م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم إدارة الأزمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء شباط 2020
صفقة القرن واحدة من مشاريع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهي سياسة الهدف منها هو رفع مستوى التوتر في المنطقة، والحراك الشعبي من أجل مزيد من التقسيم وتفتيت دول المنطقة إلى دويلات متناحرة لحماية مصالح الغرب واسرائيل، فما يحدث من حراك شعبي في دول المنطقة هو تمهيد لتقسيم هذه الدول وتفتيتها. لقد انشغلت منطقة الشرق الاوسط عامة، والساحة العربية والفلسطينية خاصة بما يسمى بصفقة القرن من أجل حل القضية الفلسطينية، واحلال السلام في المنطقة – على حد قولهم- من خلال حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وانشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، وكان من المتوقع أن يطرحها صهر الرئيس الامريكي (جاريد كوشنر) خلال مؤتمر في البحرين عقد يومي 25 و26 يونيو من العام 2019، إلا إنه تم تأجيلها الى ان اعلنها ترامب في لقائه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي (نتنياهو) في 28 كانون الثاني 2020، وقد استقبلت بالمعارضة الدولية والعربية والاسلامية، وأبدى الفلسطينيون غضبهم الكبير ورفضهم القاطع لبنود وحيثيات صفقة القرن. تاريخ صفقة القرن إن أول من طرح فكرة صفقة القرن هو الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) عند زيارته للولايات المتحدة عام 2017، ولقائه الرئيس الامريكي (دونالد ترامب)، إذ قال للرئيس الامريكي خلال اللقاء إن هناك حل للقضية الفلسطينية وهذا الحل سماه بـ (صفقة العصر)، فرد عليه الرئيس الامريكي إنها ستكون الصفقة النهائية، بوصفه صانع صفقات كبرى في المنطقة. والصفقة التي طرحها السيسي تتضمن دولة فلسطينية على حدود عام 1967، تضم الضفة الغربية مع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، على ان تؤجر اسرائيل منطقة الاغوار على حدود الاردن، و بقاء المستوطنات الاسرائيلية لحين ايجاد حل لها من خلال تبادل الأراضي أو حلها. وبعد طرح هذه الصفقة من قبل مصر بدا إنّ الفلسطينيين ايضا كانوا متفائلين بها، ففي زيارة محمد عباس لأمريكا عام 2017 ولقائه ترامب قال: إن بإمكان فخامة الرئيس أن يمضي بهذه الصفقة هذا العام، وقد كان الفلسطينيون و لا سيما حركة فتح موافقين على هذه الخطة والمدعومة عربيًا. و على الرغم من الموافقات العربية على هذه الصفقة الا إن اسرائيل كانت متحفظة عليها أو رافضة لها، لأنها تريد أن تحصل على ما تريد بدون صفقات، و أيضًا عدم إلزام نفسها باتفاقات وجداول محددة، فضلًا عن إنها لا تريد أن تتنازل عن ما بحوزتها من أراضي و لا سيما القدس الموحدة، والمستوطنات والاغوار، والجولان، لهذا فقد حركت اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ، و على وجه التحديد مستشاري الرئيس ترامب، ومنهم صهره (كوشنير)، وقد كان هدف اسرائيل هو الضغط على الإدارة الامريكية لإصدار قرارات في صالحها، ولعل أهمها ما يخص القدس، إذ اصدر الرئيس الامريكي قرارًا بنقل سفارة امريكا للقدس، وعدّها عاصمة موحدة للكيان الاسرائيلي، و أيضًا اعتراف امريكا بالجولان كجزء من اسرائيل، تبعها اعتراف امريكي بضم المستوطنات في الضفة للكيان، و مساندة امريكا اسرائيل برفض عودة اللاجئين الفلسطينيين لإسرائيل، والضغط على الفلسطينيين للاعتراف بيهودية اسرائيل، وهي تعني عدم وجود حق لهم في جزء منها مستقبلًا، لهذا جاءت الموافقة الاسرائيلية على الصفقة بعد الحصول على ما كانت تريده من الإدارة الامريكية، ونقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل وضم المستوطنات والجولان، وهي أمور ما كانت يمكن أن تحصل عليها اسرائيل في اية إدارة أمريكية سابقة، وجاء إعلان الصفقة النهائية والتي هي في صالح اسرائيل. خطة الصفقة: لقد اعلن الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) عن صفقته في 28 كانون الثاني 2020، بعد أن أفرغ الدولة الفلسطينية من محتواها، وضمن موافقة بعض القادة العرب مثل السعودية والامارات والبحرين وعمان ومصر، وصمت دول عربية أخرى. و هدف الخطة الظاهري هو حل القضية الفلسطينية بشكل سلمي من خلال المفاوضات وبشكل نهائي، من خلال ضمانات امريكية عربية، و لمدة انتقالية امدها أربع سنوات، مع منح الفلسطينيين منح ومساعدات مالية كبيرة تصل إلى 50 مليار دولار، لبناء ما يقارب الـ 179 مشروعًا وبنية تحتية ومصانع ومنشآت ومطارات، لتشغيل الفلسطينيين بعضها في سيناء المصرية بعد الاتفاق مع مصر على شراء الأرض واستثمارها، و ينفق نصفها اي ( 27.7 ) مليار دولار في الضفة الغربية وغزة، فضلًا عن إنفاق 9 مليار دولار في مصر، و7 مليار دولار في الأردن، و6.3 مليار دولار في لبنان، مع نزع سلاح المقاومة، وأية دولة منزوعة السلاح على 22% من فلسطين التاريخية، مع اعتراف فلسطيني عربي بيهودية إسرائيل وعقد سلام دائم معها، وإعلان سيطرة إسرائيل على 30% من الضفة الغربية ضمن المناطق التي تعرف باسم “ج”، و على وفق تصنيفات اتفاق أوسلو المبرم عام 1993، مع بقاء القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل؛ وضم جميع مستوطنات الضفة الغربية التي يزيد عددها عن 100 مستوطنة، والهدف هو منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي فلسطين المحتلة، و ضم منطقة غور الاردن والبحر الميت لإسرائيل لمنع اي اتصال بين فلسطين والمشرق العربي. أسباب عقد الصفقة الخفية: إن الصفقة تستبعد إعلان دولة فلسطينية قابلة للحياة، لأن ما بقي من فلسطين التاريخية 22% وهي أرض غير متصلة الأجزاء، و إن الخطة تقضي بسلب القدس والمستوطنات وأراضي الاغوار والبحر الميت، و يتم اتصال اجزائها عن طريق الانفاق والجسور والتي هي تحت السيطرة الاسرائيلية، و هذا يجعل من الاخيرة ذات سيطرة فعلية على هذه الدولة الناشئة. السيطرة على الحدود الدولية: ليس لها حدود دولية سوى مع مصر، و أما حدودها مع الأردن أي الاغوار، والبحر الميت فقد ضمت أراضيها إلى اسرائيل، بمعنى إنها أصبحت دولة حبيسة تحت رحمة الدولة المسيطرة. نزع سلاح المقاومة: إن هدف الصفقة أيضا هو نزع سلاح الدولة الفلسطينية القادمة، وهذا يعني نزع سلاح المقاومة، و بهذا تكون دولة منزوعة السيادة، و على ما يظهر فإن سلاح المقاومة وعلاقاتها مع محور المقاومة هو تهديد حقيقي لإسرائيل و وجودها في المنطقة، وهو يفوق اي تهديد آخر. منع عودة اللاجئين الفلسطينيين، فالهدف الآخر هو منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم في اسرائيل، مع عدم امكانية عودتهم إلى الأراضي في الضفة وغزة، لعدم وجود مقومات العودة من أراضي و عمل، و لأن عدد المهجرين يقدر بـ (6) مليون لاجئ فلسطيني في الشتات، فضلًا عن إن دعم اسرائيل وبعض الدول العربية للمجموعات الارهابية المسلحة في المنطقة والتي قامت بتهجير الفلسطينيين اللاجئين من العراق وسوريا من أجل إبعاد أي وجود فلسطيني قريب من اسرائيل. إن تقديم دعم للفلسطينيين بأموال تقدر بـ 50مليار من الدول العربية، ما هي إلا حلول مؤقتة وغير فاعلة، و يبدو على هذه الحطة إنها خطة بريطانية طبقت في ايرلندا الشمالية من خلال ضخ الأموال والاستثمارات مقابل الأرض والسيادة والتي انهت القضية الايرلندية، و هنا فالخطة تقضي بدفع أموال عربية للفلسطينيين مقابل ترك أرضهم، أي إن اسرائيل قد أخذت أرض العرب بأموالهم. تصفية القضية الفلسطينية: إن تصفية قضية فلسطين هو قائم منذ حرب الخليج الأولى، إذ إن وقوف الادارة الفلسطينية مع العراق ضد العدوان الامريكي قد حمل في طياته عداءً علنيا خفيا من بعض دول الخليج ضدها، كذلك علاقات بعض الفصائل الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي مع ايران ضمن محمور المقاومة، ووقوفها بوجه الولايات المتحدة واسرائيل، جعل بعض مواقف الدول العربية الخليجية تقف مع السياسة الامريكية وتعلن عدائها لهذه الفصائل، و ليس هذا فقط إنما تعلن تنديدها ورفضها لعمليات المقاومة ضد اسرائيل علنً، وعدها عمليات إرهابية، مثل حرب غزة 2009 و 2012، وظهور فتاوى من بعض علماء الدين في السعودية بان الوقوف مع اسرائيل ضد غزة جائز، هذه المواقف جعلت الولايات المتحدة واسرائيل تسارع لاستغلالها واستثمارها في تحقيق أهدافهم الطويلة الامد، خوفًا من عدم تكرار هذه الفرصة ثانية. سلام وعلاقات مع الدول العربية: إن من أهداف الصفقة هو سلام دائم مع الدول العربية ولا سيما الغنية مثل دول الخليج أو الاستراتيجية مثل القرن الافريقي، إذ إن قبل هذه الصفقة تمكنت اسرائيل ومن خلال دعم امريكي متواصل من فتح علاقات تجارية وثقافية كزيارات بين اسرائيل ودول عربية مهمة مثل دول الخليج العربية والسودان والمغرب وتونس وموريتانيا، و أصبحت هذه الدول تتسابق من أجل التطبيع مع اسرائيل وكأنها فرصة تخاف أن تطير من يدها، أو فرصة أخيرة لها. ضرب محور المقاومة: بالنظر لخطورة هذا المحور على وجود اسرائيل واستقرارها تحديدًا، مع وجود دول داعمة له وهي ايران وسوريا والعراق واليمن، ووجود الشعور نفسه من الخوف لدى بعض دول الخليج العربية من هذا المحور المقاوم، كذلك خطره على المصالح الامريكية في منطقة ذات امكانيات اقتصادية كبيرة جدًا، كل هذا جعل هذه المخاوف تتلاقى من أجل حل القضية الأساس في المنطقة والتي كانت ولا تزال سبب أغلب عمليات المقاومة ضد المصالح الأمريكية والدول الداعمة لها، لهذا فإن نجاح هذه الصفقة، وقبول الأطراف العربية والاسلامية والفلسطينية لها يجعل من محور المقاومة يفقد أهم هدف يسعى إلى الدفاع عنه، وهو القضية الفلسطينية. إن طرح هذه الصفقة بهذه الصيغة والتي هي غير مقبولة من قبل الفلسطينيين وبعض الدول العربية والاسلامية، بل حتى الأمم المتحدة والاتحاد الاوربي قد تحفظا عليها، واعلنا إن أي احتلال اسرائيلي للأراضي في الضفة مرفوض، و من أجل وضع المنطقة والفلسطينيين امام أمر واقع فإن أي رفض لهذه الصفقة والتي وصفها ترامب بأنها الفرصة الأخيرة، يعني إن اسرائيل ستقوم بمرحلتها النهائية بضم كل أراضي فلسطين تحت سيطرتها الكاملة، وهو مخطط طبق منذ عام 1948 إلى اليوم من خلال الضم التدريجي مع طرح الصفقات المستفزة للفلسطينيين لرفضها. إن سعي الإدارة الامريكية لعقد الصفقة هو تحقيق إنجاز على صعيد الداخل الامريكي، من أجل الحصول على دعم اللوبي اليهودي للرئيس ترامب في الانتخابات القادمة عام 2020، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن خطته التي طال انتظارها للسلام في الشرق الأوسط، وأكد من خلالها على أن تظل القدس عاصمة “موحدة لإسرائيل. واقترح حل دولتين، واعلن إن هذه الفرصة هي الفرصة الأخيرة للحل، وان كل خطط ترامب منذ تسلمه للرئاسة عام 2017 تصب في صالح اسرائيل. نتائج الصفقة على العالم والمنطقة. توحيد الصف الفلسطيني: إن رفض السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية،و فصائل المقاومة في غزة لهذه الصفقة، سوف توحد مواقفها، فقد أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض الخطة المقترحة قائلًا: “رفضنا خطة ترامب منذ البداية ولن نقبل بدولة دون القدس”. وخطابه في القمة العربية الطارئة في القاهرة وتأكيده على دولة ضمن حدود 1967، فقد اصبح الخطر الاسرائيلي قريباً جدًا من السلطة الفلسطينية، ولعل حلمها بدولة فلسطينية بعد سنوات طويلة من المفاوضات منذ اعلان اوسلوا عام 193، والتنازلات لم تقد الى نتيجة ، إنما إلى مزيد من الاعتداءات الاسرائيلية، وضم الاراضي، لهذا فإن نظرة الشعب الفلسطيني لقيادته في الضفة قد تغيرت وأصبحت المقاومة في نظرهم هي الحل لاستعادة الاراضي. الرفض الدولي: رفض الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوربي لكل السياسات الاحادية الجانب من جانب اسرائيل والولايات المتحدة حول القدس والجولان والمستوطنات، وآخرها رفضهم لصفقة القرن، وعدها مخالفة لقرارات الامم المتحدة، إذ تعد مجرد استيلاء غير شرعي على الأراضي الفلسطينية، و على اسرائيل أن تنسحب منها، و لا سيما إن بعض الدول الاوربية قد منعت دخول منتجات إلى دولها مصنعة في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، و إن روسيا من جانبها قد اعلنت إنها سوف تدرس الصفقة جيدًا، وهي سياسة تحاول من خلالها كسب المزيد من التأييد الشعبي العربي لدورها في المنطقة، وهو ما يعد دعم دولي للفلسطينيين وحقهم في دولتهم وعودة اللاجئين. رفض أغلب الدول العربية والاسلامية لهذه الصفقة وتأكيدها على حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، إذ إن الدول العربية التي كانت ضمن محور الصفقة قد بدأت تتراجع عنها بسبب الضغط الشعبي، فقد اعلنت السعودية إنها مع الخطة العربية لعام 2002، كما إن تركيا أعلنت إن هذه الصفقة ولدت ميتة، وإنه لا يحق للولايات المتحدة عقد الصفقات نيابة عن الفلسطينيين، في حين إن ايران والعراق وسوريا واليمن وهي محور المقاومة كان موقفها واضحًا من خلال رفض أي احتلال اسرائيلي لفلسطين وانها بعاصمتها القدس الموحدة هي دولة عربية اسلامية لا يمكن التنازل عنها، يضاف إلى ذلك رفض كل فصائل المقاومة لأية صفقة تنال من حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة. زيادة التوتر في المنطقة: إن رعاية الولايات المتحدة لهذه الصفقة ووقوفها إلى جانب اسرائيل سوف يجعل من مصالحها في المنطقة هدفًا للمقاومة الفلسطينية والاسلامية، فقد جعلت هذه الصفقة من امريكا عدوًا لشعوب المنطقة، وإن تحرك اسرائيل وضربها للاتفاقات والقرارات الدولية هو بسبب وقوف امريكا إلى جانبها، الأمر الذي يزيد من التوتر والصراع في المنطقة، إذ إن هذا العمل اعطى شرعية اضافية لفصائل المقاومة للقيام بأعمال انتقامية ضد المصالح الامريكية في المنطقة، فضلًا عن تحريك الشارع العربي شعبيًا ضد أية تسوية أو إقامة علاقات مع اسرائيل، فقد تم الاعتراض على لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني (عبد الفتاح البرهان) برئيس وزراء اسرائيل (نتنياهو) في اوغندا وعلى المستوى الرسمي والشعبي في السودان ، إلى جانب ذلك فقد رفضت هذه الصفقة من قبل أغلب الشعوب العربية والاسلامية. و بالرغم من كل ما طرحه الرئيس الامريكي (ترامب) لحل القضية الفلسطينية، وما طرح قبله منذ عام 1948، فإن هذه الحلول لم تكن مقبولة، أو حتى يمكن القبول بها من جانب الشعب الفلسطيني والعربي، وحتى لو قبل الحكام العرب بها فيبقى رأي الشعب العربي إذ إن له الكلمة الأخيرة ، وهنا أيضًا فلا يمكن تجاوز حقيقة إن هذه الصفقات هي مخالفة لقرارات الأمم المتحدة والتي لاتزال سارية المفعول.