ميثاق مناحي العيسى
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الثاني 2020
تتسارع الاحداث في العراق بالشكل الذي يجعل المتابع والمهتم بالشأن العراقي غير قادر على مواكبة ما يحصل، ففي الوقت الذي انتفض فيه الشعب العراقي على سوء الاوضاع في البلد واحتجاجاً على سلوكيات الطبقة السياسية الحاكمة، حصلت بعض المتغيرات الخطيرة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بعد تصاعد حدة الصراع الأمريكي – الإيراني في المنطقة، لاسيما بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ونائب هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي في 2/1/2020، الأمر الذي رفع احتمالات المواجهة العسكرية “غير المباشرة” بين الطرفين، الامر الذي سيجعل من العراق ساحة مفتوحة و بيئة خصبة لتلك المواجهة. وقد بدأت ملامح المواجهة مبكراً بالاستهدافات المتكررة بين الطرفين لمواقع عسكرية ومقرات أمنية سواء في بغداد أو في مدينة القائم أو في كركوك، من خلال اعتماد الطرفين على قواعدهم واذرعتهم العسكرية في العراق. وعلى أثر ذلك، تعالت اصوات اغلب القوى السياسية العراقية الموالية لإيران ولاسيما تلك التي تمتلك فصائل واجنحة عسكرية”، بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع واشنطن وإلغاء طلب المساعدة من قوات التحالف الدولي، تمهيداً لخروج القوات الأمريكية من العراق. وبالفعل تم عقد جلسة استثنائية للبرلمان العراقي يوم الاحد الماضي من أجل التصويت على قرار خروج القوات الأجنبية، ونجح البرلمان العراقي في التصويت بالأغلبية على هذا القرار. هنا ربما سنكون على اعتاب مرحلة جديدة تحمل مخاطر وتحديات على كافة المستويات، وربما نكون إمام سيناريوهات لاتحمد نتائجها، لاسيما مع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وتفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي، واتساع الفجوة بين السلطة والشعب. وهنا يجب أن نتفق على أن القرار الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي بخروج القوات الأجنبية من العراق، قرار متسرع وغير مدروس بعناية، بلحاظ عواقبه وتداعياته المستقبلية ، في الوقت الذي تحتاج فيه هكذا قرارات إلى التأني والدراسة وتغليب حكمة العقل والمنطق؛ لأن القرار يتعلق بأمن واقتصاد ومستقبل الدولة العراقية، لاسيما وأن القرار يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي اللاعب الاساس والمؤثر في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره. وفي حال اصرت القوى السياسية والحكومة العراقية على قطع العلاقات مع الولايات المتحدة وطرد قواتها خارج العراق بهذه الطريقة، حينها سنكون أمام عدة سيناريوهــــــــــــــــــــا، منها:
سيناريو التقسيم: من المحتمل جداً أن تلجأ الإدارة الأمريكية بعد قرار انهاء تواجد قواتها في العراق إلى سحب قواتها ونقل قواعدها العسكرية إلى شمال العراق في أربيل ومناطق كردستان، وحينها، ستبادر الولايات المتحدة في الاعتراف بنتائج استفتاء اقليم كردستان التي جمدته في عهد حكومة السيد العبادي، وربما ستستخدم نفوذها الاممي من أجل الاعتراف الدولي، بدولة كردستان الجديدة، وهنا ستكون أربيل محور القيادة والسيطرة والتحكم، وستكون بغداد الحلقة الاضعف بين الاقليمين السني والكردي؛ لأن الإدارة الأمريكية ستكون داعمة أيضاً لإقليم سني في غرب العراق، على غرار الإقليم الكردي في شمال العراق.
سيناريو العقوبات: هذا السيناريو لا يقل سوءا عن السيناريو الأول، فمن المحتمل ايضاً أن يلغى استثناء العراق من العقوبات الأمريكية على إيران، وهذا ربما يكون طبيعي جداً، لكن الاسوأ من ذلك، هو أن تفرض الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية عقوبات اشد واقسى من العقوبات التي فرضت على إيران، أو تلك التي فرضت على العراق بعد الغزو الكويتي. وهذا ما لوح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين، تعليقاً على قرار البرلمان العراقي القاضي بخروج القوات الأجنبة من العراق، إذ قال: “في حال غادرت قوات بلاده العراق بطريقة غير لائقة وبشكل غير ودي، فسيّتعين على بغداد أن تدفع لواشنطن تكلفة قاعدتها الجوبة، وسنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً، وستكون العقوبات التي فرضت على طهران شيئاً صغيراً بالنسبة لها”.
سيناريو اللادولة: ربما تلجأ واشنطن إلى سيناريوهات أخرى، لا تقل شأناً عن السيناريوهات أعلاه، وقد يصل الغضب الأمريكي إلى دعم مشروع استمرار اللادولة، وارجاع الوضع إلى فترة الحرب الطائفية أبان تواجد قوات الاحتلال في بغداد بشكل رسمي. وهذا سيعيد العراق إلى المربع الأول بعد عام 2003، من تفجيرات واغتيالات وانتشار للجريمة، وسيكون منطق اللادولة هو السائد على كافة المستويات.
سيناريو دعم الجماعات الإرهابية: من المؤكد جداً بأن الولايات المتحدة لا تريد الخروج من العراق في الوقت الحالي، وتريد ايضاً ان تحافظ على وجودها لأطول فترة ممكنة، إلا أنها لو اجبرت على الخروج، ربما تضع العراق والعراقيين بين خيارات صعبة، وقد يكون سيناريو “داعش” في العام 2014 حاضراً في السيناريوهات لمرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية، وحينها سنكون امام سناريوهات اخرى بجانب هذا السيناريو، إذ ستكون لغة السلاح وعدم احترام القانون والنزاعات العشائرية والانفلات الأمني حاضراً وبقوة في العراق.
وتلافياً لما سبق، قد يكون امام الحكومة العراقية والبرلمان العراقي، قنوات أخرى يمكنها التعامل بها مع الوجود الأمريكي في العراق، سواء من خلال الطرق السياسية والدبلوماسية والاعراف الدولية، أو من خلال الاتفاقيات الثنائية المعقودة بين الطرفين، فضلاً عن القنوات الدولية والأممية من خلال المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، التي من الممكن أن تنهي الوجود الأمريكي في العراق بشكل ودي بعيداً عن المهاترات السياسية ومنطق القوة ولغة السلاح والتهديد، وهذا ما اشار إليه الرئيس الأمريكي من خلال تعليقه على قرار البرلمان العراقي القاضي بخروج القوات الأجنبية، بأن الطرق الودية افضل للعراق والولايات المتحدة الأمريكية في نهاء الاتفاق بين الطرفين. إذ يجب أن تُأخذ مصلحة العراقي الاستراتيجية بما يراعي وضعه الحالي (السياسي والاقتصادي والأمني) في تحديد العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية. فمن الممكن جداً تشكيل فريق دبلوماسي قادر على التفاوض مع الولايات المتحدة من خلال اعداد خطوات قانونية وسياسية لأنهاء الاتفاقية الأمنية وأنهاء الوجود الأمريكي بالطرق الودية. وبهذا قد نكون انهينا الوجود الأجنبي وجنبنا العراق سيناريوها اقل ما يقل عنها بأنها “مرعبة”.