م. ميثاق مناحي العيسى
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الثاني/2019
يعد تعديل الدستور العراقي من أهم مطالب الاحتجاجات الحالية، والتي تطورت الى اعتصامات في الشوارع والساحات العامة في العاصمة العراقية بغداد وباقي المحافظات العراقية منذ 25 تشرين الاول الماضي. وعلى الرغم من شروع البرلمان العراقي بتشكيل لجنة لتعديل الدستور، إلا أن المحتجين لم يروق لهم الاسماء التي وردت في قائمة التعديلات الدستورية، فضلاً عن الفجوة الكبيرة التي خلقها البرلمان والحكومة بين السلطة والشعب، إذ لم يعد لدى الشعب العراقي أي ثقة بالبرلمان العراقي والحكومة العراقية في أجراء تعديلات دستورية صحيحة واجراء اصلاحات جذرية من شأنها أن تمس جوهر بنية النظام السياسي العراقي وتحقق الاستجابة الفعلية لمطالب المحتجين. وبغض النظر عن نية البرلمان العراقي في اجراء التعديل الدستوري من عدمها، تبقى مسألة تعديل الدستور من المسائل المعقدة جداً، لكن على ما يبدو بأن هناك طريقتين لتعديل الدستور:
الطريقة الأولى: طريقة التعديل وفق المادة (142) التي اشار اليها الدستور العراقي، إلا أن طريقة التعديل وفقاً لهذه المادة انتهت مع مرور أربعة أشهر من عمر الدورة الانتخابية الأولى من البرلمان العراق، التي جرى انتخابها عام 2006؛ لأن هذه المادة أشارت إلى طريقة تعديل الدستور بشكل واضح، وأن مجلس النواب هو المختص في ذلك، وأن التعديلات الدستورية تجري على كل الدستور، بشرط أن التعديل لا يمس حقوق الاقاليم، وأن يتم تمريره باستفتاء شعبي بعد أن تعرض التعديلات الدستورية على البرلمان العراقي، وأن لا يتم نقضها من أغلبية الثلثين من ثلاث محافظات. وهنا الاشارة واضحة إلى أن المقصود بالثلاثة محافظات هي محافظات إقليم كردستان (أربيل، السليمانية ودهوك)، إلا أن اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية آنذاك اخفقت في ايجاد مشتركات واضحة ورأي موحد من أجل عرض التعديلات الدستورية على مجلس النواب ومن ثم عرضها على الشعب، وبالتالي فقد فشلت اللجنة في اجراء التعديلات الدستورية آنذاك. وهنا يمكن القول بأن التعديل الدستوري وفقاً لهذه المادة انتهى ولا يمكن الرجوع له؛ لأن التعديل بموجبها يؤدي إلى مخالفة بنود الدستور العراقي، وقد تنقضه المحكمة الاتحادية فيما بعد، على الرغم من أن التعديل وفق المادة (142) يتقدم على التعديل وفق المادة (126).
الطريقة الثانية: التعديل وفق المادة (126)، إن التعديل وفق هذه المادة هو الطريقة الوحيدة إمام السلطات المختصة في اجراء التعديلات الدستورية والاستجابة لمطالب المتظاهرين. فالتعديل وفقاً لهذه المادة لا يحتاج إلى موافقة أغلبية ثلثي سكان ثلاثة محافظات، وإنما مجرد تمريره عن طريق الاستفتاء الشعبي، وهذا ما اشار له القاضي “وائل عبد اللطيف” في لقاء على شاشة قناة السومرية. وإن العمل بموجب هذه المادة يتم من خلال طلب عن طريق رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء أو عن طريق خمس اعضاء مجلس النواب، وتجري التعديلات الدستورية وفقاً لهذه المادة بموجب قيدين:
إن لا تعدل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني، وحقوق الأقاليم الواردة في المادة (115) إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، أي بمعنى أن تعديل الدستور وفقاً لهذه المادة في الوقت الراهن طبيعي جداً ولا يمكن أن يتعارض مع مبادئ الدستور العراقي، وبعيداً عن الفيتو المشروط في المادة142 القاضي بموافقة اغلبية ثلثي سكان ثلاث محافظات، وهنا تبقى مسألة الاستفتاء الشعبي، هي المسألة الحاسمة في اجراء التعديلات من عدمها.
إن لا تمس الحقوق الدستورية التي منحت للإقليم، إلا بعد عرض التعديلات الدستورية على السلطة التشريعية في الاقليم ومن ثم عرضها على مجلس النواب وبعد ذلك الذهاب إلى الاستفتاء الشعبي، لأخذ رأي الشعب في التعديلات الدستورية من عدمها.
إذاً هناك طرق دستورية سهلة ممكن أن تلجأ لها لجنة التعديلات الدستورية وفق المادة (126) وليس هناك صعوبة بالغة التعقيد “كما صورها البعض”، لكن تبقى مسألة جدية اللجنة والسلطات المختصة في التعديلات الدستورية من عدمها، سواء تلك المتعلقة بإرادة وسلوك القوى السياسية العراقية أو غيرها من الأمور التي تتعلق برغبة الاحزاب والقوى السياسية في أشراك اصحاب الاختصاص والاساتذة المختصين في القانون الدستوري واشراك النقابات ومنظمات المجتمع المدني في لجنة تعديل الدستور بعيداً عن هيمنة الاحزاب السياسية المتحكمة في المشهد السياسي العراقي، هي العقبة الكبيرة التي تقف بوجه التعديلات الدستورية وتحقيق مطالب المحتجين. وفقاً لذلك، يبدو بأن الاشكالية الدستورية في تعديل الدستور، هي اشكالية سياسية في الاساس وليست اشكالية دستورية؛ لأن المادتين
أعلاه رسمت طرق تعديل الدستور العراقي بشكل واضح وصريح.