الكاتب: دانيال بايمان
الناشر: صحيفة لوفير بلوغ
٢٧/١٢/٢٠١٩
ترجمة : هبـــه عباس محمد علي
مراجعة وتحليل: د. حسين احمد السرحان
قسم الدراسات السياسية
يواجه العراق اضطرابات خطيرة من المحتمل أن تفرض إصلاحات محدودة في النظام السياسي ولكن ليس من باب احداث تغيير شامل، اذ سوف يستخدم هيكل القوة العراقي الحالي ، بدعم إيراني ، مزيجًا من القمع ، والتعاون ، والتنازلات المحدودة لإضعاف المعارضة. وان عدم وجود قيادة واضحة للمعارضة سيؤدي الى نجاح هذه التكتيكات، وبالمقابل فأن موقف الولايات المتحدة في العراق ضعيف، ومن المحتمل أن يكون لواشنطن – حتى لو رغبت في ذلك – تأثير ضئيل على الأحداث هناك.
تحد خطير
تعد الاحتجاجات الأخيرة في العراق من أخطر الأزمات التي يعاني منها النظام السياسي العراقي الذي ساعدت الولايات المتحدة في تأسيسه بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003، كما تُظهر الاحتجاجات، التي يقودها جيل ناشئ من العراقيين، فشل عملية بناء الدولة العراقية في السنوات الـ 15 الماضية.
يقود هذا الاضطراب فئات متعددة من المجتمع وفي مناطق مختلفة من العراق، الامر الذي يوحي بعمق الغضب الشعبي على الحكومة، والاستياء من الدور الإيراني في البلد فضلا على الظروف المعيشية الصعبة. يعد العراق احد اكثر دول العالم فسادا و يدرك المحتجون هذا الأمر تماماً، فضلا على الكثير من المشاكل الأخرى مثل قيام الحكومة العراقية باحتجاز الفريق عبد الوهاب الساعدي/ نائب قائد قوات جهاز مكافحة الارهاب العراقية الذي قاد المعركة ضد “داعش” في الموصل، ويرى المتظاهرون ان اتخاذ الحكومة لهكذا قرار كان بمثابة عقوبة له بسبب رفضه الفساد.
ومن جانبها قتلت قوات الأمن العراقية والجماعات شبه العسكرية، التي تعمل بدعم وتوجيه من إيران حوالي 400 عراقي على الأقل وأصابت عدة آلاف آخرين. وبهذا الصدد دعت شخصيات عراقية مهمة، مثل آية الله العظمى علي السيستاني، إلى انتخاب قيادة جديدة ورفض التأثير والتدخل الخارجي، يحتضن العديد من القادة الآخرين علنًا على الأقل بعضًا من أجندة المحتجين بينما يقلقون في الوقت نفسه من احتمال فقدانهم للسلطة ويبحثون عن فرص لركوب هذه الموجة.
استجابة النظام
يقود عدد من قادة الفصائل المسلحة النظام السياسي العراقي، ويشكل هؤلاء القادة تحالفات متقلبة وغير مريحة تمكنهم من الاستيلاء على موارد الدولة العراقية وتوجيهها إلى أتباعهم للحفاظ على نفوذهم. تستخدم هذه النخب المحاكم ووسائل الإعلام وغيرها من أشكال سلطة الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة. ساعد هذا الاتفاق الذي تقوده الفصائل المتنافسة العراق على تجنب الحرب الاهلية، تثير هذه الاحتجاجات عدة تساؤلات ومن المحتمل ان يمتنزج رد فعل النظام الحكومي بين القمع والإحباط والإصلاح المحدود.
لدى سماسرة السلطة العراقيين -بما فيهم من تربطهم علاقات وثيقة مع إيران- مجموعة من الخيارات القمعية المتاحة، وعلى الرغم من ان بعض قوات الامن العراقية موالية بشكل كبير للحكومة ولا تهاجم المتظاهرين، الا ان هناك عناصر مترامية الأطراف تهاجم المتظاهرين. ومع استمرار الاحتجاجات ، ازداد القمع، وقتل القناصة عددا من المتظاهرين وقامت قوات الأمن العراقية بمهاجمة وقتل متظاهرين غير مسلحين في بغداد ، واطلقت طائرة مسيرة فوق منزل مقتدى الصدر ، رجل الدين الشيعي البارز الذي تبنى المظاهرات، وقام افراد الحشد الشعبي- القوة شبه العسكرية التي تضم جماعات شيعية مدعومة من ايران- بمهاجمة المتظاهرين فيما كشفت احد المصادر الإخبارية بأن هناك حملات من الاعتقالات الجماعية والترهيب والتعذيب بحق المتظاهرين من قبل هذه الجماعات.
من المحتمل أيضًا أن يحاول قادة النظام ، بدعم إيراني ، تحديد شخصيات المعارضة الرئيسة وتكوينها لكسب أو تأمين ولائهم عبر الفساد أو عروض مناصب في المؤسسات، وسيتم قمعها، ضمنيًا على الأقل، بالقمع.
لتحقيق التوازن بين الاستقطاب والقمع، من المحتمل أن تقدم النخب السياسية تنازلات للمتظاهرين كمحاولة لاظهار استجابتهم لمطالب المتظاهرين لكنهم في الوقت ذاته يتجنبون التغييرات الحقيقية، ومثال على ذلك هو استقالة عادل عبد المهدي واستعداد قادة اخرين للتضيحة بأنفسهم لكنهم غير مستعدين للتغيير الجذري للنظام، كما يمكن لقادة البلاد إجراء بعض التغييرات على القوانين الانتخابية بهدف ظاهري يتمثل في تقليص الفصائل، وإجراء انتخابات جديدة ، ومحاسبة المفسدين، وتلبية بعض مطالب المحتجين. بمرور الوقت، واذا انخفض حماس المتظاهرين من المرجح ان يؤخر القادة العراقيين هذه الإصلاحات وسيتم استخدام الفساد للتحايل على الإرادة الشعبية.
من المحتمل أن تلعب طهران دورًا هاماً في دعم هيكل السلطة العراقي، الذي تسيطر عليه حاليًا، وتلعب الفصائل الموالية لها (وفي بعض الأحيان ينسقها الحرس الثوري الإسلامي أو غيرهم من الأفراد الإيرانيين) أدوارًا رائدة في القمع. كما سيساعد الدعم المالي الايراني في شراء العديد من القادة. أخيرًا ، ستضغط طهران من أجل إزالة بعض القادة أو إجراء تغييرات للحفاظ على النظام ككل. وبشكل عام، من المرجح أن تدرك طهران الحاجة إلى التراجعات التكتيكية والتغييرات التجميلية من أجل الحفاظ على سياستها في العراق.
المعارضة الضعيفة
تتمتع المعارضة بمستويات قوية من الدعم الشعبي ، لكنها سيئة التنظيم ومنقسمة وبلا قيادة. الاحتجاجات ضد كل شيء وهذا الأمر ساعد على زيادة المشاركة الشعبية ، لكنها تجعل من السهل أيضًا استرضاء العناصر المنفصلة (مثل الطلاب) بتنازلات ضيقة، كما ستؤدي الانقسامات الطائفية والخلافات الإقليمية الى زيادة ضعف المعارضة، وبهذا سيجد المحتجون صعوبة في تقديم جبهة موحدة وستكون الحركة معرضة بدرجة كبيرة لجهود ترمي الى تقويضها.
إذا نجح الزعماء السياسيون الحاليون في قمع وإضعاف حركة الاحتجاج ، فسوف يصبح العراق دولة ضعيفة تهيمن عليها إيران، و الاحتمال الآخر هو ان تسود الفوضى والعنف في العراق الأمر الذي سيزيد من تدخل جيرانه الانتهازيين فضلا على ايران، وكذلك تشجع الاكراد على المطالبة بالحكم الذاتي او الاستقلال، وفي كلتا الحالتين ، سيستمر تركيز القادة العراقيون على تأمين قواعد قوتهم وتهدئة المشاعر الشعبية، مما يجعلهم يترددون في تخصيص الموارد من اجل تحسين الحكم وتوفير الخدمات في المناطق التي دمرها “داعش”.
الآثار المترتبة على المصالح الأمريكية
نفوذ الولايات المتحدة على السياسة العراقية ضعيف ويمكن أن يكون هذا الموقف السيئ فرصة للولايات المتحدة لدعم المزيد من التغيير والانفتاح السياسي والانحياز بشكل أكبر للجيل الجديد، وعلى النقيض من السنوات السابقة فإن أمريكا مستفيدة بشكل اقل من النظام السياسي الحالي. لذا على الولايات المتحدة تسليط الضوء على القمع المفرط من قبل الحكومة ضد المتظاهرين، والتدخل الإيراني في العراق، ومن غير المرجح أن تؤدي هذه الجهود إلى تغيير الوضع بشكل كبير في العراق ، لكنها ستعمل على تحسين التصورات الشعبية لصالح لولايات المتحدة.
التحليل:
بداية، ونتيجة للموقع الجغرافي للعراق وموقعه الجيوسياسي للمعادلة الحاكمة للشرق الاوسط، فأنه لا يمكن فصل المتغيرات المحلية عن المتغيرات الخارجية سواء اكانت اقليمية او دولية. ولكن مع توافر هذا الادراك لدى الوعي الجمعي العراقي الا ان العراقيين ومنهم المتظاهرين يؤمنون ان صلاح الوضع في العراق هو مسؤولية داخلية لابد ان تتولاه القوى السياسية والنظام السياسي ومؤسساته. اما زج متغير التظاهرات في قلب المعادلة التصارعية والتنافسية في المنطقة فهو حاصل بشكل مؤكد ولكن هذا لا يعني ولا يسمح لأطراف الصراع الاقليمي والدولي ان توظفه لمصالحها ولهذا لاحظ ان الشعارات في ساحات التظاهر تندد بالتدخل الايراني كما تندد بالتدخل الامريكي وهي ضد أي تدخل خارجي سلبي قائم على اساس جعل العراق تابع لهذا الطرف او ذاك. وان المطالبة بإزالة “القوى السياسية من الساحة السياسية العراقية” جاء نتيجة وعي المتظاهرين بان السبب في هذا التدخل الخارجي هو الولاءات الكبيرة والمتجذرة لأغلب القوى السياسية بأطراف الصراع الاقليمية والدولية في منطقة ملتهبة وذات امن نسبي الا وهي الشرق الاوسط.