الكاتب: عباس اصلانی
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط/ طهران
ترجمة : م. خالد حفظي التميمي
تحليل : م . مؤيد جبار حسن
اُجريت مناورات بحرية كبيرة بين إيران وروسيا والصين في بحر عمان وشمال المحيط الهندي (27 / كانون الأول 2019). تعد هذه أول مناورة مشتركة بين الدول الثلاث منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران. فضلا عن طبيعة المناورة، فأن توقيتها له أهمية خاصة بالنسبة لإيران، وربما لروسيا والصين ايضا. حيث اجتمعت إيران وروسيا والصين لإجراء مناورات بحرية مشتركة ، وإرسال رسالة إلى عدوهم المشترك أو خصمهم ، امريكا.
اتبعت امريكا استراتيجية الاحتواء الثلاثي ضد إيران وروسيا والصين. هذه السياسة سوف تحفز الدول الثلاث بما فيه الكفاية على الاتحاد ضد العدو المشترك.
مع تصاعد التوترات في المنطقة بعد الهجمات على ناقلات النفط والمنشآت النفطية السعودية في الصيف الماضي، حاولت الولايات المتحدة ان تتهم ايران وان تعزلها من المنطقة وزيادة “الضغوط القصوى” عليها، اذ تسعى واشنطن الى استغلال هذه الفرصة من خلال بناء تحالف بحري ضد إيران في المنطقة، ورفضًا لأي تورط في الهجمات، حاول المسؤولون الإيرانيون تقويض الاستراتيجية الأمريكية من خلال اتخاذ عدد من المبادرات. ففي خطاب ألقاه الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول 2019، كشف عن مبادرة هرمز للسلام، والتي تهدف إلى ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال التعاون بين إيران والعراق ودول الخليج بالتنسيق مع المنظمة الأمم المتحدة. بعد ذلك بوقت قصير، اقترحت إيران فكرة مناورة بحرية مشتركة مع روسيا في المنطقة. بعد أسابيع قليلة ، أعلنت الصين استعدادها للانضمام الى المناورة.
تعتبر المناورات المشتركة مع الصين وروسيا خطوة مهمة لإيران. تريد طهران ان تقول انه يعزز من مقاومتها ضد استراتيجية الضغوط القصوى، على الرغم من الضغوط الاقتصادية على إيران ، والتي فشلت في عزل إيران من الناحية السياسية والأمنية. حيث تدرس روسيا أيضًا هذا التعاون المشترك في سياق المفهوم “الأمن الجماعي” في الخليج العربي ، وقد بعثت برسالة إلى الأمم المتحدة في تموز الماضي. على الرغم من أن هذه السياسة تشمل جهات فاعلة إقليمية ودولية أخرى ، فإن هذا التعاون يمكن أن يعزز سياسة روسيا ، خاصة إذا انضمت دول أخرى في المستقبل.
تعد الصين ، أكبر مستورد للنفط في العالم، وتعتمد على الخليج العربي لغرض توفير الكثير من احتياجاتها من النفط. لذلك ، فهي عرضة لأي اضطرابات في الخليج العربي ومضيق هرمز. نتيجة لذلك ، ستبذل بكين قصارى جهدها ، باستثناء المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة ، للقضاء على المضاربة واحتمال نشوب حرب عسكرية بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة. لذلك ، إذا بدت إيران أقل عزلة ، فأن فرص الحرب مع إيران في الخليج العربي ستكون أقل أيضًا. في حين أن المناورة البحرية قد تفيد إيران من حيث التوازن الإقليمي في بعض الدول العربية ، بما في ذلك السعودية. ويبدو أن إيران وروسيا والصين لا تسعى الى تحقيق هدف مشترك، اذ من المرجح أن تطمئن موسكو وبكين ، وبسبب مصالحهما الاقتصادية مع السعودية و الدول العربية في المنطقة، بأن المناورة البحرية المذكورة أعلاه لا تهدف إلى التعاون مع إيران ضدها. لكن الدول الثلاث – إيران وروسيا والصين – وصلت إلى نقطة مشتركة في مناوراتها البحرية – مفادها هو إرسال رسالة إلى عدوهم المشترك ومنافسهم ، الولايات المتحدة اذ اتبعت الاخيرة استراتيجية الاحتواء الثلاثي مع إيران وروسيا والصين. هذه السياسة سوف تحفز هذه الدول الثلاث بما فيه الكفاية على الاتحاد ضد الخصم المشترك. اذ تميل بكين وموسكو وطهران بشدة إلى تقويض الهيمنة الأمريكية في المنطقة مع تراجع الوجود والنفوذ الأمريكي. بالنسبة لإيران ، هذا يعني الخروج من العزلة المحتملة ، واما بالنسبة الى الصين وروسيا ، تقوية وجودها في المنطقة من أجل فوائد أكبر والتي بدورها حافزًا لتحويل التوازن بما يضر بالولايات المتحدة. لقد منحت عملية استانا[1] الخاصة بسوريا, إيران وروسيا الثقة في أنهما يمكنهما تحقيق أهدافهما في المنطقة بشكل مستقل عن امريكا.
أخيرًا ، تعتقد إيران أن هدف امريكا من التحالف البحري هو السعي الى تحقيق امنها بدلا من هدفه المتمثل في تامين المنطقة إن اقتراح مبادرة هرمز للسلام وإجراء مناورات مشتركة مع دول أخرى هو جزء من اللغز الذي تريد إيران ومع أصدقائها وحلفائها ، صون وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة ، حتى لو لم تكن امريكا موجودة. ان مصير مثل هذه الخطوة هو وجود أعضاء جدد واستدامة الأعضاء الحاليين على طول الطريق.
التحليل:
تعد هذه المناورات هي الأكبر والأكثر خطورة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، حيث ارتفع مستوى التوترات لدرجة التهديد بالحرب الشاملة بين اطراف الصراع .
وكان الناطق باسم الجيش الإيراني الجنرال ” أبوالفضل شكارجي ” قد أعلن أن هذه المناورات هي لتبادل الخبرات بين القوات المسلحة للدول الثلاث، وكذلك من أهدافها الأخرى مواجهة الإرهاب والقرصنة البحرية، وذلك باعتبار المناطق تلك ذات ثقل تجاري وهذا يضفي أهمية كبيرة لها .
ويبدو ان لكل طرف من اطراف المناورة جملة اهداف يسعى الى تحقيقها ورسالة مبطنة يروم ايصالها . ففيما يخص القوتين ( روسيا والصين ) فهما تسعيان الى منافسة الولايات المتحدة وايجاد موطئ قدم لهما في تلك البقعة المهمة .
اما ايران ، وهذا المهم ، فالمناورات رسائل الى الداخل بان النظام لازال قويا ويمتلك أصدقاء دوليين كبار . اما خارجيا ، فهي تريد ان تُـفهم واشنطن وحلفائها الإقليميين بانها ليست الوحيدة المسؤولة عن أمن المنطقة والخليج وبالأخص عصب النفط فيه، كما انها تشير الى ان بإمكان طهران الخروج من العزلة الدولية التي تنفذها أمريكا بحقها من خلال الاستعانة بفاعلين دوليين من أمثال روسيا والصين ، بالإضافة الى ان المناورات ، وهذا هدفها التقليدي، ماهي الا استعراض عضلات ترهب به عدوك بما تمتلكه من أسلحة فتاكة ومتطورة ، وبالتالي البيئة الدولية ، لا زالت ، تضع الاعتبار الأكبر لمن هو قوي وليس من هو على حق .
رابط المقال الاصلي:
https://www.cmess.ir/Page/View/2019-12-23/4527
[1] محادثات أستانة للسلام في سوريا، هي محادثات جرت بين ممثلي الدولة السورية وعدد من قادة فصائل المعارضة السورية برعاية روسية وتركيا وذلك في العاصمة الكازاخستانية “أستانة” في 23 و24 كانون الثاني 2017