في التنمية المستدامة مغلقة