ا. م. د. حسين أحمد السرحان
رئيس قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء.
كانون الاول/ 2019
حالها حال اي قوى سياسية متحكمة في ادارة شؤون الدولة والمصالح العامة، لاسيما في البلدان المتخلفة والشمولية، لا تنظر الا بعيون استدامة السلطة والنفوذ والمال في اوقات خروج الاحتجاجات للمطالبة بالتغيير واصلاح الوضع العام. وبالتالي تسعى الى توجيه الاتهام وخلط الاوراق وبعثرة الوعي الجمعي بهدف الحد من الاحتجاجات وبث الاحباط والتشكيك بين المشاركين. وهذا ما عملت عليه “الاحزاب السياسية” في الاحتجاجات الجارية في وسط وجنوب العراق خلال تطور مساراته منذ بداية تشرين الاول الماضي.
مما نلاحظه على هدف تعامل “الاحزاب السياسية” مع الاحتجاجات الجارية انه ركز على انهاء الاحتجاجات وتذويبها وافراغها من محتوياتها، من دون العمل على توافر قراءة واقعية موضوعية لطبيعة حركة الاحتجاج، وأنثروبولوجيا المشاركين ومضمون رؤاهم وحتى الجوانب السيكولوجية والسسيولوجية. ولهذا يمكن ان نصف التعامل على انه تعامل استفزاز اعتمد العنف وسيلةً لترويع المحتجين عبر نقل التعامل الامني مع الاحتجاجات من اجهزة الدولة الامنية الى فواعل (مسلحة) غير حكومية. وهذا ما يمكن ان نعبر عنه بالقول: ان القرار الامني اُختِطف من قبل تلك الجهات. وهذا ما ظهرت مصاديقه باستمرار في ساحات عدة وحالات متعددة.
المشهد المرعب لأحزاب السلطة هو خسارة النظام القائم منذ 2003، وما نتج عنه من مكتسبات دامت اكثر من (16) سنة ولازالت. وهذا المشهد لازال قائم ومضاعفاته بمخاوفه واهمها الاجراءات القانونية المرتبطة بمحاكمة المتورطين بقتل المحتجين وقضايا الفساد لم تُحسم بعد.
بعد استقالة الحكومة التي توافقت عليها الكتل النيابية الكبيرة، اصبحت هذه الكتل و”القوى السياسية المنضوية في تشكيلتها امام خيارين:
الاول: توفر ارادة سياسية وطنية تنظر بعين بناء الدولة وتتبنى رؤية الاصلاح السياسي في تحسين المسار في البلاد وبث الحياة في جسد الدولة المتهرئ. وهذا ينظر له ويصنف ضمن الاصلاح بمبادرة من النظام وهو ما ينضوي تحت نمط التغيير السياسي الداخلي، بعبارة اخرى، هو التغيير الذي يحصل بدوافع داخلية. وهذا اذا ما تحقق او بدأ العمل عليه سيوصد الباب امام التدخلات الخارجية في الاصلاح السياسي والتي (اي التدخلات الخارجية) تسعى الى ضمان استدامة مصالحها التي استمرت طوال المدة بعد 2003. تحقق هذا المسار سيجنب العراق من الانزلاق نحو العنف كما يحصل في سوريا واليمن وليبيا والذي دائما ما يشير له من قبل بعض عناصر “الاحزاب السياسية” كمصدر تخويف وتهديد للدولة.
الثاني: استمرار المماطلة والتسويف في تحقيق الاصلاح السياسي المطلوب والذي لابد منه وهو ما تأخر كثيرا. ومؤكدة خطورة هذا المسار، اذ ان المراهنة على الوقت كأسلوب للتعامل مع الاحتجاجات سيطول من عمر “الازمة” كما تنظر لها “الطبقة السياسية”، وهذا يفتح الباب مشرعا امام التدخلات الخارجية لاسيما اذا ما ترافق ذلك مع تخلي مؤسسات الدولة لاسيما الامني عن مهامها، وعدم ايمانها بضرورة التغيير والاصلاح السياسي والتي(اي القوى الامنية) من المفترض ان تتولى مهمة الحفاظ على النظام العام خلال المرحلة الانتقالية التي تمهد الطريق امام انتخابات مبكرة تكون اول خطوة امام تحقيق الاصلاح السياسي اجرائيا.
علنا، تؤكد ” القوى السياسية” على السير في الخيار الاول ولكن غير المعلن ان المصالح والمكتسبات لازالت تكبح اي فكرة للتغيير والاصلاح السياسي ، الامر الاخر ان الفواعل من غير الحكومة هي الكابح الاهم لأي خطوة لتحقيق الاصلاح السياسي، وهذه الفواعل منذ نشأتها، اداة بيد تلك القوى السياسية في تحقيق ارادتها وكحامي لمصالحها ومكتسباتها.