د. سعدي الابراهيم
رئيس قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة كربلاء
———————–
تعلمنا من المتظاهرين ان قوة العراق بشعبه
تتعلم الدول من التجارب التي تمر بها، فتعيد صياغة قناعاتها وفق تجاربها . واذا ما حاولنا ان نرصد ما تعلمه العراقيون شعبا ونظاما سياسيا من المظاهرات، التي عاشتها بلادهم في الفترة الاخيرة، فسنجد الآتي :
اولا – ان الشعب بركان يغلي :
فعلى العكس مما كان يروج له البعض، من ان الشعب العراقي قد استكان واثر الخضوع ، وانه تعود على الصبر حتى لو كان على حساب حقوقه بالعيش الكريم والحياة الامنة المرفهة ، فهذه المظاهرات قد فندت هذا الاعتقاد وارسلت رسالةً واضحةً لا تقبل الشك، ان العراق لازال فيه شعب حي لا يتنازل عن حقوقه مهما طال صبره .
ثانيا – حدود التدخل الدولي :
من الدروس والعبر التي دشنتها المظاهرات، ان للتدخل الدولي حدود لا يمكن تجاوزها، ومهما كان للدول الاخرى من نفوذ وتأثير في دائرة صنع القرار ، تستطيع به ان تحرك اتجاه الاحداث، فان لهذا النفوذ حدوداً تقف عندها، تتمثل في ارادة الشعب العراقي وهيبته وكبرياءه .
ثالثا – فشل القوى السياسية العراقية :
بعد ستة عشر عاماً من التغيير، باتت القوى السياسية العراقية في موقفٍ لا تحسد عليه، فقد ذهبت أيديولوجياتها أدراج الرياح، وظهر الشعب وكأنه لم يتأثر بها ، بل على العكس جعل منها السبب الاول للفساد وسوء اداء الدولة ومؤسسات وعجزها عن ادارة نفسها .
رابعا – الهوية الوطنية :
إختفت الشعارات التي تمثل الهويات الفرعية : المذهبية والقومية، وإرتفعت رايات ورموز وشعارات كلها تصب في صالح الهوية الوطنية الام . وهذا تطور كبير وقفزة نوعية ، خاصة وان الشعب بات يتفهم ويدرك كل شيء . يعرف ان الاختلافات محصورة في السلطة فحسب وان التعايش السلمي والاخوة الوطنية هي فوق كل شيء .
خامسا – الشعب يقود النخبة:
كان الشعب يتطلع ان تقوم النخبة (بكل انواعها : المتعلمة والمثقفة والمتدينة و …) ، بإرشاده وقيادته، الى الطريق الصحيح، طريق الرقي والتنمية والازدهار . لكن هذا الشيء لم يحدث، بل حدث العكس ، اذ انطلقت القيادة من الخلف، او لنقل من الجماهير الواسعة ، من القاعدة وليس من الراس .
سادسا – العشائر والشعب :
بالرغم من كل ما قيل عن تسييس المؤسسة العشائرية، لصالح السلطة والاحزاب السياسية ، فقد أثبتت أغلب العشائر انها مع الوطن ومع بقية شرائح المجتمع، مع الفلاح والعامل والطالب والفقير . الغيرة والحمية العربية، جعلتها تهب لنجدة المتظاهرين، وتقف الى جنب مطالبهم، رغم ظروف البلاد .
اذن، للمظاهرات دروس تفوق الفوائد السياسية التي قد تتحقق، بل هي محطة مهمة في تاريخ العراق الطويل . وستكون مرجعاً لكل ثائرٍ وحرٍ في المستقبل يريد أن يكون وطنه أفضل مما هو عليه .