م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
تشرين الثاني 2019
كانت ولا تزال الاوضاع الاقتصادية هي الدافع الأساس في أغلب الاحتجاجات الشعبية في ايران ، وإن ما ظهر من مطالب سياسية واجتماعية خلالها ما هي الا انعكاس لها، فقد اندلعت احتجاجات جديدة يوم 16 تشرين الثاني 2019 بعد قرار الحكومة الايرانية برفع سعر البنزين بنسبة 50%، وهو يعد منخفضا قياسا بالأسعار العالمية، و كانت أسباب رفع الاسعار بحسب الحكومة الايرانية هو انخفاض أسعار البنزين في ايران قياسا بدول الجوار مما زاد من عمليات التهريب ولا سيما إلى باكستان وافغانستان، فضلا عن إن استمرار انخفاض الاسعار قاد إلى زيادة الاستهلاك الأمر الذي أدى إلى نقص في إمداد البنزين وزيادة استيراده، ولاسيما مع تشدد العقوبات الامريكية التي تمنع الشركات والدول من شراء أو بيع الوقود لإيران، من هنا وفي هذا الموضوع فقد قال الرئيس الايراني: إن أمامنا ثلاث خيارات لتمويل العجز في الميزانية الايرانية للعام القابل والتي تحتاج إلى موارد لتمويلها وهي: رفع الضرائب، أو زيادة كمية النفط المصدر، أو رفع أسعار الوقود، وقد اخترنا الخيار الثالث، لأن الخيار الأول غير مجدي بسبب امكانية التهرب من الضرائب، وعدم وجود القدرة على زيادة تصدير النفط بسبب العقوبات الامريكية وتحديدا على الدول والشركات والتي قلصت التصدير إلى النصف وهو ما اصبح عائقا امام التنمية، لهذا كان رفع أسعار البنزين هو المورد الممكن استغلاله لزيادة ايرادات الدولة، كما إن زيادة أسعار البنزين تمنع التهريب وزيادة الاستهلاك، إلى جانب إنه من خلال ذلك يمكن دعم العوائل الفقيرة، حتى إن الرئيس روحاني أصدر أوامره للجهات المختصة بصرف مساعدات للعوائل الفقيرة والمتوسطة الحال من أجل مساعدتها، وهي سياسة الهدف منها وقف استمرار الاحتجاجات وامتدادها إلى مناطق أخرى، ويمكن أيضا من خلال هذا القرار جعل جزء من الايرادات المتأتية من زيادة اسعار البنزين توزع على العوائل الفقيرة، الأمر الذي يحقق العدالة الاجتماعية.
إن هذه الاحتجاجات لم تكن الأولى ولن تكون الاخيرة، فقد خرجت احتجاجات على افلاس بعض المؤسسات المالية، وارتفاع الأسعار وتحديدا الغذائية وذلك عام 2017-2018، كذلك ظهور هذه الاحتجاجات الجديدة بعد رفع أسعار البنزين، وهناك عدد من الاسباب للاحتجاجات في ايران منها:
وقوع ايران تحت ضغط العقوبات الاقتصادية والني استهدفت بشكل مباشر قطاع الطاقة (النفط والغاز)، وهو القطاع المهم للاقتصاد الايراني، فقد انخفض انتاج النفط وتصديره في ايران إلى النصف، وهو ما أثر على قطاعات مهمة منها الصناعة والخدمات، وأصبح سببا اساسيا للاحتجاجات في ايران.
وجود دعاية اقليمية ودولية من إن ايران تقوم بدعم مجموعات في المنطقة (لبنان وسوريا واليمن والعراق) من أجل دعم نفوذها الاقليمي، وهو ما يتطلب دفع مساعدات مالية بشكل مباشر أو مساعدات تسليحية، وهذا الأمر يفسر على إن تقديم هذه المساعادات يدفع من الموازنة الايرانية، وهو ما اجج الوضع الداخلي الايراني، ودفع بعض القطاعات الشعبية إلى رفع شعارات لوقف هذا الدعم.
إن أوضاع المنطقة الممتدة من الجزائر إلى افغانستان لها تأثير على ايران، وإن الاحتجاجات الجديدة والتي عمت العراق ولبنان والمطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد قد أثرت هي الأخرى على الوضع الداخلي الايراني، فقد كان العراق بوابة الاقتصاد الايراني وسوق واسعة للبضائع الايرانية، والاحتجاجات العراقية وإغلاق المنافذ الحدودية قد قلص حجم التجارة مع ايران، مما أثر على الوضع الاقتصادي، ومع أول قرار حكومي ايراني برفع اسعار البنزين انطلقت هذه الاحتجاجات.
إن الدعم الامريكي والاقليمي ومحاولاتهما لإثارة الاضطرابات في المنطقة و لا سيما في الدول التي تعدها مناهضة لمصالحها في المنطقة وعلى وجه التحديد ايران والحكومة التي تعدها صديقة لها مثل العراق ولبنان، إذ تعد الاموال الامريكية الاقليمية داعم اساس لاثارة الاضطرابات والفوضى في المنطقة ومحاولة دفعها صوب ايران لزيادة الاضطرابات فيها.
تعدد صنع القرار في ايران في مجال السياسات الاقتصادية، فهناك المرشد الاعلى ورئيس الجمهورية والبرلمان فضلا عن المؤسسات الاقتصادية الأخرى منها الخيرية أو المرتبطة بالحرس الثوري، وهو ما جعل اتخاذ اي قرار اقتصادي خاضع للتوازنات المؤسساتية، ورغم دعم رؤساء السلطات الثلاث لقرار الرئيس الإيراني برفع اسعار البنزين، وتأييد المرشد الاعلى للقرار الا إن مجلس الشورى الإيراني قد عقد اجتماعا لتدارس الاوضاع،وقد ربط المرشد الأعلى موافقته بتقليل تأثير هذه الزيادة على الشعب الايراني، وهو ما اعطى المحتجين دعما لمعارضة هذا القرار.
وبالرغم من رفع أسعار البنزين وما سببته من احتجاجات والتضخيم الاعلامي لها،لكنها لن تؤثر عمليا على الوضع السياسي في ايران، ولا سيما مع وجود عدة عوامل سوف تدفع بوقفها، مع اتخاذ بعض السياسات الاقتصادية التي يمكن أن تساعد على دعم الاقتصاد الإيراني ووقف هذه الاحتجاجات ومنها:
1- إن أسعاره في ايران هي منخفضة قياسا بدول الجوار، لهذا فإن تأثير رفع أسعار البنزين لن تؤثر على الشارع الايراني، وان هذه الزيادة يمكن استيعابها بمرور الوقت.
2- ان محاولات الولايات المتحدة بأثارة الاضطرابات في ايران هي ضعيفة وغير فعالة بسبب عدم ضخامة المشكلة في ايران وان هناك من حاول استغلال المناسبة لأثارة الاضطراب في ايران أسوة بدول الجوار ، فايران لديها موارد اقتصادية سواء كان من النفط والغازام الصناعة والزراعة، وإنها قادرة على إدارة الازمة الاقتصادية بدون تأثير على الاستقرار فيها، أو يمكن السيطرة عليها.
3- إن وجود المرشد الاعلى في ايران ودوره السياسي الكبير وقراراته الملزمة، والدعم الذي يحضى به من قوة الحرس الثوري الايراني والتي اصبح لها دور اقتصادي وسياسي في ايران تعد صمام الامان وتقف ضد أي مساس بالأمن الإيراني، إذ إن تصريح المرشد الاعلى غير المتشدد هذه المرة ودعوته إلى تقليل الاضرار الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية الجديدة، ورغم تأكيد الحرس الثوري على حفظ الامن والنظام العام، الا إنه دعا إلى الاستجابة لمطالب المحتجين، وهي دعوات تدل على وجود راي اصلاحي يتنامى في ايران.
4- تأكيد الرئيس الإيراني حسن روحاني على تقديم مساعدات للفئات الاجتماعية الفقيرة ، وإن الاحتجاجات حق للشعب لكن دون المساس بأمن البلد، ولاسيما إن احد أسباب رفع سعر الوقود هو لمساعدة الطبقات الفقيرة في ايران.
وعلى الرغم من قدرة ايران على مواجهة هذه الاحتجاجات بأساليب اقتصادية او امنية، و محدودية الاصلاحات الاقتصادية التي قامت بها ايران وهي رفع سعر البنزين، الا إن اندلاع الاحتجاجات في منطقة الشرق الاوسط وبعض دول العالم و بشكل واسع ضد تراجع الاقتصاد والفساد، كذلك حاجة ايران إلى اصلاحات اقتصادية كبيرة وبالتحديد في مجال الخصخصة ورفع الدعم عن الأسعار وهي مشاريع قوانين تنوي الحكومة تطبيقها لمواجهة العقوبات الأمريكية، كذلك وصول الاصوات إلى المساس بمؤسسة المرشد الأعلى في ايران وتجاوزها للخطوط الحمر بوصفه مرجع تقليد وموجه لسياسات الدولة الايرانية، قد تقود إلى زيادة حدة التظاهرات في ايران، لهذا فإن الحكومة الايرانية ملزمة في هذا الوقت باتخاذ إجراءات اقتصاديه ذات تأثير محدود لحين توافر الأوصاع المناسبة للإصلاح الواسع.