م. حمد جاسم محمد الخزرجي باحث في قسم إدارة الأزمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء كانون الأول 2019
يمكن أن يترجم الصراع الايراني – الامريكي والذي بدأ بعد الثورة الايرانية إلى صراع مرتبط بالسيطرة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط ، فمنذ عام 1979 وتحت تأثير الخلافات بين الطرفين الايراني والامريكي، وقيادتهما حروبا بالوكالة من خلال اتباعهم في المنطقة، والتي كادت أن تصل في بعض الاحيان إلى المواجهة المسلحة المباشرة، بدأت بعض التقارير تكتب عن وجود صراع قوي بين كلا الدولتين الايرانية والامريكية، ولكن ليس بشكل مباشر وإنما بالوكالة من خلال ظهوره في مناطق كالعراق، وسوريا، ولبنان، والخليج العربي، واليمن، وقد تجلت مظاهر هذا الصراع في اتساع نطاق الانتشار البحري للقوة العسكرية الايرانية في المياه الدولية المفتوحة، وقيامها بمناورات بحرية منفردة، أو بمشاركة قوات من الصين و روسيا، وهو الأمر الذي ترى فيه الولايات المتحدة تهديدًا لمصالحها في المنطقة، إذ تعد منطقة الخليج العربي خاصة والشرق الاوسط عامة محط أنظار دول العالم كافة، لأهميتها الاقتصادية والاستراتيجية لهم. وهناك عدة أسباب للتنافس الامريكي الايراني على النفوذ في المنطقة منها: اقتصادية : ففي الوقت الذي تعد الولايات المتحدة منطقة الشرق الاوسط ذات اهمية عظمى لها، ولا سيما من الناحية الاقتصادية لاحتوائها على كميات كبيرة من موارد الطاقة، إذ تضم المنطقة 42% من الاحتياط العالمي، وتساهم ب60% من الصادرات النفطية العالمية، وهي مهمة للاقتصاد الامريكي، بيد إن ايران تنظر إلى المنطقة كبوابة اقتصادية وسوق واسعة لصناعتها الناشئة، فضلًا عن إنها تنظر إلى العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة عليها بأنها تمثل سلاحًا معاديًا ضد التطور الاقتصادي والصناعي الذي تنشده، و الهدف منه هو وقف التطور الايراني حتى لا تكون انموذجًا لدول المنطقة والتي أغلبها تحت النفوذ الامريكي المباشر. استراتيجية : تعد منطقة الشرق الاوسط موقعًا استراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة الامريكية، ونقطة انطلاق نحو مناطق مهمة للنفوذ الامريكي في آسيا الوسطى وشرقها فضلا عن القرن الافريقي، إلى جانب إنها تضم طرق النقل المهمة نحو اوروبا، وفي الاتجاه نفسه ، فإن ايران ترى إن منطقة الشرق الاوسط تمثل منطقة نفوذ تقليدية لها، وذلك لوجود روابط قومية ودينية مع دولها، وهي تعدها طريقًا مهمًا لنقل الطاقة الايرانية باتجاه اوروبا وشرق آسيا وجنوبها، لهذا فإن كل دولة ترى في تحرك الأخرى تهديدًا لنفوذها ومحاولة لابعادها عن المنطقة. هناك رغبة أمريكية جامحة في السيطرة على ايران وإعادتها للنفوذ الامريكي، لما تتمتع به هذه الدولة من أهمية اقتصادية، واستراتيجية، وعسكرية لها، إذ ترى الولايات المتحدة إن ايران ستكون حامية للمصالح الامريكية لما تتمتع به من ثقل اقتصادي وعسكري، وهي لا تحتاج إلى دعم امريكي مثلما هو حاصل مع دول الخليج الاخرى، إذ يمكن الاعتماد على امكانياتها الذاتية في حماية النفوذ الامريكي، ولهذا فإن ايران تتلمس هذه الرغبة الامريكية، وهي تحاول منع ذلك، بل وتبحث عن دور لها في المنطقة واحترام متبادل لمصالح الدولتين من دون الحاجة للعبة الصفرية التي تحاول امريكا تنفيذها ضد ايران. العلاقات مع دول المنطقة: تعد الولايات المتحدة إن توسع علاقات ايران مع دول المنطقة ولا سيما الدول التي تضم أراضيها موارد مهمة للطاقة مثل العراق وسوريا واليمن، وتمدد نفوذها إلى بعض دول الخليج العربية هي محاولة ايرانية للتمدد على حساب الدور الامريكي، لهذا هي تحاول بكل السبل مواجهة هذا التمدد، و أما ايران فهي تعد علاقاتها مع دول المنطقة علاقات طبيعية على وفق العرف الدولي ولا تعده تدخلًا فيها، وإن دعمها لدول المنطقة في مواجهة الإرهاب لا يمكن أن يكون تهديدًا للمصالح الامريكية بقدر ما هو تأمين استقرار المنطقة، ومنع امتداد الفوضى إليها. وفي ظل هذه الأوضاع، ومن أجل احتواء الصراع الايراني الامريكي في المنطقة، وتجنب اندلاع أي حرب فيها، لأهميتها لهذه الدول من ناحية توريد موارد الطاقة (النفط، والغاز) لدول العالم، فضلًا عن إن نشوب أي حرب فيها قد لا يقتصر على دولها و إنما قد يمتد إلى أغلب دول العالم، وقد تقوم حرب عالمية تكون عواقبها كارثية، لم تنفك دول العالم الأخرى ومنها اليابان في العمل على أن تأخذ دورها من أجل انهاء هذه الأزمة، وقد بدأ التحرك الياباني بالوساطة بين الدولتين منذ انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، إذ كانت مناسبة لطرح هذه المبادرات، ثم تلا ذلك زيارة رئيس وزراء اليابان (شينزو آبي) لإيران في 12 حزيران 2019 ولقائه كبار المسؤولين الايرانيين ومنهم المرشد الأعلى (اية الله علي الخامنئي)، إذ كانت هذه الزيارة في إطار حلحلة الأزمة بين الدولتين وفتح مجالات للحوار في سعي من اليابان و رغبة في أن تفضي هذه الحوارات إلى عقد اتفاق دائم ينهي هذا التنافس. و قد ذكرت بعض المصادر إن الرئيس الايراني (حسن روحاني) قد توجه في زيارة إلى كل من ماليزيا واليابان، و اكد الرئيس الايراني إن زيارته لليابان التي كانت يوم الخميس الموافق 19 كانون الاول 2019، هي لتقوية العلاقات بين البلدين ولاعلاقة لها بالحوار مع الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد إن هذه الزيارة ظاهرها العلاقات الثنائية، و باطنها محاولات من أجل رفع العقوبات عن ايران وايجاد مجالات للتفاوض بين الدولتين، مثلما حصل في الاتفاق النووي عام 2015. إن مهمة اليابان بالرغم مما تواجهه من صعوبات يتمثل في حل الأزمة الايرانية الامريكية، و هناك مؤشرات على نجاحها منها: تمتع اليابان بعلاقات طيبة وقوية مع كل من ايران والولايات المتحدة، وهي تمتلك علاقات تجارية واسعة مع ايران، وتصنف من ضمن الدول المهمة لشراء النفط الايراني، وهناك شركات لها تعمل في ايران، وترى إن اي توتر في المنطقة سيؤثر على نموها الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، فإن اليابان تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة. تعد اليابان وسيطًا محايدًا ومؤثرًا وموثوقًا به لدى الطرفين، ولهذا فإن لها دور مهم في حل الخلافات بين كل من ايران والولايات المتحدة، ولا سيما إذا ما قلنا إن التحرك الياباني لم يأتِ من فراغ، وإنما هناك رغبة امريكية- ايرانية لاستئناف المفاوضات و حل الخلافات بينهما . وصول الولايات المتحدة لقناعة مهمة وهي إن أغلب الموضوعات المختلف عليها تتعلق بالبرنامج النووي، وبرنامج الصواريخ بعيدة المدى، وهي أمور من الممكن إعادة التفاوض عليها في ضوء سلمية البرنامج النووي الايراني الذي تقره الأمم المتحدة، إذ إن أغلب التزامات ايران بموجب اتفاق عام 2015 سوف تصبح منتهية بحلول عام 2020، وعام 2025، وتحديدًا المتعلقة بتخصيب اليورانيوم والبرنامج الصاروخي والتسلح، لهذا فإن جلب ايران للمفاوضات هو مهم لتصحيح الاتفاق النووي بدلًا من خسارته للابد. حاجة الاقتصاد الايراني إلى علاقات متطورة مع دول متقدمة مثل اوروبا واليابان ولا سيما حاجتها لشركات الاستثمار في مجال الطاقة، وتخفيف العقوبات الامريكية عليها، لهذا فهي لا يمكنها أن ترفض دعوة هذه الدول لتخفيف التوتر مع الولايات المتحدة، حتى لا تخسر دعم دول العالم الاخرى لها. مع كل الخلافات بين الدولتين والحروب بالوكالة في بعض دول المنطقة، فإن الولايات المتحدة وايران قد عقدتا عدد من الجولات التفاوضية السابقة من أجل انهاء الخلافات بينهما ، وتحديدًا بعد تحرك الولايات المتحدة نحو افغانستان والعراق، وتبادل السجناء الذي تم أخيرًا بوساطة سويسرا. وخلاصة القول، فإن إعادة ايران والولايات المتحدة للتفاوض بوساطة يابانية قد يكون ممكنًا مثلما حصل في الماضي، عندما تمكنت الوساطات الدولية أن تقرب وجهات النظر بين الدولتين والتوصل للاتفاق النووي عام 2015، ولا سيما إن أوضاع المنطقة لا تحتمل مزيدًا من الحروب والفوضى، ولكن على مدى تاريخ العلاقات الايرانية –الامريكية فإن الاخيرة كانت دائمًا تتنصل من التزاماتها الدولية وتعيد فرض العقوبات على ايران، فعلى الرغم من وصول رؤساء اصلاحيين في ايران واستعدادهم للتفاهم مع الولايات المتحدة مثلما حصل في عهد الرئيس الايراني الاسبق الراحل (هاشمي رفسنجاني 1989-1979)، الذي حاول أن يخفف الخلافات ، و يعيد العلاقات مع الولايات المتحدة الا إن الإدارة الامريكية تحت رئاسة (كلنتون) أصدرت قانون داماتو 1996، والذي فرض عقوبات على الشركات التي تستثمر في ايران اكثر من 20 مليون دولار، كما إن الرئيس الايراني الاسبق ( محمد خاتمي 1997-2005)، هو الآخر سعى إلى تخفيف التوتر وقيادة سياسة انفتاحية مع الولايات المتحدة من خلال حوار الحضارات، واستنكاره حادثة 11 ايلول 2001، وابعاد ايران عن وضع المعرقلات امام القوات الامريكية في احتلال افغانستان، فقد وضع الرئيس الامريكي الاسبق (جورج دبليو بوش) ايران ضمن دول محور الشر مع العراق وكوريا الشمالية، فضلًا عن استمرار التهديد بالحرب العسكرية ضد ايران ولا سيما عام 2008، وفرض عقوبات دولية شاملة على ايران استمرت من عام 2006 إلى عام 2015، ردًا على البرنامج النووي الايراني، و لعل اشدها كانت عقوبات عام 2012، والتي اشتركت فيها دول الاتحاد الاوربي، وبالرغم من عقد الاتفاق النووي في عهد الرئيس الامريكي السابق (باراك اوباما) عام 2015، ورفع العقوبات الدولية عام 2016، فإن الولايات المتحدة استمرت في فرض العقوبات الاقتصادية على ايران، ومحاولة التدخل في التحريض الداخلي فيها، حتى وصل الأمر إلى انسحاب إدارة الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) من الاتفاق النووي في شهر آيار من عام 2018، وفرض عقوبات امريكية جديدة على قطاع النفط والمصارف الايراني وعلى الشركات النفطية التي تتعامل مع ايران، في محاولة من الولايات المتحدة لتصفير تصدير النفط الايراني، وذلك في أسلوب جديد للإدارة الامريكية من أجل ضرب الاقتصاد الايراني، وإثارة الشارع على النظام السياسي في محاولة لإسقاطه. وبهذا فإن أية وساطة لا توقف على رغبة الساعي لها، أو رغبة طرف واحد وإنما تتوقف على جدية الولايات المتحدة في تعاملها مع ايران والتي لم تكن واقعية على مدار تاريخ العلاقات بين الدولتين.