م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
كانون الثاني 2020
إن تعرض قيادة قاطع عمليات الجزيرة للحشد الشعبي في الانبار، وموقع اللواءين ( 45 و46 ) في الحشد الشعبي يوم الاحد 29 كانون الأول 2019 ، إلى عدوان أمريكي يعد تطورًا خطيرًا في المنطقة، إذ إن استهداف الولايات المتحدة للحشد الشعبي العراقي داخل الأراضي العراقية مستمر في عدة أماكن في نينوى ، وصلاح الدين، والأنبار، وكركوك و حتى في مناطق محيط بغداد، منذ انطلاق عمليات تحرير الأرض من مجموعات داعش الإرهابي ، إلا إن عملية استهداف الحشد الشعبي في منطقة القائم هذه المرة تختلف عما سواها، لأن أغلب تلك العمليات كانت الولايات المتحدة تنفي قيامها بها ، فضلًا عن إن بعض الاتهامات كانت توجه إلى اسرائيل باستهداف الحشد الشعبي ولا سيما بالطائرات المسيرة، بينما في هذه العملية، أعلنت الولايات المتحدة إن قواتها هي من استهدف الحشد في القائم، وإن هذه العمليات سوف تستمر إذا تم استهداف قواتها داخل العراق.
لقد تم استنكار هذه العملية من قبل أغلب المسؤولين العراقيين وعلى أعلى المستويات، إلى جانب الاستنكار الشعبي، كما أعلنت المرجعية الدينية ادانتها لهذه العملية وعدتها انتهاكًا لسيادة العراق الوطنية، وأكدت على أن لا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية، فضلًا عن استنكار العدوان الامريكي لقوات الحشد الشعبي في العراق من قبل بعض دول العالم وعده تهديدًا للاستقرار والأمن في المنطقة والعراق.
وعلى الرغم من إن الحشد الشعبي يُعد قوة عسكرية نظامية وتابعة للقائد العالم للقوات المسلحة بعد إصدار قانون الحشد الشعبي، إلا إن هناك عدد من الجهات الداخلية والخارجية تنظر إلى الحشد الشعبي بريبة وخشية وتعده عامل خطر عليها وعلى مصالحها في المنطقة، لهذا جاء استهداف الحشد لعدة أسباب ودوافع، منها:
- كانت الولايات المتحدة ولا تزال تنظر للحشد الشعبي بوصفه قوة عسكرية منظمة تعمل بمهنية، وتعارض وجودها العسكري في العراق، لهذا تعدها خطرًا على وجودها وعلى مصالحها في العراق والمنطقة، ولا سيما إن لقوات الحشد الشعبي دور فعال في مقاومة المجموعات الارهابية (القاعدة وداعش)، وإنهاء وجودها في العراق وسوريا، وهو ما اعطى الحشد الشعبي دعمًا داخليًا واقليميًا، وجعل من الخطط الامريكية ومصالحها في المنطقة في خطر، لهذا فهي دائما تدعو إلى حل الحشد ونزع سلاحه.
- الكيان الاسرائيلي من جهته يعد الحشد الشعبي قوة عسكرية عقائدية معادية لوجود اسرائيل في المنطقة، وداعم أساس لفصائل المقاومة الفلسطينية، وقد زاد خوف الكيان الاسرائيلي بعد وصول الحشد الشعبي العراق إلى حدودها لأول مرة منذ عام 1973، وهو ما عدته عامل خطر حقيقي لها، و لا بد من مواجهته، و إيجاد الوسائل لاستهدافه بتحريض الولايات المتحدة أو بشكل مباشر.
- دول الخليج العربية و تحديدًا السعودية، و الدول المرتبطة بها مثل البحرين والامارات هي الأخرى تنظر إلى قوة الحشد الشعبي وامكانياته و لا سيما العقائدية والوطنية و تعدها خطرًا عليها، فهي تخشى من الحشد في حالة حدوث أية مواجهة مع العراق، إذ عدت هذه الدول إن مشاركة الحشد مع الجيش العراقي في مواجهة المجموعات المسلحة من القاعدة وداعش الارهابية والتي دعمتها بعض دول الخليج العربية وهزيمتها وتحرير الاراضي عامل عدم استقرار لهذه الدول، أو ان يكون وجود الحشد الشعبي سابقة يمكن أن تطالب بها أو تتبعها الاقليات الدينية في دول الخليج الأخرى لحماية حقوقها، لهذا فإن هذه الدول ظلت تدعو وتحرض الولايات المتحدة لاستهداف الحشد الشعبي و لا سيما إنها من ضمن الدول التي أيدت الغارة الامريكية على مقرات للحشد الشعبي في القائم.
- داخليا، وعلى الرغم من إقرار قانون الحشد الشعبي وعده مؤسسة رسمية ضمن القوات المسلحة العراقية و تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة، إلا إن بعض الأطراف الداخلية بقيت معارضة لوجود الحشد الشعبي في مناطقها، و دعت إلى دمجه بالقوات المسلحة، بينما ظل موقف الاكراد رافض لأي وجود للحشد، أو دور في العراق، بوصف قوة الحشد قوة وطنية تقاوم أية محاولة لتقسيم العراق، فقد كان موقف الحشد الرافض للاستفتاء على استقلال اقليم كردستان العراق عام 2017 ، وانتشاره بسرعة على حدود الاقليم واخراج البيشمركة من كركوك ومناطق في محافظات الموصل وديالى ، سببًا لموقف الاكراد غير الودي من الحشد ومطابقة مواقفهم مع امريكا في حل الحشد أو تحجيم دوره.
- عدم وجود توافق حكومي داخلي في النظرة للحشد الشعبي، و لا سيما مع انطلاق الاحتجاجات ضد الحكومة في 1 تشرين الاول عام 2019، و دعوات عديدة على حصر السلاح بيد الدولة، ومنع وجود أية قوة خارج إطار الدولة، و هذا الأمر اعطى الولايات المتحدة الدافع والحجج لاستهداف الحشد الشعبي.
و بناء على ما تم ذكره فإن السيناريوهات التي يمكن أن تحدث هي :
السيناريو الأول : الرد على العدوان، إن قوات الحشد الشعبي المستهدفة سوف ترد على عدوان القوات الامريكية سواء أ كان داخل الاراضي العراقية أم خارجها، وهناك عدد من المؤشرات التي تدل على هذا الرد، منها، ظهور تسريبات اعلامية من قبل الإدارة الامريكية بأن هناك مشروع قادم لتصفيات جسدية لعدد من الشخصيات الجهادية والداعمة للحشد الشعبي، وهي سياسة نفذتها ضد قادة فصائل المقاومة الاسلامية في سوريا ولبنان، لهذا فإن الحشد الشعبي سوف يدافع عن قوته وقادته و لن يبقى بدون رد، ولا سيما إن فصائل المقاومة الاسلامية سواء أ كانت في العراق أم لبنان أم اليمن أم سوريا ، فقد نفذت عمليات ردًا على الاعتداءات الامريكية والاسرائيلية و في مناطق داخل أو خارج المنطقة.
فضلًا عن تهديد قيادات في الحشد الشعبي وعلى اعلى المستويات بان استهداف القوات الامريكية للحشد الشعبي في القائم لن تبقى بدون رد، وهذه التهديدات تأتي من إن الرد العسكري ضد الولايات المتحدة ومصالحها هو عملية ردع لأمريكا، ومنعها من تكرار استهداف مقراتها مستقبلًا.
السيناريو الثاني: الضغط الشعبي، وهو عدم الرد على الضربة الامريكية لمقرات الحشد الشعبي، مقابل استمرار الضغط الشعبي من خلال التظاهرات والاحتجاجات أمام السفارة الامريكية، و لا سيما بعد دعوات التهدئة ومنع تدهور الاوضاع إلى المواجهة المباشرة، وهناك عدد من المؤشرات حول هذا السيناريو، منها: إن الحالة السياسية والأمنية التي يمر بها العراق حاليًا، ورغم محاولة الإدارة الامريكية جر الحشد الشعبي إلى معارك جانبية من خلال دفع بعض العناصر في التظاهرات العراقية بإتجاه الصدام مع القوات الأمنية، وإثارة الفوضى من أجل دخول الحشد الشعبي في المواجهات الداخلية، إلا إنها فشلت في مسعاها، ولهذا فهي دخلت بشكل مباشر على خط استهداف الحشد الشعبي، وهنا فإن الرد على القوات الامريكية داخل العراق والمواجهة معها سوف تعطي امريكا الفرصة لتوسيع المواجهة مع الحشد من خلال قواتها مباشرة أو من خلال دفع بعض العناصر المندسة لإثارة الوضع الداخلي وتهديد استقرار العراق.
و يظهر إن استنكار المرجعية الدينية، وأغلب المسؤولين العراقيين للعدوان الامريكي على مقرات الحشد الشعبي، والمطالب بحفظ أمن وسيادة العراق، تصب باتجاه الحؤول دون تحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية على أراضيه، وهو الأمر الذي يعني ضمنا رفض المرجعية لأي صراع اقليمي امريكي يكون العراق طرفًا فيه، إلى جانب رفض المرجعية الدينية لأي رد عسكري خارج إطار الدولة والقوات المسلحة العراقية، و لهذا فإن قوات الحشد الشعبي عليها أن تكسب الدعم الشعبي الواسع لها ولا سيما في ساحات التظاهر والتي نددت بالضربة الامريكية واحرقت اعلامها، و لابد من استثمار الدعم الشعبي ليكون مقدمة للضغط على الحكومة لإخراج القوات الامريكية من العراق لاحقًا.
فضلًا عن ذلك فإن الولايات المتحدة سوف لن تصعد من المواجهات مع قوات الحشد الشعبي في العراق، وسوف تبحث عن حلول للازمة، لأن المواجهة مع الحشد الشعبي بالرغم من القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة ستكون ذات نتائج مكلفة لها في المنطقة، و لا سيما مع وجود قواعد أمريكية في العراق والمنطقة، والتي قد تكون مناطق استهداف مهمة للمقاومة الإسلامية، وقد لا تقتصر المواجهة بين الطرفين على العراق، وإنما قد تتطور إلى حرب اقليمية شاملة وهو ما تعارضه العديد من دول المنطقة على الرغم من رفضها لوجود الحشد الشعبي.
إن السيناريو الثاني هو الذي سوف يسود الساحة العراقية حاليًا، لأن الضربات الامريكية للحشد الشعبي لم تأت من باب التفوق الامريكي في المنطقة، أو إنها مجرد عملية لتقويض قوة الحشد أو اضعافها، و لكن هذه الضربة تدل عن نفاذ صبر الولايات المتحدة، وعجز وكلائها في المنطقة والعراق وعدم تمكنهم من إضعاف الحشد ودوره في العراق، و بالتحديد بعد هزيمة الارهاب الداعشي وإنهاء وجوده في العراق وسوريا، وإقرار قانون الحشد الذي أصبح اساسًا ينظم وجود الحشد وعمله، وبهذا فإن هذا الاستهداف وعلى الرغم من خسارة الحشد باستشهاد عشرات المقاتلين وجرح العديد منهم، فإنه اعطى دعمًا اضافيًا للحشد الشعبي ووحد الصف الوطني معه، فقد انطلقت في ساحات الاعتصام وفي كل العراق شعارات تستنكر هذا العمل وترفض الوجود الامريكي، وتعده سببًا لعدم الاستقرار في العراق، إلى جانب الرفض الدولي الواسع له، وقد يكون هذا دافعًا قويًا لإلغاء الاتفاقية الأمنية مع واشنطن وخروجها من العراق.