المدرس الدكتور: حيدر فوزي الغزي…. مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
أصدر البرلمان العراقي قرارا نيابياً في جلسته الطارئة الاستثنائية المنعقدة يوم الأحد الموافق (5-1-2020) من الفصل التشريعي الاول/ السنة التشريعية الثانية/ الدورة النيابية الرابعة، واستناداً الى احكام المواد الدستورية (59/ ثانياً والتي تنص على “تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة، بعد تحقق النصاب ما لم ينـص على خلاف ذلك” والمادة (109) والتي تنص على “تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي”، يدعو فيه الحكومة إلى طرد القوات الأمريكية من البلاد ردا على استهداف القوات الامريكية لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس (جمال جعفر الابراهيمي) وقائد فيلق القدس الجنرال الإيراني (قاسم سليماني) على الارض العراقية في غارة جويه بطائرة مسيّره يوم الجمعه الموافق (3-1-2020).
وقدًمت الحكومة شكوى الى مجلس الامن الدولي والامم المتحدة بشأن الضربة العسكرية، وكانت قد تعالت اصوات النواب بالهتاف داخل جلسة المجلس وبعد انتهائها هتف النواب خلال وبعد الجلسة: “كلا كلا أمريكا، كلا كلا إسرائيل، نعم نعم للعراق، وبغداد تبقى حره امريكا طلعي بره، وعاش العراق”، مع ان عضو مجلس النواب (احمد الجربا-رئيس كتلة المشروع العربي) ابدى تخوّف المناطق الغربية من تدخل دول الجوار بالشأن العراقي بعد انسحاب القوات الامريكية، والذي اثنى بدوره على الدور البطولي للحشد الشعبي في تحرير المناطق الغربية بسواعد ابناء وسط وجنوب العراق.
وقد اوصى رئيس مجلس الوزراء العراقي المستقيل والقائد العام للقوات المسلحة البرلمان باتخاذ اجراءات عاجله لإنهاء وجود القوات الاجنبية واعتبرها من ضمن المصالح المتبادلة بين الدولتين وذلك حرصاً على سلامة العراق وشعبه واراضيه، او ان يذهب الى القرار الاممي الخاص بوجودها لان العراق كان خاليا من القوات الاجنبية منذ (2011) بعد رحيل القوات بموجب اتفاقية الجلاء بين الجانبين العراقي والامريكي في عهد رئيس الوزراء الاسبق (نوري كامل المالكي) لغاية (2014) ولم تتضرر العلاقات مع الولايات المتحدة.
وان الولايات المتحدة قد حذّرت مراراً من ان تعرّض قواتها للخطر سيؤدي الى رد فعل على الفاعل ومن يقف خلفه، فيما اعلن التحالف الدولي وقف معظم العمليات ضد داعش واكد بانهم اليوم يركزون على حماية قواتهم بعد ان الغت الحكومة العراقية طلب المساعدة الامنية المقدم الى التحالف الدولي لمحاربة التنظيمات الارهابية وذلك لانتهاء العمليات العسكرية والحربية في العراق بعد تحقيق النصر والتحرير، واعلن التحالف الدولي عن وقف مهام التدريب والدعم للجيش العراقي بسبب تكرار الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية الامريكية.
لم تقم القوات الامريكية بدورها الحقيقي والمكلفة به من الحكومة العراقية حسب طلب المساعدة المقدم الى قوات التحالف، بل انها تمادت باعترافها بان سلسلة التفجيرات في مستودعات للحشد الشعبي في صيف (2019) في بغداد وصلاح الدين وغيرها كان لإسرائيل يد فيها حسب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، كذلك استهداف الجانب الامريكي لقطعات لحشد الشعبي التي تمسك الارض في المحافظات الغربية والشمالية ومحاولة اجبارها على ترك مواقعها لتسهيل دخول عصابات داعش الاجرامية من سوريا الى العراق، بالإضافة الى قيامها في يوم (29-12-2019) بقصف اللواءين (45-46/ حشد) في القائم/ غربي الانبار وتسببت باستشهاد اعداد كبيرة من منتسبي الحشد وجرح الاخرين، كما اكد السيد رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بتبليغه بهذه العملية من قبل وزير الدفاع الامريكي بقرار احادي قبل تنفيذ القصف بدقائق، وان الحكومة العراقية قد حذّرت وعلى لسان رئيس وزرائها بان مثل هذه الاعمال ستكون لها ردّة فعل عنيفة لا يمكن السيطرة عليها.
وهدد الرئيس الامريكي دونالد ترامب برفع الحماية عن الاصول المالية العراقية من الدائنين في المصرف الفيدرالي الامريكي في حال اصرارها على مغادرة القوات الامريكية من العراق، وهدد بتوجيه ضربة عسكرية لايران بشكل اقوى من اي ضربة واجهتها من قبل اذا ردّت على اغتيال سليماني وانه وجّه لهم النصح بعدم الرد لان الولايات المتحدة ستستخدم معدّاتها العسكرية الجديدة بلا تردّد، وحدّد (52) هدفاً حيوياً في ايران بعضها عالي المستوى والاهمية والاخرى تتعلق بالجانب الثقافي الايراني، مستذكراً احتجاز ايران ل(52) رهينة امريكية الذين احتجزتهم الحكومة الايرانية في السفارة الامريكية في طهران بعد الثورة الايرانية بزعامة الخميني عام (1979).
وبدأ التصعيد بين الجانبين الامريكي والايراني من خلال تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب وقائد الجيش الايراني عبد الرحيم موسوي الذي صرّح بان الولايات المتحدة لا تملك الشجاعة لخوض مواجهة عسكرية مع ايران، في حين ان الرد الايراني جاء سريعاً على يد الحرس الثوري الايراني بعملية سمّيت (عملية الشهيد سليماني) بقصف قاعدة عين الاسد الجوية في حديثه/ محافظة الانبار وقاعدة الحرير في اربيل/ قضاء شقلاوه في يوم الاربعاء الموافق (8-1-2020) بالصواريخ الباليستية الايرانية وتكبيد الجانب الامريكي خسائر بالأرواح والمعدات دون الاعتراف بالخسائر من قبل الجانب الامريكي.
وصدرت بعض التفسيرات من خبراء امنيين من ان الغاء الاتفاقية الامنية العراقية الامريكية ومغادرة قوات التحالف الدولي ال(73) دولة سيخلق فراغاً امنياً كبيراً في العراق، في حين ان القوات العراقية هي من يمسك زمام المبادرة الامنية ويقع على كاهلها جميع المهام الامنية، واما بخصوص الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة فقد طلب العديد من النواب إلغاء الاتفاقية من خلال اخطار الجانب الامريكي وسوف تعتبر منتهية بعد سنة من تاريخ الاخطار حسب بنود الاتفاقية، اضافة الى تشريع القانون الخاص بإلغائها.
وقد اوضح عبد المهدي من ان وجود (قاسم سليماني) في العراق كان مشروعاً وبعلم الحكومة العراقية يوم مقتله، لأنه كان على موعد رسمي معه في الساعة (2.30) صباح يوم (3-1-2020) وكان يحمل رسالة من طهران رداً من الايرانيين على رسالة سعودية للوصول الى اتفاقات وانفراجات للأوضاع في العراق والمنطقة، وان قتل المهندس وسليماني كان اغتيالاً سياسياً.
وتشكل خطوة البرلمان العراقي اختبارًا محوريًا للقوات الأمريكية التي كانت مشاركه في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، واعتبر الجانب الامريكي ان القرار غير ملزم وانه صدر بدعم من السياسيين الشيعة والذي يحث رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي على إلغاء دعوة العراق للقوات الأمريكية التي ساعدت في محاربة التنظيمات الارهابية.
ودعا عبد المهدي مجلس النواب إلى دعم القرار بالرغم من انه جاء من القوى الشيعية فقط، وعكفت القوى السنيه والكردية على المشاركة في هذا القرار الذي يعتبر موقفاً وطنياً في الوقوف بوجه قوى الاستكبار الغاشمة التي تجاوزت حدودها في عملية اغتيال شخصية عراقية واخرى اجنبية على الارض العراقية ولم تحترم سيادة البلاد، وقد عبّر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي والسياسيون عن امتعاضهم من انتهاك الولايات المتحدة لسيادة العراق بضرباتها التي استهدفت هذه الشخصيات العسكرية التي لها دور كبير في مكافحة الارهاب.
وهدد الرئيس الامريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على العراق وفاتورة بمليارات الدولارات إذا اضطرت الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد بعد قرار البرلمان العراقي، وقد رفض ترامب مغادرة قواته العراق دون تعويض، متعذراً بان لدى الولايات المتحدة الامريكية قاعدة جوية باهظة الثمن للغاية وانه صرّح وهو في سلاح الجو الأول أثناء عودته إلى واشنطن قادماً من فلوريدا بأن الأمر يكلف مليارات الدولارات وقال: “نحن لا نغادر إلا إذا دفعوا لنا مقابل ذلك، وإن الولايات المتحدة “ستفرض على العراق عقوبات لم تفرض عليه سابقاً”، ويعاود ترامب قوله “يُسمح لهم بقتل شعبنا” و “يُسمح لهم بالتعذيب وتشويه شعبنا ويُسمح لهم باستخدام القنابل المزروعة على الطريق وتفجير شعبنا، وليس مسموحًا لنا بلمس مواقعهم الثقافية؟ إننا لا نعمل بهذه الطريقة”، ويبدو ان الرئيس الامريكي يجهل بانه محتل لبلد عريق مثل العراق ومعتدٍ على شعبه.
وقد وضعت الولايات المتحدة العراق في موقف حرج بعد تصعيدها الواضح ضد ايران وعلى الارض العراقية، وهذا ما يبين بوضوح خشية الولايات المتحدة من الدخول في مواجهة مباشرة مع ايران، ومستعيضة عنه باستهداف احد قياداتها في العراق.
وأظهر التصويت في البرلمان العراقي كيف أن رد الفعل العنيف ضد استهداف (ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني) يثقل كاهل العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق، مما دفع حكومة بغداد إلى مزيد من التوافق مع طهران، وإنه يلقى مزيدًا من الشك على مستقبل القوات الأمريكية البالغ عددها (5000) جندي في العراق التي جاءت بمهمه محدده وهي المساعدة في الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الذي يسعى فيه المسلحون إلى إعادة تجميع صفوفهم ويستهدفون القوات العراقية بين الفينة والاخرى.
وصرّح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الضغط الايراني دفع عبد المهدي والنواب العراقيين إلى التحرك، وصرّح لصحيفة Fox News Sunday””: “إنه عبد المهدي يتعرض لتهديدات هائلة من القيادة الإيرانية ذاتها”، واضاف: “نحن واثقون من أن الشعب العراقي يريد أن تستمر الولايات المتحدة في الوجود لمحاربة حملة مكافحة الإرهاب.”
وقد شعرت الولايات المتحدة بخيبة أمل إزاء القرار الذي اتخذ في مجلس النواب العراقي، وبينما ننتظر مزيدًا من التوضيح بشأن الطبيعة القانونية وتأثير قرار اليوم، نحث الزعماء العراقيين بقوة على إعادة النظر في أهمية العلاقة الاقتصادية والأمنية المستمرة بين البلدين واستمرار وجود التحالف الدولي لهزيمة داعش، نعتقد أنه من المصلحة المشتركة للولايات المتحدة والعراق الاستمرار في قتال داعش معاً، وتظل هذه الإدارة ملتزمة بعراق يتمتع بالسيادة والاستقرار والازدهار”.
لكن القرار الذي اصدره مجلس النواب العراقي لا يدعو القوات الأمريكية إلى مغادرة العراق فحسب، بل التحالف الدولي بأكمله الذي كان يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، في الامس، واصبح اليوم عدواً للقوات العراقية صراحة.
ومؤخراً علّقت السفارة الامريكية على الاحداث الاخيره في النجف بين المتظاهرين يوم الخميس الموافق (6-2-2020) لكن تم ردّه بتصريح شديد اللهجة من قبل النائب الاول لرئيس مجلس النواب (حسن كريم الكعبي)، حيث قال: “سبق وان رفض الشعب العراقي تدخلاتكم المستمرة بشأنه الداخلي، واليوم نكررها لكم .. دعوا الشأن العراقي للعراقيين، و باشِروا باستكمال الترتيبات الكاملة لإجلاء قواتكم من البلاد بأسرع وقت ممكن”.
واخيراً: لا خيار ثانٍ للجانب الامريكي سوى الامتثال للقرار النيابي العراقي وسحب قواتهم من العراق قبل ان يتأزم الموقف الامني تجاههم…