الكاتب: منقذ داغر مؤسس مجموعة المستقلة البحثية ومدير مؤسسة جالوب الدولية الناشر: صحيفة واشنطن بوست. ١٦/١٠/٢٠١٩ ترجمة :هبه عباس محمد علي تحليل: د. حسين احمد السرحان
منذ الأول من تشرين الأول اجتاحت العراق سلسلة من المظاهرات الحاشدة ، وهي مظاهرات جديرة بالاهتمام ليس فقط لحجمها واستمرار مدتها بل بسبب هوية المشاركين الرئيسيين فيها الا وهم الشيعة الذين يعتبرون الشريحة الأكبر في المجتمع والذين خرجوا الى الشوارع رغم العنف الذي تعاملت به القوات الأمنية التي تعمل لصالح حكومة يسيطر عليها الشيعة، اذاً لماذا يخرج العراقيون الشيعة ضد حكومتهم الشيعية؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في التوقعات التي كان لدى الشيعة منذ سقوط نظام صدام حسين قبل 16 عامًا. لأن اغلب أعضاء حكومة الأخير كانو من السنة لذا توقع الشيعة ان تتحسن حياتهم بشكل ملحوظ في العراق الذي سيحكمه الشيعة، لكن على العكس من ذلك شهد الشيعة مايسمى بالحرمان النسبي اذ أصبحت هناك فجوة بين توقعاتهم وما حصلوا عليه، اذ لم تلبي الحكومة الشيعية احتياجاتهم الأساسية كتوفير الوظائف و تحقيق الامن والشعور بالاهمية ولهم صوت مسموع. وقد عانى الشيعة والعراقيون بشكل عام من الفساد المالي والإداري وتراجع الاقتصاد الذي نتج عنه عدم توفير الوظائف وفرص العمل، اذ يهتم السياسيين بأنفسهم فقط ولا يعيرون أي اهتمام بالمواطنين وخاصة الشباب منهم مما اثار سخطهم وجعلهم يخرجون بهذه التظاهرات. وقد كشفت استطلاعات للرأي عن شعور السنة بارتياح اكبر من نظرائهم الشيعة، اذ تحرروا من كابوس “الدولة الإسلامية داعش” (التي هُزمت إلى حد كبير في العراق في تشرين الاول 2017). ولكن كان له علاقة كبيرة أيضًا بالإحباط النسبي لدى الشيعة العراقيين، اذ يعصف الفساد والفقر والبطالة بحياة الشباب العراقي. وقد صرح أكثر من 80٪ منهم عن شعورهم بالاكتئاب مرة واحدة على الأقل خلال الأشهر الستة الماضية. وصلت الثقة بالحكومة في الأوساط الشيعية الى ادنى مستوى لها منذ عام٢٠٠٣، اذ بلغت نسبة ١٥٪. وكذلك الحال بالنسبة للبرلمان والنظام القضائي والمؤسسات الدينية ، على العكس منها مع الجيش و الشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب اذ وصلت الثقة بها الى ٩٠٪ ومع ذلك قرر رئيس الوزراء ولأسباب غير معروفة، اقالة قائد عسكري في الحرب ضد “داعش” في نهاية ايلول الماضي وكان هذا احد الأسباب المباشرة للاحتجاجات. ردت الحكومة على هذه المظاهرات بطريقتين: الأولى، قيامها بتزييف صورتها من خلال وسائل الاعلام، فضلا على استخدام العنف والقمعضدها . وقد أدى هذا القمع الى تصاعد الغضب الشعبي وزاد من شعور المحتجين بان الحكومة لا تحترمهم ولا تهتم برفاهيتهم، لذا منح الاحتجاج ضد الحكومة هؤلاء الشباب المهمشين شعوارا بالتمكين، وكان العنف الذي مارسته قوات الامن عاملا رئيسا في تصاعد حدة الاحتجاجات وانتشارها في جميع المحافظات الشيعية، فضلا على بغداد. ومن المتوقع ان يؤدي استمرار القمع الى جعل الأمور اكثر سوءاً. وقد تشوهت صورة ايران لدى شيعة العراق لانها ساعدت الحكومة في تنفيذ حملتها من خلال نشر الفصائل الشيعية الموالية لها، كما انخفضت ثقة العراقيين الشيعة بها الى مستويات غير مسبوقة اذ يعتقدون بانها شريك بما يحصل في بلدهم. ان مستوى العنف الذي تعاملت به الحكومة مع المتظاهرين سيجعل من الصعب توقع ما سيقوم به الشيعة، لذا على الرئيس برهم صالح القيام بحل مجلس النواب والدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة تحت اشراف دولي كامل، كما يجب على السلطات محاكمة من تسبب بقتل المحتجين، واذا تم اتخاذ هذه الإجراءات سيبدأ العراق بالتعافي . كلف جهود الولايات المتحدة لبناء عراق ديمقراطي أكثر من 2 تريليون دولار وحياة حوالي 5000 جنديا امريكيا، فضلا عشرات الآلاف من الضحايا الإضافيين، يبدو أن هذا يعطي واشنطن حافزًا عمليًا قويًا للضغط على بغداد من اجل تغيير طرقها. وفي الوقت ذاته على الولايات المتحدة التزام أخلاقي بمنع الحكومة العراقية من قتل الشباب العراقيين ومنع عودة الدكتاتورية الى العراق مرة اخرى. التحليل: شكل عامل فقدان ثقة الجماهير بالحكومة ونظام الحكم عامل اساس في تصاعد وتيرة الرفض الشعبي لنظام الحكم وبشكل ممتد منذ التغيير السياسي في العراق. وهذا الامر لايقتصر على المكون الشيعي بل هو شعور غالبية الشعب العراقي بما فيه اقليم كردستان العراق. وفي السنوات الاخيرة تفاقم فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها بعما توضحت مديات الهشاشة والضعف فيها وفي حدثين بارزين: الاول، سيطرة داعش الارهابي على ما يقارب من ثلث مساحة البلاد في حزيران 2014 والاوضاع السياسية والاقتصادية التي رافقت حرب تحرير المدن العراقية وتراجع اغلب القطاعات الخدمية. والثاني، هو ما حصل في الانتخابات التشريعية ايار/2018 من حيث نسب المشاركة المتدنية جدا، واطلاع الجماهير على تقارير واضحة شخصت الخروقات التي شابت علمية الاقتراع من تزوير وهدر اصوات وتوجت بخرق الدستور وتجاوز الكتلة النيابية الاكثر عددا عبر توافق مغلوط قادته اكبر القوائم الانتخابية والتي اصبحت اكبر التحالفات النيابية في مجلس النواب. الحكومة الحالية لم تستطع تنفيذ ما الزمت به نفسها من توفير خدمات وفرص عمل في ظل وفرة مالية جيدة نسبيا، كما انها خرقت عدد من القوانين لاسيما في العلاقة مع اقليم كردستان، واهدرت ما تحقق من مكاسب في فرض سيطرة الدولة في كركوك والمناطق المتنازع عليها. والاهم من ذلك خرقت قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 في تغافلها لتصدير سلطات الاقليم النفط بعيدا عن الحكومة الاتحادية فضلا عن استلامها مستحقاتها في الموازنة. وهو ما يعتقده سكان المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الاغلبية الشيعية انه استهانة واضحة بحقوقهم وهم يعرفون جديا ان اغلب ايرادات الموازنة تتأتى من محافظاتهم. اكثر ما يقلق الاحزاب السياسية الشيعية هو خروج جماهيرها رافضين لها ولسلوكها السياسي الذي يفضل المصالح الحزبية والشخصية على مصالح الجماهير. وهذا الشعور تواجد وتعزز بين سكان تلك المحافظات. ولذلك عندما خرجت الجماهير تصدت لها بقوة وعنف واوقعت عشرات القتلى والجرحى، فضلا عن عدم سيطرة الحكومة والقوات الامنية على بعض الجهات التي اطلقت النار على المتظاهرين، وهو ما ساهم في تصاعد الاحتجاجات وتطور المطالب اكثر فأكثر. وما ساهم ايضا في تصاع الاحتجاج هو معرفة الحكومة بتلك الجهات من دون ان تفصح عنها بشكل تفصيلي رغم انها شكلت لجنة تحقيقية واسعة لذلك. على السلطات ان تدرك جيدا ان اوضاع العراق ما قبل تشرين الاول الماضي تختلف كثيرا عن ما بعده. ولذلك ليس امامها سوى الاستجابة وتصحيح نظام الحكم وتلبية المطالب الجماهيرية من دون تأخير واولا محاكمة من تسبب بقتل وجرح المتظاهرين لكي لا تذهب الاوضاع الى مزيد من التصعيد وربما الى الفوضى. وعند ذاك تكون تلك السلطات قد ضحت بالسلم والامن المجتمعي. https://www.washingtonpost.com/opinions/2019/10/16/why-are-iraqi-shiites-leading-protests-against-their-own-government/?